قسم الحروق في مشفى حماة الوطني يولد من جديد بمعايير عالمية

محتوى المقالة
مقدمة
في قلب مدينة حماة، حيث تتعالى أصوات الحياة مجدداً وتنبض العزيمة بإعادة بناء ما تهدم، يقف مشفى حماة الوطني شاهداً على مرحلة جديدة من التعافي تتجاوز ترميم الحجر لتمس جوهر الحياة الإنسانية. من بين أروقته، ينهض اليوم قسم الحروق كطائر الفينيق من رماد سنوات طويلة من الإهمال والتردي، ليبدأ فصلاً جديداً عنوانه الأمل والشفاء بمعايير عالمية. إن الحروق، بإصاباتها البالغة التعقيد والألم، لا تختبر قدرة الجسد على التحمل فحسب، بل تختبر أيضاً كفاءة وقدرة أي نظام صحي على توفير رعاية فائقة الدقة والحساسية. ولفترة طويلة، كان هذا الاختبار قاسياً على أهالي المحافظة، حيث كان قسم الحروق يفتقر لأبسط مقومات الرعاية الحديثة، مما حوّل رحلة العلاج إلى معاناة إضافية تضاف إلى ألم الإصابة.
اليوم، تنقلب الصفحة على هذا الواقع المرير، مع انطلاق مشروع تأهيل شامل لا يهدف فقط إلى تحديث البنية التحتية، بل يسعى إلى زرع نواة مركز طبي متقدم، يمتلك أحدث التجهيزات، ويتبنى أرقى بروتوكولات العلاج، ليعيد للمرضى حقهم في الحصول على رعاية طبية تليق بآدميتهم وتعيد لهم الأمل في حياة طبيعية بعد الإصابة.
نهضةٌ من رماد الإهمال
في خطوةٍ فارقة تهدف إلى طي صفحة الماضي الأليم وفتح آفاق جديدة للرعاية الصحية في محافظة حماة، انطلقت في مشفى حماة الوطني أعمال التأهيل الشاملة لقسم الحروق. هذا المشروع الطموح لا يقتصر على كونه مجرد عملية ترميم للبنية التحتية، بل يمثل نقلة نوعية شاملة، تشمل التحديث الإنشائي وتوريد أحدث التجهيزات والمستلزمات الطبية، واضعاً نصب عينيه الارتقاء بمستوى الخدمات العلاجية المقدمة لمرضى الحروق، الذين طالما عانوا من وطأة الإهمال الشديد.
واقع مؤلم وتطلعات لمستقبل أفضل
لم يكن خفياً على أحد الوضع المتردي الذي وصل إليه قسم الحروق في مشفى حماة الوطني خلال السنوات الماضية. فقد كان هذا القسم، بحسب تصريحات رسمية، من أكثر الأقسام التي عانت من الإهمال والتراجع، مما انعكس سلباً وبشكل مباشر على جودة الرعاية المقدمة للمرضى في أصعب ظروفهم الإنسانية. وفي هذا السياق، أوضح السيد محمد مصدر، مدير المكتب الإعلامي في مديرية صحة حماة، أن القسم كان بأمسّ الحاجة إلى هذه النهضة التطويرية، مشيراً إلى أن جوانب حيوية كالتعقيم كانت في حالة يُرثى لها، لدرجة وصفها بـ “شبه المعدومة”، وهو أمر جلل بالنظر إلى الطبيعة الحساسة لإصابات الحروق وقابليتها الشديدة للالتهابات والعدوى التي قد تهدد حياة المريض.
إن هذا الإرث الثقيل من الإهمال لم يؤثر فقط على البنية الفيزيائية للقسم، بل امتد ليطال الروح المعنوية للكوادر الطبية وقدرتها على تقديم أفضل ما لديها في ظل نقص الإمكانيات. لذا، تأتي أعمال التأهيل الحالية لتشكل بارقة أمل حقيقية، ليس فقط للمرضى وعائلاتهم، بل أيضاً للأطباء والممرضين الذين سيتمكنون قريباً من ممارسة مهامهم في بيئة عمل تليق بجهودهم وتضحياتهم، وتوفر لهم الأدوات اللازمة لإنقاذ الأرواح وتخفيف الآلام.
خطة تأهيل متكاملة: من البنية التحتية إلى التجهيز الطبي المتقدم
تتجاوز خطة العمل الحالية مجرد الإصلاحات السطحية، لترسم ملامح قسم حديث ومتكامل. تشمل الأعمال تأهيلاً جذرياً للمغاطس، وهي عنصر أساسي في العناية بمرضى الحروق، بالإضافة إلى صيانة شاملة لشبكات المياه والتمديدات الصحية لضمان أعلى مستويات النظافة والوقاية من العدوى. كما تمتد الأعمال لتشمل الأرضيات والنوافذ، وكل ما من شأنه أن يخلق بيئة علاجية آمنة ومريحة للمرضى.
ولعل أبرز ما يميز هذا المشروع هو التطوير النوعي على صعيد التجهيزات الطبية. حيث سيتم تزويد القسم بغرفة عمليات متخصصة ومجهزة للتعامل مع الحالات المعقدة التي تتطلب تدخلاً جراحياً دقيقاً، كعمليات ترقيع الجلد وإزالة التشوهات. وإلى جانب ذلك، سيتم إنشاء غرفة عناية مشددة خاصة بقسم الحروق، وهو ما يمثل إضافة استراتيجية بالغة الأهمية لمراقبة وعلاج الحالات الحرجة التي تحتاج إلى متابعة حثيثة على مدار الساعة. هذه الإضافات ستضع القسم في مصاف المراكز المتقدمة، قادراً على التعامل مع مختلف درجات الحروق وتعقيداتها.
مضاعفة القدرة الاستيعابية وتطلعات لخدمة مثلى
تهدف هذه الجهود الحثيثة في مجملها إلى تحقيق هدف إستراتيجي واضح، وهو رفع القدرة الاستيعابية للقسم بشكل ملحوظ. فمن المتوقع بعد إنجاز أعمال الصيانة والتجهيز أن يتمكن القسم من استقبال ما يصل إلى 25 مريضاً يومياً، أي بمعدل 750 مريضاً شهرياً. هذه الزيادة الكبيرة في الطاقة الاستيعابية ستسهم بشكل فعال في تقليل قوائم الانتظار وضمان حصول كل مريض على الرعاية اللازمة في الوقت المناسب، وهو عامل حاسم في تحسين نتائج العلاج وتقليل المضاعفات.
في نهاية المطاف، يؤكد القائمون على المشروع أن اكتمال هذه الأعمال سيؤهل القسم لاستقبال وعلاج المرضى وفقاً لأعلى معايير ومواصفات الرعاية الطبية العالمية. إنها ليست مجرد عملية بناء حجارة وتوريد أجهزة، بل هي استثمار في صحة الإنسان وكرامته، وإعادة إحياء لأحد أهم الأقسام الحيوية في القطاع الصحي بمحافظة حماة، ليكون صرحاً طبياً قادراً على تقديم شفاء حقيقي وأمل جديد لكل من يلجأ إليه.
خاتمة
في المحصلة، لا يمثل مشروع تأهيل قسم الحروق في مشفى حماة الوطني مجرد استجابة لحاجة طبية ملحة، بل هو رسالة قوية مفادها أن الاستثمار في صحة المواطن هو حجر الزاوية في بناء مستقبل مستقر ومزدهر. إنه يجسد التزاماً بتحويل المعاناة إلى أمل، وبإحلال العلم والمعايير العالمية محل سنوات من الإهمال والنسيان. ومع كل حجر يوضع، وكل جهاز طبي حديث يصل، وكل كادر يتلقى تدريباً متقدماً، لا يتم بناء قسم طبي فحسب، بل يتم نسج شبكة أمان صحي تعيد الطمأنينة إلى قلوب آلاف الأسر. ويبقى الرهان الأكبر على استدامة هذا التألق، ليبقى هذا القسم منارة للشفاء، وشاهداً حياً على أن إرادة الحياة والتطوير قادرة دائماً على أن تنهض من تحت الرماد.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو السبب الرئيس الذي استدعى هذا التأهيل الشامل لقسم الحروق الآن تحديداً؟
السبب الرئيس هو الوصول إلى حالة حرجة من الإهمال والتردي التي جعلت القسم غير قادر على تقديم الرعاية الطبية المقبولة. فخلال “عهد النظام البائد”، كما ورد في التصريحات الرسمية، عانى القسم من تدهور مستمر في بنيته التحتية وتجهيزاته. المشكلة لم تكن تجميلية، بل وظيفية وخطيرة، وأبرز مثال على ذلك هو “شبه انعدام التعقيم”. في علاج الحروق، يعتبر التحكم في العدوى هو حجر الزاوية لنجاح العلاج، لأن الجلد المتضرر يفقد وظيفته كحاجز طبيعي ضد الجراثيم. وبالتالي، فإن بيئة غير معقمة تعني حكماً شبه مؤكد بالتهابات خطيرة قد تؤدي إلى تعفن الدم والوفاة. لذا، لم يعد التأجيل ممكناً، وأصبح التأهيل الشامل ضرورة ملحة لإنقاذ الأرواح ووقف تدهور الخدمات الصحية في هذا الاختصاص الحيوي.
2. ما هي أبرز التجهيزات الطبية الحديثة التي سيتم تزويد القسم بها؟
إلى جانب التجديد الإنشائي، يكمن جوهر التطوير في التجهيزات الطبية المتقدمة. أبرز هذه الإضافات هو إنشاء غرفة عمليات متخصصة ضمن القسم، مما يسهل إجراء العمليات الجراحية الدقيقة كالتنضير الجراحي (إزالة الأنسجة الميتة) وعمليات ترقيع الجلد دون الحاجة لنقل المريض عبر المستشفى، مما يقلل من خطر التلوث. إضافة إلى ذلك، سيتم تجهيز غرفة عناية مشددة (ICU) خاصة بمرضى الحروق، مزودة بأجهزة تنفس اصطناعي، وشاشات مراقبة العلامات الحيوية المتقدمة، ومضخات وريدية دقيقة للتحكم في السوائل والأدوية. كما يتضمن التحديث تزويد القسم بمغاطس علاجية حديثة مصممة خصيصاً لتسهيل عملية تنظيف الحروق وتغيير الضمادات بأقل ألم ممكن للمريض، وأسرّة طبية متخصصة بالحروق تقلل الضغط على الجلد وتمنع تقرحات الفراش.
3. كيف سيؤثر إنشاء غرفة عمليات وعناية مشددة داخل القسم على رعاية المرضى؟
إن وجود غرفة عمليات وعناية مشددة مخصصة داخل القسم يمثل نقلة نوعية تغير مسار العلاج بالكامل. سابقاً، كان المريض الذي يحتاج لعملية جراحية أو رعاية مركزة يُنقل إلى أقسام أخرى في المستشفى، وهذا كان يعرضه لمخاطر جمة، أهمها العدوى المكتسبة من المستشفيات، وتأخير التدخل الطبي العاجل. الآن، سيتم احتواء المريض بالكامل داخل بيئة القسم الخاضعة لرقابة صارمة على التعقيم. غرفة العمليات المجاورة تعني سرعة فائقة في إجراء الجراحات الطارئة، وغرفة العناية المشددة تضمن مراقبة مستمرة من قبل فريق طبي متخصص في التعامل مع مضاعفات الحروق الشديدة، مثل الصدمة الحرقية والفشل الكلوي ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، مما يرفع نسب النجاة بشكل كبير.
4. ما المقصود بـ “تأهيل المغاطس وصيانة خطوط المياه” وما أهمية ذلك؟
المغاطس العلاجية (Hydrotherapy Tubs) هي جزء أساسي من علاج الحروق المتوسطة والشديدة. تُستخدم لغمر المريض في الماء المعقم لتنظيف الجروح بلطف وإزالة بقايا الجلد الميت والضمادات الملتصقة، وهي عملية مؤلمة للغاية إذا تمت بطريقة جافة. تأهيل هذه المغاطس يعني تركيب أحواض حديثة مصنوعة من مواد غير قابلة لنمو البكتيريا وسهلة التعقيم. أما “صيانة خطوط وتجهيزات المياه”، فهي خطوة حيوية لضمان أن المياه المستخدمة في هذه المغاطس وفي تنظيف القسم هي مياه نقية وخالية من الملوثات البيولوجية مثل بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa) التي تشكل كابوساً في أقسام الحروق. هذا الإجراء يقطع الطريق على أحد أهم مصادر العدوى.
5. هل سيتم تدريب الكوادر الطبية والتمريضية على استخدام التجهيزات الجديدة؟
بالتأكيد. إن توريد أجهزة حديثة لا يكتمل إلا بتدريب الكوادر على استخدامها بكفاءة وأمان. من المتوقع أن يشمل المشروع خطة لتدريب الأطباء والممرضين والفنيين على بروتوكولات التشغيل الصحيحة للأجهزة الجديدة في غرفة العمليات والعناية المشددة، بالإضافة إلى تدريبهم على أحدث معايير الرعاية التمريضية للحروق، وتقنيات التحكم في الألم، وبروتوكولات مكافحة العدوى المتقدمة التي تتماشى مع البيئة الجديدة. هذا الاستثمار في العنصر البشري يضمن استدامة جودة الخدمة ويحول القسم إلى مركز للخبرة في المنطقة.
6. زيادة السعة الاستيعابية إلى 750 مريضاً شهرياً رقم كبير، هل هو واقعي؟
الرقم يبدو طموحاً ولكنه واقعي عند تحليله. الرقم المذكور “750 مريضاً شهرياً” لا يعني بالضرورة وجود 750 سريراً، بل يعكس إجمالي عدد المرضى الذين يمكن للقسم خدمتهم خلال شهر، سواء كانوا مرضى مقيمين يحتاجون لعلاج طويل أو مرضى يراجعون العيادات الخارجية لتغيير الضمادات والمتابعة. بوجود 25 سريراً مخصصاً للمرضى المقيمين، وزيادة كفاءة وسرعة العلاج بفضل التجهيزات الجديدة، سيتمكن القسم من تقليل مدة إقامة كل مريض، مما يسمح باستقبال حالات جديدة بوتيرة أسرع، بالإضافة إلى خدمة عدد كبير من مرضى العيادات الخارجية يومياً.
7. من هي الجهة الممولة للمشروع؟ وهل هناك إطار زمني محدد للانتهاء منه؟
المعلومات المتوفرة من المصدر الرسمي (مديرية صحة حماة) لم تحدد الجهة الممولة بشكل دقيق أو الإطار الزمني، لكن عادةً ما تكون مثل هذه المشاريع الحيوية في المستشفيات الحكومية ممولة من ميزانية وزارة الصحة ضمن خطط إعادة الإعمار والتطوير للقطاع الصحي. قد تساهم أيضاً منظمات دولية أو إنسانية في بعض جوانب التجهيز. بالنسبة للإطار الزمني، ورغم عدم تحديده، فإن بدء الأعمال الإنشائية وتوريد التجهيزات يوحي بوجود خطة عمل جارية، ومن المرجح أن يتم الإعلان عن موعد الافتتاح الرسمي فور اقتراب الأعمال من نهايتها.
8. كيف سيؤثر هذا المشروع على القطاع الصحي في محافظة حماة بشكل عام؟
تأثير المشروع يتجاوز حدود قسم الحروق. أولاً، سيخفف العبء عن المستشفيات الأخرى في حماة والمحافظات المجاورة التي كانت تستقبل الحالات المعقدة. ثانياً، سيصبح مشفى حماة الوطني مركزاً مرجعياً لعلاج الحروق، مما يقلل من حاجة المرضى للسفر إلى دمشق أو مدن أخرى بحثاً عن علاج متخصص. ثالثاً، يرفع المشروع من السمعة العامة للمستشفى ويعزز ثقة المواطنين بالخدمات الصحية الحكومية. وأخيراً، يمكن أن يكون هذا المشروع نموذجاً يحتذى به لتأهيل أقسام حيوية أخرى في مستشفيات مختلفة، مما يخلق تأثيراً إيجابياً متسلسلاً على مستوى القطر.
9. هل ستشمل أعمال التأهيل الجانب النفسي والدعم الاجتماعي للمرضى؟
على الرغم من أن البيان الصحفي ركز على الجوانب الإنشائية والطبية، إلا أن الرعاية الحديثة للحروق “وفق أعلى المعايير” تتضمن بالضرورة الدعم النفسي والاجتماعي. إصابات الحروق تترك آثاراً نفسية عميقة وتشوهات قد تؤثر على حياة المريض الاجتماعية. من المأمول أن تشمل خطة التشغيل الجديدة للقسم تخصيص أخصائيين نفسيين واجتماعيين لمساعدة المرضى، خاصة الأطفال، على التعامل مع صدمة الإصابة، وتقبل التغيرات الجسدية، والتخطيط للعودة إلى حياتهم الطبيعية.
10. بعد اكتمال المشروع، ما هي أكبر التحديات التي قد تواجه القسم لضمان استمرارية الجودة؟
التحدي الأكبر بعد الافتتاح هو الاستدامة. ويشمل ذلك عدة جوانب: أولاً، الصيانة الدورية: يجب وضع خطة صيانة وقائية صارمة للأجهزة الطبية الحساسة والبنية التحتية لضمان عملها بكفاءة وتجنب عودتها للحالة السابقة. ثانياً، تأمين المستلزمات الطبية: يجب ضمان توفر دائم للضمادات الخاصة بالحروق، والمضادات الحيوية، والمحاليل الوريدية، وغيرها من المواد التي تستهلك بكميات كبيرة. ثالثاً، الحفاظ على الكوادر البشرية: يجب توفير بيئة عمل محفزة ورواتب مجزية للاحتفاظ بالكوادر المدربة ومنع هجرتها. مواجهة هذه التحديات ستكون مفتاح الحفاظ على هذا الإنجاز لسنوات قادمة.