حماة اليوم

قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا: فصل جديد للأمة الممزقة بالحرب

في 30 يونيو 2025، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطوة تاريخية بتوقيع أمر تنفيذي يرفع معظم العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا. يمثل هذا القرار نقطة تحول كبيرة في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، التي عانت من حرب أهلية مدمرة استمرت أكثر من عقد من الزمان. يأتي هذا القرار بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024، مما يفتح الباب أمام إعادة إعمار سوريا وإعادة دمجها في المجتمع الدولي. ومع ذلك، يبقي القرار على عقوبات محددة تستهدف الأسد وشركاءه، مما يعكس نهجًا متوازنًا لدعم الاستقرار مع ضمان المساءلة عن الانتهاكات السابقة.

خلفية العقوبات الأمريكية على سوريا

بدأت الولايات المتحدة فرض العقوبات على سوريا منذ عام 1979، عندما تم تصنيفها كدولة راعية للإرهاب بسبب دعمها لجماعات مثل حزب الله. ومع مرور الوقت، تم تشديد هذه العقوبات استجابةً لقضايا متعددة، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم الإرهاب، والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل. في عام 2003، أقر الكونغرس قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، الذي فرض قيودًا على الصادرات والاستثمارات الأمريكية في سوريا. كما أصدر الرئيس جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي 13338 في عام 2004، الذي منع التعاملات مع أشخاص وكيانات معينة مرتبطة بالنظام السوري.

في عام 2019، أدخل قانون حماية المدنيين السوريين (قانون قيصر) عقوبات أكثر صرامة، مستهدفًا الأفراد والكيانات التي تدعم الحكومة السورية، مما زاد من العزلة الاقتصادية لسوريا. هذه العقوبات أثرت بشدة على الاقتصاد السوري، مما أدى إلى نقص في السلع الأساسية، وارتفاع التضخم، وتفاقم الأزمة الإنسانية.

ومع ذلك، أدت التغيرات السياسية الأخيرة، وبالأخص الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024، إلى إعادة تقييم هذه العقوبات. الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أظهرت التزامًا بالاستقرار ورفض التطرف، مما دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار رفع العقوبات لدعم هذه الجهود. وقد تأثر هذا القرار أيضًا بمناشدات من دول إقليمية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا، اللتين لعبتا دورًا رئيسيًا في دعم التغيير السياسي في سوريا.

تفاصيل الأمر التنفيذي

الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس ترامب في 30 يونيو 2025 يلغي عدة أوامر تنفيذية سابقة كانت قد فرضت عقوبات شاملة على سوريا، بما في ذلك الأوامر التنفيذية 13338، 13572، 13573، 13582، 13606، و13608. من خلال إنهاء برنامج العقوبات السورية، يزيل الأمر القيود الاقتصادية الواسعة التي كانت مفروضة، مما يسمح باستئناف التجارة والمعاملات المالية مع سوريا.

ومع ذلك، يحتفظ الأمر بعقوبات مستهدفة على أفراد وكيانات مرتبطة بالنظام السابق، وانتهاكات حقوق الإنسان، والإرهاب، والأنشطة غير المشروعة الأخرى. وهذا يشمل بشار الأسد وشركاءه، ومهربي المخدرات، والأشخاص المرتبطين بأنشطة الأسلحة الكيميائية، وتنظيمي داعش والقاعدة، ووكلاء إيران في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يوجه الأمر وزير الخارجية الأمريكي لتقييم إمكانية تعليق العقوبات بموجب قانون قيصر إذا استوفت الحكومة السورية معايير معينة تتعلق بحقوق الإنسان والإصلاحات السياسية. كما يوجه الأمر بمراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وتصنيفات بعض الجماعات والأفراد كإرهابيين، بما في ذلك هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع. علاوة على ذلك، يسمح الأمر بتخفيف القيود على تصدير بعض السلع التي يمكن أن تساعد في إعادة إعمار سوريا، ويعفي من القيود على تقديم المساعدات الأجنبية للبلاد.

إجراءات وزارة الخزانة الأمريكية

ردًا على الأمر التنفيذي، اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية خطوات فورية لتنفيذ التغييرات. أزال المكتب 518 فردًا وكيانًا سوريًا من قائمة الأشخاص الممنوعين (SDN)، مما يسمح لهم بالوصول إلى أصولهم والمشاركة في المعاملات الدولية. ومن بين هؤلاء أشخاص ومؤسسات رئيسية حيوية لتنمية سوريا، بما في ذلك مسؤولون حكوميون وقادة أعمال وشركات مملوكة للدولة مثل شركة النفط السورية (SYTROL)، التي كانت مدرجة سابقًا بموجب قانون العقوبات على إيران.

علاوة على ذلك، أصدر المكتب الرخصة العامة 25 (GL25)، التي تسمح للأشخاص الأمريكيين بالانخراط في معاملات كانت محظورة سابقًا بموجب لوائح العقوبات السورية. تهدف هذه الرخصة إلى تسهيل الاستثمار الجديد والنشاط الاقتصادي في القطاع الخاص في سوريا، بما يتماشى مع استراتيجية الرئيس ترامب “أمريكا أولاً”. كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إصدار إعفاء لمدة 180 يومًا من عقوبات قانون قيصر، مما يتيح للشركاء الدوليين فرصة دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا.

الإجراءالتفاصيلالتأثير
إزالة 518 فردًا وكيانًا من قائمة SDNشملت أفرادًا وشركات مثل SYTROLفتح الأصول وتسهيل المعاملات الدولية
إصدار الرخصة العامة 25 (GL25)تسمح بالمعاملات المحظورة سابقًاتشجيع الاستثمار الأجنبي والنشاط الاقتصادي
إعفاء قانون قيصر لمدة 180 يومًاصادر عن وزارة الخارجيةدعم الشركاء الدوليين في إعادة الإعمار

تصريحات المسؤولين الأمريكيين

أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت خلال مؤتمر صحفي أن رفع العقوبات يهدف إلى دعم الشعب السوري مع استمرار استهداف المسؤولين عن الانتهاكات. وقالت: “هذه الخطوة ستتيح للولايات المتحدة الإبقاء على العقوبات على الرئيس السوري السابق بشار الأسد وشركائه، ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وتجار المخدرات، والأشخاص المرتبطين بأنشطة الأسلحة الكيميائية، وتنظيمي داعش والقاعدة، ووكلاء إيران”.

وأعرب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، عن تفاؤله بشأن مستقبل سوريا، قائلاً: “سوريا بحاجة إلى فرصة، وهذا ما حدث. هذه الخطوة هي تتويج لعملية شاقة ومفصلة للغاية لفك هذه العقوبات”. كما أشار مسؤول كبير في الإدارة إلى أن الولايات المتحدة ستراجع معايير تعليق قانون قيصر وتصنيفات الإرهاب المتعلقة بسوريا.

تصريحات المسؤولين السوريين

رحّبت الحكومة السورية بالقرار الأمريكي، معتبرة إياه خطوة حاسمة نحو التعافي الوطني. ووصف وزير الخارجية أسعد الشيباني القرار بأنه “نقطة تحول كبيرة”، مضيفًا: “هذا القرار يفتح الباب أمام إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها، ويزيل العقبات التي كانت تعيق التعافي الاقتصادي”. وفي منشور على منصة X، أكد الشيباني أن رفع العقوبات سيسهم في استعادة الاستقرار الاقتصادي.

كما أعرب الرئيس أحمد الشرع عن امتنانه للولايات المتحدة، مؤكدًا التزام حكومته ببناء سوريا مستقرة ومزدهرة. وقال في خطاب علني: “هذه بداية جديدة لسوريا. نحن ملتزمون بتعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وضمان أن تصبح سوريا منارة للسلام في المنطقة”.

ردود الفعل الدولية

لاقى قرار رفع العقوبات ترحيبًا من قادة إقليميين، خاصة في الشرق الأوسط. خلال قمة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، حظي الرئيس ترامب بتصفيق حار من القادة الإقليميين الذين دعموا الانتفاضة ضد الأسد المدعوم من إيران. وقال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: “هذه خطوة إيجابية نحو الاستقرار في سوريا والمنطقة الأوسع. نتطلع إلى العمل مع الحكومة السورية الجديدة لتحقيق السلام الدائم”.

كما رحّب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لعب دورًا رئيسيًا في دعم التغيير السياسي في سوريا، بالقرار. وقال: “لطالما دعمت تركيا الشعب السوري في نضاله من أجل الحرية والكرامة. نعتقد أن هذا القرار سيساعد سوريا على التعافي والازدهار”. وأشار ترامب إلى دور أردوغان كـ”العقل المدبر” وراء انتقال السلطة إلى الشرع.

على الصعيد الدولي، أبدى الاتحاد الأوروبي دعمه من خلال تخفيف عقوباته على سوريا. في 23 يونيو 2025، اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي استنتاجات جديدة بشأن سوريا، مؤكدًا التزامه بدعم الانتقال السلمي في البلاد وجهود إعادة الإعمار.

التأثيرات المحتملة

من المتوقع أن يكون لرفع العقوبات تأثيرات عميقة على الاقتصاد السوري وجهود إعادة الإعمار. من خلال إزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار، سيتمكن المستثمرون الأجانب من دخول السوق السوري، مما يجلب رأس المال والتكنولوجيا والخبرات. هذا الاستثمار ضروري لإعادة بناء البنية التحتية السورية، التي دمرتها سنوات الحرب، بما في ذلك الطرق والمستشفيات والمدارس.

علاوة على ذلك، سيسهل رفع العقوبات توصيل المساعدات الإنسانية وتنفيذ مشاريع التنمية. ستتمكن المنظمات الدولية وغير الحكومية من العمل بفعالية أكبر في سوريا، مما يحسن الوصول إلى الموارد الأساسية مثل الغذاء والدواء والمياه النظيفة. ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، حيث يجب على الحكومة السورية الجديدة إثبات التزامها بالإصلاحات والحوكمة الرشيدة للحفاظ على الدعم الدولي.

ومن الجدير بالذكر أن خلفية الرئيس أحمد الشرع، المرتبط سابقًا بتنظيم القاعدة، قد تثير مخاوف بشأن استقرار الحكومة الجديدة. ومع ذلك، أكدت الولايات المتحدة أنها ستراقب الوضع عن كثب، مع الإبقاء على عقوبات على الأفراد والكيانات التي تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار.

الخاتمة

يمثل قرار الرئيس ترامب برفع العقوبات عن سوريا فصلًا جديدًا في العلاقات الأمريكية-السورية، ويوفر أملًا لمستقبل البلاد. من خلال الموازنة بين رفع العقوبات العامة والإبقاء على تدابير مستهدفة، تهدف الولايات المتحدة إلى دعم مسار سوريا نحو الاستقرار والسلام مع ضمان المساءلة عن الفظائع السابقة. ومع بدء سوريا هذه الرحلة، سيراقب المجتمع الدولي عن كثب كيفية تعامل الحكومة الجديدة مع التحديات المقبلة، بما في ذلك إعادة الإعمار، وإعادة بناء الثقة، وتعزيز الوحدة الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى