العصر الإسلامي

حماة في العصر الأيوبي: مركز حضاري وإستراتيجي في قلب الشام

سنتلكم في هذه المقالة عن حماة في العصر الأيوبي

تُعد مدينة حماة، الواقعة في قلب بلاد الشام، من المدن العريقة التي شهدت فترات تاريخية غنية، وكان العصر الأيوبي إحدى أبرز هذه الفترات التي تركت بصمات عميقة في نسيجها الحضاري والعمراني. لفهم مكانة حماة خلال هذه الحقبة، لا بد من استعراض سياق تأسيس الدولة الأيوبية والدور المحوري الذي لعبته في المنطقة من خلال الحديث عن حماة في العصر الأيوبي.

مقدمة: حماة في العصر الأيوبي

تأسست الدولة الأيوبية على يد القائد الكردي البارز صلاح الدين الأيوبي، الذي ارتقى إلى سدة الوزارة في مصر بعد حملة عمه أسد الدين شيركوه الثالثة، وتمكن من القضاء على الدولة الفاطمية سنة 567هـ/1171م. انطلقت نواة هذه الدولة المترامية الأطراف من مصر، وتوسعت لتشمل مناطق واسعة مثل بلاد النوبة (السودان)، إقليم برقة (ليبيا)، تونس، واليمن، بالإضافة إلى توحيد مصر والشام وحلب. لم يكن هذا التوسع مجرد بسط للنفوذ الجغرافي، بل كان خطوة استراتيجية محكمة تهدف إلى بناء جبهة إسلامية موحدة وقوية لمواجهة التحديات الخارجية، لا سيما الخطر الصليبي وتحرير بيت المقدس. هذا التركيز على توحيد الجبهات يبرز أن التوسع الأيوبي لم يكن عشوائيًا، بل كان مدفوعًا برؤية سياسية وعسكرية واضحة، مما يفسر الاهتمام المبكر بمدن الشام وتحصيناتها، ومنها حماة.

منذ توليه الوزارة، كان صلاح الدين يهدف إلى الاستقلال بمصر لنفسه، مع الحفاظ على واجهة تأييد سلطة الخليفة العباسي الدينية. وقد عمل على نشر المذهب السني وإحياءه بدلًا من المذهب الشيعي الذي كان سائدًا في العصر الفاطمي. هذا التحول المذهبي العميق لم يكن مجرد تغيير في السلطة السياسية، بل كان له تأثيرات بعيدة المدى على الهوية الثقافية والدينية للمنطقة بأسرها، بما في ذلك المدن التابعة مثل حماة.

إنه يشير إلى أن الدولة الأيوبية لم تكن مجرد قوة عسكرية، بل كانت أيضًا قوة دينية إصلاحية، تسعى لتوحيد الصف الإسلامي مذهبيًا لمواجهة التحديات الخارجية، وهو ما سينعكس على الحياة الثقافية والعلمية في حماة لاحقًا. تلقب صلاح الدين بالسلطان عام 1174م، واستولى على حلب عام 1181م، وامتد سلطانه إلى مناطق شمال النهرين، ثم قاد الجهاد ضد الصليبيين واسترد القدس عام 1187م بعد انتصاره في حطين.  

أما حماة نفسها، فهي مدينة ذات تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين، وكانت موطنًا للعديد من الحضارات القديمة، بدءًا من الآراميين وصولًا إلى الرومان والبيزنطيين. وقد دلت التنقيبات الأثرية فيها على وجود 13 طبقة أثرية، أقدمها تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد، مما يؤكد عمقها التاريخي. تاريخيًا، كانت حماة مركزًا حضاريًا وثقافيًا، مما أثرى تطور الفن والعلم فيها. ومع ذلك، تعرضت المدينة لزلزال كبير عام 552هـ/1157م، مما أدى إلى تهدم أسوارها وقلعتها. وقد قام السلطان نور الدين محمود بن زنكي بتجديد السور وترميمه قبل دخول الأيوبيين.  

تأسيس الحكم الأيوبي في حماة وأبرز أمرائها

بعد أن بسط السلطان صلاح الدين الأيوبي نفوذه على البلاد الشامية والمصرية، أصبحت حماة جزءًا لا يتجزأ من ممتلكاته. وفي خطوة تعكس ثقته في أقربائه، عين صلاح الدين الأيوبي خاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي واليًا على حماة. وقد كلفه بتهيئة العساكر للمشاركة في الصراعات الدائرة آنذاك، لا سيما محاربة الملك الصالح إسماعيل وأعمامه الذين كانوا يسعون لاسترجاع ملك نور الدين.  

بعد وفاة صلاح الدين، شهدت الدولة الأيوبية مرحلة من تقسيم السلطة بين أولاده الخمسة وأخيه العادل، مما أدى إلى استقلال فروع أخرى من العائلة في دمشق وحمص وحلب. وفي هذا السياق، برز فرع أيوبي خاص بحماة، استمر في حكم المدينة لفترة طويلة نسبيًا. هذا الفرع الأيوبي في حماة تمتع بدرجة من الاستقلالية مع الحفاظ على ولائه للسلطان الأيوبي المركزي.  

ما يميز حماة في العصر الأيوبي هو استمرارية حكم الأيوبيين فيها لفترة أطول بكثير من باقي المناطق الشامية. فبينما قضى المغول على السلالات الفرعية في دمشق وحلب عام 1260م، وأنهى المماليك حكم الأيوبيين في حمص عام 1262م، بقي للأيوبيين فرع حكم في حماة حتى سنة 1341م. هذه الاستمرارية الطويلة لحكم فرع أيوبي في حماة، حتى بعد سقوط المركزية الأيوبية في مصر على يد المماليك، تبرز الدور الخاص الذي لعبته حماة كمعقل أخير للأيوبيين في الشام، وربما ساهم ذلك في الحفاظ على بعض السمات الأيوبية الثقافية والإدارية فيها لفترة أطول.  

تُظهر العلاقة بين المركز والفروع الأيوبية ديناميكية معقدة. ففي البداية، كان تعيين صلاح الدين لخاله واليًا على حماة يعكس الترابط الأسري والثقة في بداية الحكم. ومع ذلك، فإن تقسيم المملكة بعد وفاته واستقلال الفروع في مدن مختلفة أدى إلى صراعات داخلية بين أمراء البيت الأيوبي أنفسهم على السلطة والممتلكات. هذا يكشف عن طبيعة الدولة الأيوبية كـ”دولة عائلية” أو “إمبراطورية عائلية” حيث كانت السلطة موزعة بين فروع الأسرة، مما أدى إلى ديناميكية معقدة من الولاء والصراع بين المركز والفروع، وأثر على استقرار المناطق التابعة مثل حماة.  

تعاقب على حكم حماة عدد من الأمراء الأيوبيين البارزين، الذين ساهموا في تشكيل تاريخ المدينة خلال هذه الحقبة:

الحاكمفترة الحكم (ميلادي)فترة الحكم (هجري)ملاحظات موجزة
تقي الدين عمر بن توران شاه بن أيوب1178-1191574-587أول أمير أيوبي لحماة، عين من قبل صلاح الدين.
المنصور أحمد بن عمر1191-1220587-617ملك نبيل وشجاع وعالم، أحب العلماء وجمع مكتبة واسعة.
الناصر قلج أرسلان بن سليمان1220-1229617-626
المظفر محمود بن سليمان1229-1244626-642ملك ذكي أحب العلماء، اهتم بالفلك والهندسة.
المنصور محمد بن محمود1244-1274642-672
المظفر محمود بن محمد1284-1284683-683حكم لفترة وجيزة.
الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر1284-1298683-698حكم خمسة عشر عامًا، جاهد ضد المغول والصليبيين.
الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء1310-1331710-732عالم وفيلسوف ومؤرخ وجغرافي بارز، راعي للعلوم.
الملك الأفضل ابن أبي الفداء1331-1341732-742آخر أمراء حماة الأيوبيين، عُزل بسبب جوره.

النظام السياسي والإداري في حماة في العصر الأيوبي

كانت حماة في العصر الأيوبي تابعة للسلطان الأيوبي المركزي، سواء كان مقره في مصر أو دمشق، وتدخل ضمن ممتلكاته. كان السلطان الأيوبي هو من يعين الولاة أو الأمراء على حماة، وغالبًا ما كان يختارهم من أقاربه لضمان الولاء، كما حدث عند تعيين صلاح الدين لخاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي، ثم ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر. وفي إطار هذه التبعية، كانت حماة تدفع الجزية والخراج للمركز الأيوبي.  

على الرغم من هذه التبعية، تمتع أمراء حماة بدرجة ملحوظة من الاستقلالية في إدارة شؤون المدينة وتوابعها. فقد كانوا يقودون الجيوش الخاصة بهم، ويقومون بالفتوحات، ويهتمون بالعمران داخل إمارتهم. هذا التوازن الدقيق بين التبعية والاستقلالية كان ضروريًا للحفاظ على وحدة الدولة الأيوبية مع السماح ببعض اللامركزية. إنه يشير إلى نموذج حكم مرن داخل الدولة الأيوبية، حيث كانت السلطة موزعة بشكل يسمح للفروع بالازدهار المحلي مع الحفاظ على الولاء للمركز، وربما ساهم هذا النموذج في استمرارية الأيوبيين في حماة لفترة أطول من غيرها.  

شهدت العلاقة بين حماة والمركز الأيوبي، وكذلك بين فروع الأسرة الأيوبية المختلفة، صراعات داخلية أحيانًا على السلطة والممتلكات. فكانت هناك حروب بين صلاح الدين وأعمام الملك الصالح إسماعيل، وصراعات بين أمراء حماة وأمراء دمشق وحلب. هذه الصراعات لم تكن مجرد نزاعات على السلطة، بل كانت تؤثر بشكل مباشر على الحدود الإدارية لحماة. فقد كانت حدود حماة الإدارية تتغير بناءً على قرارات السلطان الأيوبي أو نتيجة للحروب والصراعات.

على سبيل المثال، ألحق صلاح الدين مدنًا مثل منبج والمعرة وكفرطاب وميافارقين بالتبعية لحماة، بينما انتزعت منها في أوقات أخرى مدن مثل سلمية والمعرة. هذا يوضح أن الجغرافيا السياسية لحماة في العصر الأيوبي لم تكن ثابتة، بل كانت ديناميكية للغاية وتتأثر بشكل كبير بالتحالفات والصراعات داخل الأسرة الحاكمة، مما يجعل فهم هذه الديناميكيات ضروريًا لتحليل تاريخ المدينة.  

فيما يتعلق بهيكل الإدارة المحلية، كان لأمراء حماة جيش خاص بهم، يشاركون به في حملات السلطان الأيوبي، ويستخدمونه أيضًا في الدفاع عن حماة وتوابعها أو في الفتوحات الخاصة بهم. وقد اعتمد الأمراء على وزراء ونواب في تدبير شؤون المملكة، مثل زين الدين ابن فريج. كان نظام الحكم بشكل عام سلطنة وراثية.  

الحياة الاقتصادية والاجتماعية قي حماة في العصر الأيوبي

اعتمدت الحياة الاقتصادية في حماة في العصر الأيوبي بشكل كبير على الزراعة وتربية المواشي، حيث كانت معيشة الحمويين تعتمد بشكل أساسي على المنتجات الحيوانية مثل اللبن الخاثر والحليب واللحم والسمن، خاصة في فصلي الربيع والصيف. كان هذا الاعتماد الكبير يجعل الثروة الحيوانية والزراعية تتناقص بشكل ملحوظ إذا شحت السماء، مما يدل على اعتماد كبير على الأمطار والظروف المناخية. هذا الاعتماد على الموارد المحلية والظروف البيئية دفع إلى تطوير وسائل ري متقدمة. فنواعير حماة الشهيرة، التي تستخدم لرفع المياه من نهر العاصي، تعتبر رمزًا للمدينة وتشهد على تاريخها الزراعي العريق.

وقد قام الرومان سابقًا بإنشاء النواعير وقناة مياه من مصياف إلى حماة لري القرى وشرب أهل المدينة. هذا التطور في إدارة الموارد المائية يدل على قدرة المجتمع على التكيف مع التحديات البيئية، ويشير إلى أن حماة، على الرغم من كونها مركزًا ثقافيًا وسياسيًا، كانت مدينة ذات قاعدة اقتصادية زراعية قوية، وأن تطورها الحضري كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقدرتها على إدارة مواردها المائية.  

في مجال التجارة والصناعة، كانت حماة في العصر الأيوبي بعيدة عن البحر وتجارته، ولم يكن حولها مدن كبيرة لتكون سوق التجارة فيها رابحًا بشكل كبير، مما يشير إلى اقتصاد يعتمد بشكل أكبر على الزراعة المحلية. ومع ذلك، اهتم الأمراء بتأمين التسهيلات اللازمة للتجار وتوفير الأمن والحماية لهم ولأموالهم، كما اهتموا بضبط الأسواق ومراقبتها. وقد امتد اهتمامهم إلى التجارة الخارجية، حيث عقدوا المعاهدات التجارية مع أهم المدن الأوروبية. هذا الاهتمام بتنظيم الاقتصاد وحماية التجارة، حتى في مدينة ذات موقع داخلي نسبيًا، يشير إلى دور نشط للدولة في تنظيم وتنشيط الحياة الاقتصادية.

إنه يدل على أن حكام حماة الأيوبيين لم يكونوا مجرد قادة عسكريين، بل كانوا أيضًا إداريين يهتمون بالجانب الاقتصادي لضمان استقرار وازدهار إمارتهم، مما يعكس فهمًا لأهمية الاستقرار الاقتصادي في دعم الحكم. ومن أبرز المنجزات العمرانية في هذا السياق، بناء الملك المنصور محمد لسوق المنصورية، حيث رتب فيه الباعة بحيث جعل كل أصحاب حرفة في جهة معينة. وقد دلت المكتشفات الأثرية في قلعة حماة على تقدم المدينة العمراني والصناعي.  

على الصعيد الاجتماعي، يتجلى التفاعل الاجتماعي في حماة في العصر الأيوبي في الأسواق الشعبية والتجمعات العائلية، مما يعزز الروابط الاجتماعية بين السكان. كما تعكس الفعاليات الاجتماعية والاحتفالات روح المجتمع الحموي وتراثه العريق.  

النهضة الثقافية والعلمية والعمرانية في حماة في العصر الأيوبي

شهدت حماة في العصر الأيوبي نهضة ثقافية وعلمية وعمرانية لافتة، مما جعلها مركزًا هامًا من مراكز الثقافة في بلاد الشام. ازدهرت المدينة علميًا بشكل خاص في عهد الملك المنصور محمد، حيث كان في خدمته ما يقرب من مائتي عالم ونحوي وفقيه. كان الحمويون يدأبون على احترام العلماء وتبجيلهم، وقد أدرك الأيوبيون في حماة هذه الأهمية، فقدموا العلماء واحترموهم، بل واستعانوا بهم في إدارة شؤون البلاد.

إن سياسة صلاح الدين ومن بعده من الأيوبيين شجعت العلوم والعلماء، وحذا أمراء حماة حذوهم في ذلك. هذه العلاقة التكافلية بين السلطة والعلماء، حيث لم يكن الأمراء مجرد حكام بل رعاة للعلوم وبعضهم علماء بأنفسهم، لم تكن مجرد ترف، بل كانت جزءًا من استراتيجية الحكم. لقد أدرك الحكام الأيوبيون قيمة العلم والعلماء في تعزيز شرعيتهم واستقرار حكمهم، وفي بناء مجتمع مزدهر.  

برز في حماة في العصر الأيوبي عدد من العلماء والشخصيات المؤثرة، منهم:

  • الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر: لم يكن مجرد حاكم، بل كان ملكًا نبيلًا وشجاعًا وعالمًا، أحب العلماء وجمع مكتبة واسعة، وألف عملًا تاريخيًا ضخمًا وكتاب “مضمار سر الحقائق وسير الخلائق”.  
  • الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء (توفي 732هـ/1331م): يُعد من أبرز علماء العصر الأيوبي، فقد كان عالمًا فاضلًا متميزًا، ضليعًا في الفقه، الطب، الفلسفة، التاريخ، الفلك، الجغرافيا، وغيرها من العلوم. كان راعيًا للعلماء والشعراء، ومن أبرز أعماله تاريخه المشهور وكتاب “تقويم البلدان”.  
  • الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري (توفي 662هـ/1264م): المعروف بشيخ شيوخ حماة، كان عالمًا ورعًا، ذا مكانة رفيعة عند الحكام، وغزير الإنتاج في النثر والشعر.  
  • ابن واصل (جمال الدين محمد بن سالم، توفي 697هـ/1298م): قاضي قضاة حماة، وعالم بارز في المنطق، الهندسة، الكلام، الفقه، الفلك، والتاريخ. من أعماله “مفرج الكروب في أخبار بني أيوب”.  
  • القاضي بدر الدين بن جماعة (محمد بن إبراهيم، توفي 733هـ/1333م): عالم وقاضي رائد في مصر والشام، معروف بورعه وعلمه الواسع في الحديث والفقه.  
  • شرف الدين البارزي (هبة الله بن عبد الرحيم، توفي 738هـ/1337م): فقيه وعالم بارز، تولى قضاء القضاة في حماة دون أجر، وله مؤلفات عديدة منها “البستان في التفسير” و”روضة المحبين”.  

على الصعيد العمراني، شهدت حماة في العصر الأيوبي جهودًا مكثفة لإعادة الإعمار والتطوير الحضري، خاصة بعد الزلزال المدمر عام 552هـ/1157م. قام نور الدين محمود بإعادة بناء أسوار القلعة وتحصينها. كما أعاد الملك المظفر تقي الدين عمر بناء قلعة حماة وحصنها، وحفر خندقها وفصل الباشورة عنها. هذا الاستثمار الكبير في البنية التحتية، الذي شمل بناء القلاع والمساجد والمدارس والمارستانات والأسواق، يعكس استقرارًا نسبيًا وقدرة على توجيه الموارد نحو التنمية الداخلية، حتى في ظل التحديات الخارجية.  

من أبرز المعالم المعمارية التي شيدت أو جددت في حماة في العصر الأيوبي:

  • المساجد والجوامع: منها الجامع الكبير (الجامع الأعلى) الذي زاد فيه المظفر عمر وأنشأ إبراهيم الهاشمي منارته الشمالية ، وجامع نور الدين الذي بناه نور الدين محمود بعد الزلزال ، وجامع الحيات (الدهيشة) الذي بناه الملك المؤيد أبو الفداء وزينه بالرخام والذهب والفسيفساء ، وجامع السلطان الذي بناه شقيق أبي الفداء، السلطان بدر الدين حسن.  
  • المدارس: شهدت حماة بناء العديد من المدارس مثل الخاتونية، الطواشية، البارزية، العصرونية، العزية، النورية، الحنفية، والمظفرية.  
  • المارستان (المستشفى): بناه السلطان نور الدين محمود ليكون دارًا للمرضى، ووقف له أوقافًا ضخمة.  
  • الحمامات والأسواق والجسور: مثل حمام السلطان وحمام العبيسي، وسوق المنصورية الذي بناه الملك المنصور محمد، وجسر المراكب (جسر السرايا).  
  • أبراج فلكية وطاحون: بنى الملك المظفر محمود أبراجًا فلكية وطاحونًا على نهر العاصي بصورة هندسية، وعمل لها صورة أسد من حجر نافر.  

الدور العسكري والإستراتيجي لـ حماة في العصر الأيوبي

لعبت حماة في العصر الأيوبي دورًا عسكريًا واستراتيجيًا حيويًا في الصراعات الكبرى التي شهدها العصر الأيوبي، لا سيما في مواجهة الصليبيين والغزو المغولي. كانت المدينة جزءًا لا يتجزأ من ممتلكات صلاح الدين الأيوبي الذي وحد مصر والشام وحلب لمواجهة الصليبيين. وقد أمر صلاح الدين والي حماة، خاله شهاب الدين محمود، بتهيئة العساكر للمشاركة في الحملات العسكرية.

شارك أمراء حماة بجيوشهم بفاعلية في حملات السلطان الأيوبي ضد الصليبيين. وبعد استرداد صلاح الدين اللاذقية عام 584هـ، سلمها لملك حماة الذي شرع في إعادة بناء قلعتها وتحصينها. هذا يشير إلى أن حماة لم تكن مجرد مدينة تابعة، بل كانت بمثابة قاعدة عسكرية مهمة في شمال الشام، تساهم بفاعلية في الحملات الهجومية والدفاعية، مما يعكس أهميتها الاستراتيجية في حفظ أمن الدولة الأيوبية.  

أما في مواجهة الغزو المغولي، فقد كانت حماة “قلعة الصمود الاستراتيجي” في وجه هذه التهديدات. لقد جاهد الأيوبيون في حماة في سبيل الله ضد المغول والصليبيين. من الجدير بالذكر أن فرع الحكم الأيوبي في حماة بقي صامدًا حتى سنة 1341م، بينما قضى المغول على السلالات الفرعية في دمشق وحلب عام 1260م، وأنهى المماليك حكم الأيوبيين في حمص عام 1262م. هذا الصمود لفترة أطول يشير إلى مرونة وقوة دفاعية خاصة بالمدينة، ربما بسبب القيادة الحكيمة لأمرائها أو تحصيناتها الجيدة.

هذا يدل على أن حماة لم تكن مجرد مدينة تابعة، بل كانت تتمتع بمرونة استراتيجية وقدرة على الصمود في وجه التهديدات الكبرى مثل الغزو المغولي، مما يجعلها حالة دراسية فريدة في تاريخ المقاومة الأيوبية. حتى عند وصول تيمورلنك بجيوشه إلى حماة في سنة 803هـ/1400م، وأمره بهدم قلعتها، فإنه لم يقتل أحدًا احترامًا لعهده الذي أعطاه لأعيان حماة في حلب.  

إن موقع حماة الجغرافي في قلب بلاد الشام جعلها نقطة استراتيجية حيوية في الدفاع عن المنطقة. وقد عززت تحصينات المدينة، بما في ذلك قلعتها وأسوارها التي أعيد بناؤها وتجديدها بعد الزلزال، من دورها الدفاعي.  

نهاية الحكم الأيوبي في حماة وانتقال السلطة

انتهى الحكم الأيوبي في حماة بوفاة الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء عام 732هـ/1332م. بعد وفاته، تولى ابنه الملك الأفضل الحكم، لكنه عُزل عام 742هـ/1341م على يد الأشرف ابن السلطان محمد بن قلاوون. لم يكن سبب عزله مجرد تغيير في الحكم، بل كان نتيجة مباشرة لتحوله من العدل والزهد إلى الجور في حكمه، ومن أبرز أفعاله حبس تاج الدين بن عز الدين طاهر بن قرناص وقطعه لأشجار بساتين الناس ظلمًا. هذا يسلط الضوء على أهمية العدالة والحكم الرشيد في استمرارية السلطة، وأن الانحراف عن هذه المبادئ يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدعم الشعبي والتدخل الخارجي.  

بعد عزل الملك الأفضل، اندرس اسم “ملك” من حماة، وأصبح من يتولى الحكم يُسمى “حاكمًا” أو “نائبًا” أو “عاملًا”، ولم يعد له سلطة الملوك السابقين، بل كان يستبد إذا شاء فيضر وينفع. هذا يوضح تحولًا هيكليًا في نظام الحكم في حماة، من إمارة أيوبية شبه مستقلة إلى ولاية مملوكية أكثر مركزية، مما أثر على ديناميكيات السلطة المحلية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.  

انتقلت السلطة بعد ذلك إلى فترات تاريخية لاحقة:

  • بعد الأيوبيين مباشرة: تولى الحكم بعد الملك الأفضل مملوك أبيه “طقزتمر”، ثم نُقل إلى حلب، وتولى مكانه الأمير علم الدين الجاولي، ثم الطنبغا المارداني.  
  • فترة المماليك (الجراكسة): استمرت حماة تابعة لولاة مختلفين في هذه الفترة، مثل يلبغا التجباوي، وكتبغا الحموي.  
  • الغزو التتري: في سنة 803هـ/1400م، وصل تيمورلنك بجيوشه إلى حماة، وأمر بهدم قلعتها، التي بقيت خرابًا بعد ذلك. هذا التدمير لم يكن مجرد حدث عسكري، بل كان له أثر طويل الأمد على البنية التحتية للمدينة وقدرتها على الصمود والازدهار. هذا يبرز أن الغزوات الخارجية، خاصة المغولية، لم تكن مجرد تغيير في السلطة، بل كانت غالبًا مصحوبة بتدمير منهجي للبنية التحتية، مما يعيق التعافي ويؤثر على التطور الحضري للمدن لقرون لاحقة.  
  • بعد الغزو التتري: ازداد تناقص عمران حماة وانفصلت ملحقاتها عنها، مثل المعرة التي أصبحت تابعة لحلب، وسلمية التي خربها عربان البادية، وبعرين التي أصبحت خرابًا.  
  • الحكم العثماني: في سنة 922هـ/1516م، دخلت حماة تحت حكم السلطان سليم الأول العثماني. كان يتولى عليها رجل يُسمى “متسلمًا” يفعل ما يشاء.  
  • فترة الظلم والتناقص السكاني: أدت ظروف الظلم من الأمراء والمتسلمين إلى هجرة الكثير من الحمويين وتناقص عمرانها وسكانها.  
  • التحسن الأخير: تنبهت الحكومة لعمران البلدان، وزال الضغط، وعاد العمران والزيادة السكانية، وأصبحت حماة مركزًا للواء.  

خاتمة: إرث حماة في العصر الأيوبي

كان العصر الأيوبي فترة ذهبية لحماة، حيث تحولت إلى إمارة أيوبية ذات استقلالية نسبية، وحكمها أمراء من البيت الأيوبي أظهروا اهتمامًا بالغًا بالعمران، والعلم، والثقافة. شهدت المدينة نهضة معمارية وعلمية بارزة، تجسدت في بناء القلاع، المساجد، المدارس، المارستانات، والأسواق، وبروز علماء وشخصيات مؤثرة مثل أبي الفداء. لقد لعبت حماة دورًا عسكريًا واستراتيجيًا حيويًا في مواجهة الصليبيين والغزو المغولي، وكانت معقلًا أيوبيًا صامدًا لفترة أطول من غيرها من المدن الشامية. كما تطورت الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الزراعة وتطوير وسائل الري، واهتمام الأمراء بتنظيم الأسواق وحماية التجارة.

على الرغم من كونها جزءًا من إمبراطورية أوسع، فإن حماة الأيوبية لم تكن مجرد تابع، بل كانت مركزًا حيويًا بحد ذاتها، بفضل استقلاليتها النسبية ورعاية أمرائها للعلوم والعمران. هذا يطرح حماة كنموذج يوضح كيف أن اللامركزية في الحكم الأيوبي، من خلال منح فروع الأسرة سلطة واسعة، يمكن أن تؤدي إلى ازدهار إقليمي كبير وتنوع ثقافي، بدلاً من أن تكون نقطة ضعف.  

على الرغم من نهاية الحكم الأيوبي في حماة وانتقال السلطة إلى المماليك ثم العثمانيين ، فإن العديد من المعالم المعمارية والثقافية التي شيدت في العصر الأيوبي لا تزال قائمة أو تُذكر في المصادر التاريخية. هذا يؤكد على أن تأثير العصر الأيوبي في حماة لم يكن مجرد فترة سياسية عابرة، بل ترك بصمة حضارية عميقة ودائمة في نسيج المدينة، مما يجعل دراسته ضرورية لفهم تاريخ حماة وهويتها المعاصرة.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى