حماة اليوم

عودة اللاجئين إلى سوريا: وعود بالصيف وعراقيل الكهرباء والسكن

بعد سنوات طويلة من النزوح واللجوء، بدأت أعداد متزايدة من اللاجئين السوريين بالعودة إلى وطنهم، خاصة بعد التغييرات السياسية الكبيرة التي شهدتها البلاد بسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. وقد رافقت هذه العودة وعود كبيرة من الحكومة السورية الجديدة والمنظمات الدولية بتقديم الدعم اللازم للعائدين، بما في ذلك إعادة بناء المنازل وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض يكشف عن تحديات جمة تعيق تحقيق هذه الوعود، أبرزها نقص الكهرباء وشح السكن. في هذه المقالة، سنستعرض الوضع الحالي لعودة اللاجئين إلى سوريا، والوعود التي قُطعت لهم، والعقبات التي تواجههم، بالإضافة إلى اقتراح حلول محتملة لتذليل هذه الصعوبات.

الوضع الحالي في سوريا بعد ديسمبر 2024

شهدت سوريا تحولاً جذرياً بسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مما فتح الباب أمام جهود إعادة الإعمار وتشجيع عودة الملايين من اللاجئين والنازحين الذين فروا من ويلات الحرب. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، عاد أكثر من 1.5 مليون شخص إلى مناطقهم منذ ذلك الحين، في خطوة تعكس الأمل في استعادة الحياة الطبيعية. لكن هذا الأمل يصطدم بواقع معقد، حيث لا تزال البلاد تعاني من دمار واسع في البنية التحتية، وانهيار اقتصادي، وعدم استقرار أمني في بعض المناطق.

الاقتصاد السوري، الذي كان يعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية والزراعة قبل الحرب، أصبح الآن في حالة يرثى لها، مع انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة. وتشير التقديرات إلى أن 16.5 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية، مما يعكس عمق الأزمة التي تواجه البلاد. هذا الوضع يجعل عودة اللاجئين ليست مجرد مسألة رغبة شخصية، بل تحدياً لوجستياً وإنسانياً كبيراً يتطلب تنسيقاً دولياً وعمليات إعادة إعمار ضخمة.

الوعود المقدمة للاجئين: بين الأمل والواقع

مع بدء مرحلة ما بعد الأسد، أطلقت الحكومة السورية الجديدة سلسلة من الوعود لتشجيع اللاجئين على العودة إلى دياردهم. تضمنت هذه الوعود خططاً لإعادة بناء المنازل المدمرة، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، بالإضافة إلى دعم اقتصادي للعائدين لبدء حياة جديدة. كما أعلنت المنظمات الدولية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن التزامها بتقديم مساعدات مالية ولوجستية لتسهيل هذه العودة.

في صيف 2025، تصاعدت الآمال مع إعلانات عن برامج دعم موسمية تهدف إلى استقبال أعداد كبيرة من العائدين خلال هذه الفترة، مستفيدة من تحسن الأوضاع الجوية والتوقعات باستقرار نسبي. لكن سرعان ما تبين أن هذه الوعود تواجه عقبات تنفيذية كبيرة. ففي تصريح له، أشار المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى أن عودة جميع اللاجئين دفعة واحدة ليست واقعية، وأن سوريا في وضعها الحالي غير مستعدة لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة بسبب نقص الموارد والبنية التحتية.

العقبات التي تواجه العائدين

على الرغم من الجهود المبذولة، يواجه اللاجئون العائدون إلى سوريا تحديات متعددة تعيق استقرارهم وتجعل تجربة العودة أقرب إلى الكابوس منها إلى الحلم. ومن أبرز هذه العقبات:

1. نقص الكهرباء: ظلام يخيم على الأمل

تعد الكهرباء أحد أهم الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية، لكن البنية التحتية للكهرباء في سوريا تعرضت لدمار هائل خلال سنوات الحرب. محطات التوليد، وشبكات التوزيع، والمحولات الكهربائية، كلها أصبحت في حالة مزرية، مما أدى إلى انقطاعات متكررة وطويلة في التيار الكهربائي في معظم المناطق. ووفقاً لتقارير دولية، فإن إعادة تأهيل هذه البنية التحتية تتطلب استثمارات بمليارات الدولارات وسنوات من العمل المتواصل.

بالنسبة للعائدين، يعني نقص الكهرباء صعوبة في تشغيل الأجهزة المنزلية، وإضاءة المنازل، وحتى توفير التدفئة أو التبريد حسب الموسم. في بعض المناطق الريفية، قد لا تتوفر الكهرباء إلا لساعات قليلة يومياً، مما يجبر السكان على الاعتماد على مولدات خاصة تعمل بالوقود، وهو خيار مكلف وغير متاح للجميع في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

2. نقص السكن: بلا مأوى في الوطن

الحرب لم تدمر البنية التحتية فحسب، بل حولت مدناً وقرى بأكملها إلى أنقاض. ملايين المنازل أصبحت غير صالحة للسكن، إما بسبب القصف المباشر أو الإهمال خلال سنوات النزوح. ونتيجة لذلك، يجد العديد من العائدين أنفسهم بلا مأوى عند وصولهم إلى مناطقهم الأصلية. بعضهم يضطر إلى العيش في منازل مدمرة جزئياً، بينما يلجأ آخرون إلى مخيمات مؤقتة أو مساكن مشتركة مع أقارب أو غرباء.

الحكومة والمنظمات الدولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة، تحاول توفير حلول مؤقتة مثل توزيع مواد البناء أو إعادة تأهيل بعض المساكن، لكن هذه الجهود لا تكفي لتلبية الطلب الهائل. وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من الوحدات السكنية بحاجة إلى إعادة بناء أو ترميم، وهو ما يتطلب تمويلاً ضخماً وتخطيطاً طويل الأمد.

3. التحديات الاجتماعية والنفسية: جروح غير مرئية

العودة إلى بلد مزقته الحرب ليست مجرد تحدٍ مادي، بل تجربة نفسية واجتماعية معقدة. الكثير من العائدين فقدوا أحباءهم أو ممتلكاتهم، ويعانون من صدمات نفسية تراكمت على مدى سنوات النزوح. رؤية مناطقهم مدمرة، وغياب المعالم التي كانت تشكل ذكرياتهم، تزيد من شعورهم بالاغتراب حتى في وطنهم.

إضافة إلى ذلك، قد تنشأ توترات اجتماعية بين العائدين والذين بقوا في البلاد خلال الحرب. فمن بقوا قد يشعرون أن العائدين “تخلوا” عن البلاد في أحلك لحظاتها، بينما يرى العائدون أنفسهم ضحايا اضطروا للهروب حفاظاً على حياتهم. هذه التوترات قد تعيق الاندماج وتؤخر بناء مجتمع متماسك.

4. الأمن: شبح عدم الاستقرار

على الرغم من سقوط النظام السابق، لا يزال الأمن يمثل مصدر قلق كبير في بعض المناطق السورية. ظهور جماعات مسلحة جديدة، أو بقايا فصائل متشددة، يهدد سلامة العائدين ويزرع الخوف في نفوسهم. في مناطق مثل الشمال الشرقي أو الجنوب، لا تزال الاشتباكات العَرَضية تحدث، مما يجعل العودة إلى هذه المناطق محفوفة بالمخاطر.

حلول محتملة لتذليل العقبات

لتتمكن سوريا من استقبال لاجئيها بشكل مستدام وآمن، يجب معالجة هذه التحديات بعناية وتخطيط. وفيما يلي بعض الحلول المقترحة:

1. تسريع إعادة بناء البنية التحتية

إعادة تأهيل البنية التحتية، وخاصة الكهرباء، يجب أن تكون أولوية قصوى. يمكن للحكومة السورية التعاون مع المجتمع الدولي ومؤسسات مثل البنك الدولي لتسريع هذه العملية. مشاريع مثل إعادة بناء المحطات الفرعية وتأهيل شبكات التوزيع قد بدأت بالفعل، لكنها تحتاج إلى تمويل إضافي وتنسيق أفضل لضمان الوصول إلى جميع المناطق.

2. توفير حلول سكنية مستدامة

لحل أزمة السكن، يمكن اعتماد نهج مزدوج يجمع بين الحلول المؤقتة والدائمة. على المدى القصير، يمكن توسيع المخيمات المؤقتة وتحسين ظروفها لاستيعاب العائدين، بينما يتم على المدى الطويل إطلاق مشاريع إعادة بناء واسعة النطاق بتمويل دولي. كما يمكن تشجيع المبادرات المحلية، مثل منح قروض ميسرة للعائدين لترميم منازلهم.

3. برامج الدعم النفسي والاجتماعي

لتخفيف الأعباء النفسية والاجتماعية، يمكن للمنظمات الإنسانية إطلاق برامج دعم تشمل المشورة النفسية، وورش العمل لإعادة الاندماج، وحملات توعية لتعزيز التضامن بين السكان. هذه البرامج يمكن أن تساعد العائدين على استعادة شعورهم بالانتماء وتخطي صدمات الماضي.

4. تعزيز الأمن والاستقرار

لا بد من تعزيز الأمن عبر دعم الحكومة السورية الجديدة في فرض سيادة القانون ومكافحة الجماعات المسلحة. المجتمع الدولي يمكن أن يلعب دوراً مهماً هنا من خلال تقديم المساعدة العسكرية واللوجستية لضمان استقرار البلاد، مما يشجع المزيد من اللاجئين على العودة بثقة.

الخلاصة: نحو عودة مستدامة وآمنة

تعد عودة اللاجئين إلى سوريا خطوة حاسمة نحو إعادة بناء البلاد واستعادة نسيجها الاجتماعي والاقتصادي. لكن هذه العودة لن تكون ناجحة ما لم تُعالج التحديات الكبرى التي تواجهها، خاصة نقص الكهرباء والسكن. الوعود التي قُطعت في صيف 2025 كانت بمثابة شعاع أمل، لكن تحولها إلى واقع يتطلب جهوداً مشتركة بين الحكومة السورية والمجتمع الدولي. من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وتوفير المأوى، ودعم العائدين نفسياً واجتماعياً، يمكن لسوريا أن تبني مستقبلاً أفضل يتسع لجميع أبنائها العائدين إلى أرض الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى