حمامات حماة الأثرية: فن العمارة القديمة ودورها الاجتماعي عبر العصور

النقاط الرئيسية
- حمامات حماة الأثرية: تُعد حمامات السوق في حماة، مثل حمام السلطان وحمام الأسعدية، معالم تاريخية تعكس التراث المعماري والاجتماعي للمدينة، لكنها تواجه خطر الاندثار.
- فن العمارة الحمّامية: تتميز هذه الحمامات بتصميمها المعماري الفريد، مع أقسام متعددة (البراني، الوسطاني، الجواني) وقباب حجرية مزخرفة، مستوحاة من التقاليد الرومانية والبيزنطية.
- الدور الاجتماعي: كانت الحمامات مراكز للنظافة والتواصل الاجتماعي، حيث استُخدمت للاحتفالات مثل الأعراس ولتعزيز الروابط المجتمعية.
- التحديات الحالية: بحلول عام 2023، كانت ثلاثة حمامات فقط تعمل في حماة بسبب نقص الوقود والكهرباء وارتفاع تكاليف التشغيل، مما يهدد استمراريتها.
- جهود الحفاظ: هناك محاولات لترميم بعض الحمامات، مثل حمام السلطان، لكن هناك حاجة إلى دعم حكومي ومجتمعي أكبر للحفاظ على هذا التراث.
فن العمارة الحمّامية
تتميز حمامات حماة بتصميمها المعماري المتطور، الذي يعكس تأثيرات رومانية وبيزنطية مع لمسات إسلامية فريدة. تتكون الحمامات عادةً من ثلاثة أقسام رئيسية: البراني (القسم الخارجي) لتغيير الملابس والتواصل الاجتماعي، الوسطاني (القسم المتوسط) كمنطقة انتقالية، والجواني (القسم الداخلي) للاستحمام والتدليك. تُغطى هذه الأقسام بقباب حجرية مزودة بفتحات صغيرة للتهوية، مما يساعد في الحفاظ على الحرارة والرطوبة. تُستخدم مواد مثل الحجر المحلي والرخام، مع زخارف تشمل البلاط الملون والنقوش الجصية.
الدور الاجتماعي
كانت الحمامات مراكز اجتماعية حيوية، حيث يجتمع الناس من مختلف الطبقات للاسترخاء وتبادل الأحاديث. كما استُخدمت للاحتفال بالمناسبات الخاصة، مثل الأعراس، حيث كان يتم حجز الحمام للعريس مع أصدقائه. هذه التقاليد عززت الروابط المجتمعية وأسهمت في الحفاظ على الهوية الثقافية.
التحديات الحالية
وفقًا لتقرير من عام 2023، فإن ثلاثة حمامات فقط في حماة لا تزال تعمل: حمام الشواف، حمام الأسعدية، وحمام الحلق. تواجه هذه الحمامات تحديات كبيرة بسبب نقص الوقود والكهرباء، مما يزيد من تكاليف التشغيل التي تصل إلى 150,000 ليرة سورية لكل عملية تشغيل، مع ارتفاع سعر المازوت إلى 10,000 ليرة للتر الواحد. هذه التكاليف، إلى جانب انخفاض عدد الزبائن (بحد أقصى 10 زبائن يوميًا في أكثر الأيام ازدحامًا)، تهدد استمرارية هذه المعالم الأثرية.
جهود الحفاظ
هناك جهود للحفاظ على هذه الحمامات، مثل ترميم حمام السلطان في عام 2018، والذي أُنقذ من الاندثار في عام 2022 بفضل تعاون محافظة حماة ومديرية الآثار. ومع ذلك، هناك حاجة ماسة إلى دعم حكومي ومجتمعي لضمان استمرارية هذه المعالم.
مقدمة
تقع مدينة حماة في قلب سوريا على ضفاف نهر العاصي، وهي واحدة من أقدم المدن في العالم، حيث يعود تاريخها إلى آلاف السنين. تشتهر حماة بنواعيرها المائية التاريخية، وهي عجلات مائية ضخمة كانت تُستخدم لري الأراضي الزراعية، والتي أصبحت اليوم رمزًا سياحيًا بارزًا. إلى جانب النواعير، تضم حماة العديد من المعالم الأثرية، بما في ذلك الحمامات التاريخية التي كانت مراكز حيوية للنظافة والتفاعل الاجتماعي. في هذه المقالة، سنستكشف فن العمارة الحمّامية في حماة ودورها الاجتماعي عبر العصور، مع التركيز على أهميتها في التراث الثقافي للمدينة.
تُعد الحمامات، أو “الحمّامات” كما يُطلق عليها في اللغة العربية، مرافق عامة للاستحمام والتنظيف، وقد كانت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في المدن الإسلامية لقرون عديدة. في حماة، كانت هذه الحمامات، مثل حمام السلطان وحمام الأسعدية، مراكز للتواصل الاجتماعي والاحتفالات، بالإضافة إلى دورها في تعزيز النظافة العامة. من خلال هذه المقالة، سنغوص في تاريخ هذه الحمامات، ونستعرض تصميمها المعماري الفريد، ونناقش أهميتها الاجتماعية، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها في العصر الحديث.
تاريخ الحمامات في سوريا وحماة
الأصول الرومانية والبيزنطية
تعود أصول الحمامات العامة إلى الحضارات القديمة، حيث كانت الحمامات الرومانية والبيزنطية منتشرة في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، بما في ذلك سوريا. كانت هذه الحمامات، المعروفة باسم “الثرمي” (thermae)، تتكون من غرف متعددة بدرجات حرارة مختلفة: الغرفة الباردة (frigidarium)، والغرفة الدافئة (tepidarium)، والغرفة الساخنة (caldarium). كانت هذه الغرف مصممة لتحفيز الدورة الدموية وتعزيز النظافة من خلال التعرق. وفقًا لمصادر تاريخية، كانت الحمامات الرومانية موجودة في مدن سورية مثل تدمر وبصرى وسيرجيلا وشهبا، مما يشير إلى أهميتها في المنطقة.
مع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، تم استيعاب تقاليد الحمامات الرومانية والبيزنطية وتطويرها لتتماشى مع القيم الإسلامية التي تؤكد على النظافة والطهارة. في سوريا، بدأ بناء الحمامات الإسلامية في عهد الخلافة الأموية (661-750 م)، حيث شُيدت حمامات في قصور وقصور صحراوية مثل قصير عمرة وخِربة المفجر. هذه الحمامات كانت تتميز بتصاميم معقدة وديكورات فاخرة، مما يعكس التقدم المعماري في تلك الفترة.
التطور في العصور الإسلامية
خلال الفترات العباسية والمملوكية والعثمانية، تطورت الحمامات لتصبح جزءًا أساسيًا من البنية التحتية للمدن الإسلامية. في سوريا، أصبحت الحمامات في مدن مثل دمشق وحلب من أبرز المعالم المعمارية، حيث كانت تُبنى بالقرب من الأسواق أو المساجد لتسهيل الوصول إليها. وفقًا للمؤرخ هلال الصابئ (969-1056 م)، كان هناك ما يُقدر بـ 60,000 حمام في بغداد في ذروتها، مما يشير إلى انتشار هذه المرافق في المدن الإسلامية.
في حماة، كما في غيرها من المدن السورية، كانت الحمامات تلعب دورًا مهماً في الحياة اليومية. وفقًا للمسافر ابن بطوطة، الذي زار حماة في عام 1335، كان هناك ضاحية كبيرة تُسمى المنصورية تحتوي على “سوق جميل، ومسجد، وحمامات”. هذا يدل على أن الحمامات كانت جزءًا لا يتجزأ من البنية التحتية للمدينة في ذلك الوقت.
الحمامات في العصر العثماني
مع وصول العثمانيين إلى سوريا في القرن السادس عشر، شهدت الحمامات تطورات إضافية في التصميم والوظيفة. أصبحت الحمامات العثمانية أكثر تنظيمًا وتميزًا، مع التركيز على التناسق والجماليات المعمارية. في حلب، على سبيل المثال، تُظهر حمامات مثل حمام يلبغا الناصري وحمام بهرام باشا تصاميم متقنة مع واجهات مزينة بالحجر الأبيض والأسود (أبلق). في حماة، من المحتمل أن الحمامات مثل حمام السلطان وحمام الأسعدية قد تأثرت بهذه التطورات العثمانية، على الرغم من ندرة المعلومات التفصيلية عنها.
فن العمارة الحمّامية
التصميم المعماري العام
تتميز الحمامات السورية بتصميمها المعماري المتطور، الذي يعكس التأثيرات الرومانية والبيزنطية مع لمسات إسلامية فريدة. تتكون الحمامات عادةً من ثلاثة أقسام رئيسية، كل منها مغطى بقبة للحفاظ على الحرارة والرطوبة:
- القسم الخارجي (البراني): هذا القسم هو المكان الذي يغير فيه الزوار ملابسهم ويجتمعون للتحدث والاسترخاء. غالبًا ما يحتوي على نافورة مركزية (شادروان) ويُحاط بمعارض خشبية. يُعتبر هذا القسم مركزًا اجتماعيًا، حيث يمكن للزوار تناول الشاي أو الشربات والتواصل قبل وبعد الاستحمام.
- القسم الوسطي (الوسطاني): يُعتبر منطقة انتقالية بين البرودة والحرارة، حيث يبدأ الزوار في التعود على درجة الحرارة المرتفعة. هذا القسم غالبًا ما يكون أقل زخرفة من الأقسام الأخرى.
- القسم الداخلي (الجواني): هو القسم الأكثر حرارة، حيث يتم الاستحمام والتدليك. يحتوي على لوح رخامي كبير (göbektaşı) يستلقي عليه الزوار، وغرف صغيرة (halvets) للاستحمام الخاص. تُزين هذه الغرف عادةً بالرخام والزخارف الملونة.
تُبنى الحمامات عادةً من الحجر المحلي، مع استخدام الرخام في الغرف الساخنة لتحمل الحرارة. تُزين الجدران والأسقف بالبلاط المزخرف، والنقوش الجصية، والزجاج الملون في بعض الحالات، مما يعكس المهارة الفنية للحرفيين في تلك الفترة.
الخصائص المعمارية في حماة
في حماة، تُعتبر الحمامات مثل حمام السلطان وحمام الأسعدية أمثلة بارزة على العمارة الحمّامية، على الرغم من ندرة المعلومات التفصيلية عن تصميمها. من المحتمل أن تكون هذه الحمامات تتبع النمط السوري العام، مع قباب مدببة قليلاً، كما هو الحال في حمام السلمية الأثري القريب من حماة، الذي يتميز بجدرانه الحجرية المرصوفة بشكل هندسي وقباب تحيط بها الأعشاب. هذه القباب تُصمم لتكون فعالة في الحفاظ على الحرارة والرطوبة، مع فتحات صغيرة في الأعلى لتصريف البخار.
في حمام الأسعدية، على سبيل المثال، يُذكر أن هناك قسمًا وسطانيًا أول وثانٍ، مما يشير إلى تصميم معقد يسمح باستيعاب عدد كبير من الزوار، خاصة في فصل الشتاء. يتم تزويد الزوار بمناشف (درزة) ومفتاح لتخزين أغراضهم الشخصية، مما يعكس التنظيم الدقيق لهذه المرافق.
الزخارف والمواد
تُزين الحمامات السورية عادةً بزخارف معقدة تعكس التراث الفني للمنطقة. في حلب، على سبيل المثال، تتميز حمامات مثل حمام يلبغا الناصري بواجهات مزينة بالحجر الأبيض والأسود (أبلق)، وهو نمط معماري شائع في العصر المملوكي. من المحتمل أن تكون الحمامات في حماة قد استخدمت أساليب زخرفية مماثلة، مع التركيز على البلاط الملون والنقوش الجصية التي تضيف لمسة جمالية إلى التصميم الداخلي.
القسم | الوظيفة | المواد | الزخارف |
---|---|---|---|
البراني | تغيير الملابس والتواصل الاجتماعي | الحجر، الخشب | نافورة مركزية، بلاط مزخرف |
الوسطاني | منطقة انتقالية | الحجر | زخارف بسيطة |
الجواني | الاستحمام والتدليك | الرخام | بلاط ملون، نقوش جصية |
القميم | تسخين المياه | الحجر | بدون زخارف |
الدور الاجتماعي للحمامات
مراكز اجتماعية
كانت الحمامات في المدن الإسلامية، بما في ذلك حماة، مراكز اجتماعية حيوية تخدم جميع الطبقات الاجتماعية، من الأغنياء إلى الفقراء. كانت هذه المرافق مكانًا للاسترخاء والتواصل، حيث يجتمع الناس لتبادل الأخبار، مناقشة الأعمال، وحتى إجراء المعاملات التجارية. في القسم الخارجي (البراني)، كان الزوار يتناولون الشاي أو الشربات، ويشاركون في الأحاديث الاجتماعية، مما جعل الحمامات مراكز للتواصل البشري.
المناسبات الخاصة
كانت الحمامات تُستخدم أيضًا للاحتفال بالمناسبات الخاصة، مثل الأعراس والولادات. في حماة، كما هو مذكور في وصف حمام الأسعدية، كان يتم حجز الحمام للعريس، حيث يُجهز بطريقة خاصة لتلبية رغباته. كانت النساء ينظمن استقبالات في الحمامات تتضمن الرقص والغناء والمآدب، مما يعكس أهمية هذه المرافق في الاحتفالات الاجتماعية. هذه التقاليد كانت تعزز الروابط الاجتماعية وتساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع.
الدور الديني والصحي
في الثقافة الإسلامية، ترتبط النظافة ارتباطًا وثيقًا بالدين، حيث تُعتبر الطهارة شرطًا أساسيًا لأداء الصلوات. لذلك، كانت الحمامات تُستخدم لتلبية متطلبات الطهارة الدينية، مثل الغسل الكامل (الغسل). كما كانت تُعتبر مكانًا للعلاج والاسترخاء، حيث كان التدليك والتقشير يساعدان في تحسين الصحة الجسدية والنفسية.
الحمامات في حماة
حمام السلطان
يُعتبر حمام السلطان واحدًا من أشهر الحمامات التاريخية في حماة، على الرغم من ندرة المعلومات التفصيلية عنه. وفقًا لمصادر، يُعد هذا الحمام من المعالم البارزة في المدينة، ومن المحتمل أن يكون قد بُني خلال الفترة المملوكية أو العثمانية، نظرًا لانتشار الحمامات في هذه الفترات. من المرجح أن يتميز حمام السلطان بتصميم مشابه للحمامات السورية الأخرى، مع قباب مدببة وجدران حجرية مزينة بزخارف هندسية.
حمام الأسعدية
حمام الأسعدية هو حمام آخر بارز في حماة، ويُعتبر ثاني أكبر حمام في المدينة. وفقًا لتقرير من عام 2009، كان هذا الحمام يُدار من قبل السيد ممدوح الشامي منذ عام 1959. يتميز الحمام بتصميم يتضمن قسمًا وسطانيًا أول وثانٍ، مما يسمح باستيعاب عدد كبير من الزوار. يتم تزويد الزوار بمناشف ومفاتيح لتخزين أغراضهم، ويُقدم لهم الشاي أو المشروبات الباردة بعد الاستحمام. كما كان الحمام يُستخدم للاحتفالات الخاصة مثل الأعراس، مما يعكس دوره الاجتماعي المهم.
حمامات أخرى
تشمل الحمامات الأخرى في حماة حمام الشواف (أو الدرويشية)، حمام العثمانية، حمام العبيسي، وحمام الحلق. يُعتقد أن حمام الشواف، المعروف أيضًا باسم الدرويشية، يقع في حي المرابط، وقد تم ترميمه مؤخرًا ليصبح مكانًا لتجمع عشاق الفلكلور والاستحمام التقليدي. حمام العثمانية، الذي بناه نور الدين زنكي، يقع في حي الباشورة بالقرب من ناعورة المأمورية. أما حمام العبيسي فيقع في حي البارودية، وكان يستمد مياهه من ناعورة الجسرية في بستان أم الحسن. حمام الحلق، الواقع في سوق الطويل، تم ترميمه مؤخرًا أيضًا.
التحديات في حماة
وفقًا لتقرير حديث من عام 2023، يواجه العديد من حمامات السوق في حماة خطر الاندثار بسبب نقص الوقود والكهرباء. في الواقع، من بين خمسة حمامات تاريخية في المدينة، هناك ثلاثة فقط لا تزال تعمل: حمام الشواف، حمام الأسعدية، وحمام الحلق. أما الحمامان الآخران، حمام العثمانية وحمام العبيسي، فقد أغلقا أبوابهما منذ عام وثلاثة أعوام على التوالي.
يعاني أصحاب هذه الحمامات من تكاليف تشغيلية مرتفعة، حيث تبلغ تكلفة تشغيل الحمام لمرة واحدة حوالي 150,000 ليرة سورية، في حين أن سعر لتر المازوت أو البنزين يصل إلى 10,000 ليرة سورية. هذه التكاليف الباهظة، إلى جانب انخفاض عدد الزبائن – حيث لا يتجاوز عدد الزوار 10 أشخاص يوميًا في أكثر الأيام ازدحامًا – تجعل من الصعب على أصحاب الحمامات الاستمرار في تشغيلها. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الأزمات الاقتصادية والصراعات في سوريا في تدهور البنية التحتية لهذه الحمامات، مما أدى إلى إغلاق العديد منها أو تدهور حالتها المعمارية.
على سبيل المثال، يشير تقرير إلى أن حمام العثمانية أغلق بسبب نقص الوقود وارتفاع تكاليف الصيانة، بينما يعاني حمام العبيسي من نقص المياه وانخفاض الإقبال بسبب توفر الحمامات المنزلية الحديثة. هذه التحديات ليست فريدة من نوعها في حماة، بل تعكس واقع الحمامات التقليدية في العديد من المدن السورية، حيث أدت السباكة الحديثة والتغيرات الاجتماعية إلى تراجع الاعتماد على الحمامات العامة.
تأثير الأزمات على الحمامات
خلال السنوات الأخيرة، تأثرت حمامات حماة بشكل كبير بالأزمات الاقتصادية والسياسية في سوريا. نقص الوقود والكهرباء لم يؤثر فقط على تشغيل الحمامات، بل أدى أيضًا إلى تدهور الأنظمة التقليدية لتسخين المياه، مثل نظام “القميم” الذي يعتمد على الحرق المستمر للوقود. علاوة على ذلك، تسببت الأضرار الناتجة عن الصراعات في بعض المناطق في تدمير أجزاء من هذه المعالم الأثرية أو إهمالها، مما زاد من صعوبة الحفاظ عليها.
في الوقت نفسه، تغيرت العادات الاجتماعية في حماة، حيث أصبحت الحمامات المنزلية أكثر شيوعًا، خاصة في المناطق الحضرية. هذا التحول قلل من الإقبال على الحمامات التقليدية، التي كانت في السابق الخيار الوحيد للنظافة الشخصية بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك، لا تزال هذه الحمامات تجذب بعض الزوار، خاصة أولئك الذين يبحثون عن تجربة ثقافية تقليدية أو يفتقرون إلى وسائل النظافة الحديثة في منازلهم.
التحديات الثقافية والاجتماعية
إلى جانب التحديات الاقتصادية، تواجه الحمامات في حماة تحديات ثقافية واجتماعية. مع انتشار وسائل الإعلام الاجتماعي والتغيرات في أنماط الحياة، بدأ الجيل الجديد يفقد الاهتمام بالحمامات التقليدية، مفضلاً المرافق الحديثة مثل المنتجعات الصحية أو الصالات الرياضية. هذا التحول يهدد بفقدان جزء مهم من التراث الثقافي، حيث تُعتبر الحمامات رمزًا للتواصل الاجتماعي والتقاليد العريقة.
علاوة على ذلك، هناك نقص في الوعي بأهمية الحفاظ على هذه المعالم بين بعض شرائح المجتمع. في حين يرى البعض أن الحمامات التقليدية لم تعد عملية في العصر الحديث، يؤكد آخرون على أهميتها كجزء من الهوية الثقافية للمدينة. هذا التناقض يجعل من الصعب تعبئة الموارد اللازمة لترميم وصيانة هذه المرافق.
جهود الحفاظ على الحمامات
على الرغم من التحديات، هناك جهود للحفاظ على حمامات حماة التاريخية كجزء من التراث الثقافي للمدينة. على سبيل المثال، تم ترميم حمام السلطان في عام 2018 بجهود مشتركة من محافظة حماة ومديرية الآثار، مما ساهم في إنقاذه من الاندثار. في عام 2022، تم إجراء أعمال صيانة إضافية لضمان استمرارية الحمام كمعلم سياحي وثقافي. كما تم ترميم حمام الحلق في سوق الطويل، حيث أصبح مكانًا لجذب الزوار الذين يرغبون في تجربة الاستحمام التقليدي.
في حمام الشواف (الدرويشية)، تم تحويل المكان إلى مركز ثقافي جزئيًا، حيث يُستخدم لتجمع عشاق الفلكلور والموسيقى التقليدية، بالإضافة إلى وظيفته الأساسية كحمام. هذه المبادرات تعكس محاولات المجتمع المحلي للحفاظ على هذه المعالم من خلال إعادة توظيفها بطرق تتناسب مع احتياجات العصر الحديث.
دور الحكومة والمنظمات
تلعب الحكومة السورية، من خلال مديرية الآثار والمتاحف، دورًا مهمًا في جهود الحفاظ على الحمامات. ومع ذلك، فإن التمويل المحدود والأولويات المتعددة في ظل الأزمات الاقتصادية يعيقان التقدم في هذا المجال. هناك أيضًا دعوات من قبل منظمات دولية، مثل اليونسكو، لتسجيل الحمامات السورية كجزء من التراث العالمي، مما قد يوفر الدعم المالي والفني اللازم لترميمها.
على المستوى المحلي، هناك مبادرات من قبل الأفراد والجمعيات الثقافية لتسليط الضوء على أهمية الحمامات. على سبيل المثال، يعمل بعض أصحاب الحمامات، مثل السيد ممدوح الشامي في حمام الأسعدية، على الحفاظ على التقاليد من خلال تقديم تجربة أصيلة للزوار، بما في ذلك الشاي والمشروبات التقليدية بعد الاستحمام.
السياحة كمحرك للحفاظ
تُعتبر السياحة أحد الحلول المحتملة للحفاظ على حمامات حماة. يمكن أن تجذب هذه الحمامات السياح المحليين والدوليين الذين يبحثون عن تجربة ثقافية فريدة. على سبيل المثال، يمكن تسويق الحمامات كوجهة للسياحة التاريخية، حيث يمكن للزوار تجربة الاستحمام التقليدي واستكشاف التصميم المعماري الأصيل. ومع ذلك، يتطلب هذا النهج تحسين البنية التحتية السياحية في حماة، بما في ذلك توفير الإرشادات السياحية والمواد الترويجية.
علاوة على ذلك، يمكن دمج الحمامات في جولات سياحية تشمل معالم أخرى في حماة، مثل النواعير والقلعة والمسجد الكبير. هذا النهج يمكن أن يعزز من مكانة حماة كوجهة سياحية ثقافية، مما يوفر مصدر دخل مستدام لصيانة الحمامات.
الرؤية المستقبلية
للحفاظ على حمامات حماة التاريخية، يجب تبني نهج شامل يجمع بين الجهود الحكومية، المبادرات المجتمعية، والاستثمار في السياحة. تشمل الخطوات المقترحة:
- الترميم والصيانة المستمرة: يجب تخصيص ميزانيات منتظمة لترميم الحمامات، مع التركيز على الحفاظ على التصميم المعماري الأصلي. يمكن أن تشمل هذه الجهود إصلاح الأنظمة التقليدية لتسخين المياه وتحسين التهوية.
- التوعية الثقافية: يمكن تنظيم حملات توعية لتسليط الضوء على أهمية الحمامات كجزء من التراث الثقافي. يمكن أن تشمل هذه الحملات فعاليات ثقافية مثل المعارض والجولات الإرشادية.
- إعادة التوظيف: يمكن تحويل بعض الحمامات إلى مراكز ثقافية أو متاحف صغيرة تعرض تاريخ الحمامات ودورها الاجتماعي، مع الاحتفاظ بوظيفتها الأساسية كحمامات.
- التعاون الدولي: يمكن التعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو لتوفير التمويل والخبرة الفنية اللازمة للحفاظ على الحمامات.
الخاتمة
تُعد حمامات حماة الأثرية، مثل حمام السلطان وحمام الأسعدية، شاهدًا على التاريخ العريق والتراث الثقافي للمدينة. من خلال تصميمها المعماري المتقن ودورها الاجتماعي الحيوي، كانت هذه الحمامات مراكز للنظافة والتواصل والاحتفالات عبر العصور. ومع ذلك، تواجه هذه المعالم تحديات كبيرة في العصر الحديث، بما في ذلك نقص الوقود، ارتفاع تكاليف التشغيل، وتغير العادات الاجتماعية.
من خلال الجهود المشتركة بين الحكومة، المجتمع المحلي، والمنظمات الدولية، يمكن الحفاظ على هذه الحمامات كجزء من التراث الثقافي ليس فقط لسكان حماة، بل للعالم أجمع. إن إحياء هذه المعالم لن يحافظ على تاريخ المدينة فحسب، بل سيسهم أيضًا في تعزيز السياحة الثقافية وتنشيط الاقتصاد المحلي. في نهاية المطاف، تظل حمامات حماة رمزًا للإبداع المعماري والوحدة الاجتماعية، وهي تستحق كل جهد للحفاظ عليها للأجيال القادمة.