تحليل إستراتيجي: هل يمكن لسوريا أن تتعافى دون التقسيم

النقاط الرئيسية
- سقوط نظام الأسد: في ديسمبر 2024، انتهى حكم عائلة الأسد بعد أكثر من خمسة عقود، مما أدى إلى تشكيل حكومة انتقالية في مارس 2025.
- جهود الشمولية: الحكومة الانتقالية، بقيادة أحمد الشرع، أصدرت دستورًا مؤقتًا يعد بحماية حقوق جميع المجموعات العرقية والدينية، مع تعيين وزراء من خلفيات متنوعة.
- التحديات المستمرة: على الرغم من هذه الجهود، هناك انتقادات بسبب تركيز السلطة في يد الرئيس المؤقت، وعدم وجود حماية كافية للأقليات، والعنف الأخير ضد الأقليات مثل العلويين.
- الدور الدولي: المجتمع الدولي يضغط من أجل حكومة شاملة ويدعم التعافي من خلال رفع بعض العقوبات، لكن التحديات الاقتصادية والإنسانية لا تزال كبيرة.
- التعافي والانقسامات: يبدو أن الاعتراف بالانقسامات العرقية والدينية والسياسية ومعالجتها أمر ضروري لتحقيق استقرار طويل الأمد، حيث إن تجاهلها قد يؤدي إلى استمرار التوترات.
نظرة عامة
منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، عانت سوريا من انقسامات عميقة تفاقمت بسبب الصراع. مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، بدأت سوريا مرحلة انتقالية جديدة. لكن السؤال المحوري هو: هل يمكن لسوريا أن تتعافى دون الاعتراف الكامل بهذه الانقسامات العرقية والدينية والسياسية؟ يبدو أن الجهود الحالية للحكومة الانتقالية تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، لكن التحديات مثل العنف ضد الأقليات وتركيز السلطة قد تعيق هذه العملية.
الجهود الحكومية
الحكومة الانتقالية، بقيادة أحمد الشرعا، اتخذت خطوات لإظهار الشمولية، مثل تعيين وزراء من خلفيات متنوعة (مسيحيون، أكراد، دروز، وعلويون) وإصدار دستور مؤقت يعد بحماية حقوق الجميع. ومع ذلك، فإن إدراج الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع أثار مخاوف بين الأقليات غير المسلمة.
التحديات
تواجه الحكومة انتقادات بسبب تركيز السلطة في يد الرئيس المؤقت وعدم وجود ضمانات كافية لحقوق الأقليات. أحداث العنف الأخيرة ضد العلويين في مارس 2025 زادت من مخاوف الأقليات بشأن سلامتها. كما أن احتجاجات الأكراد في القامشلي تشير إلى عدم رضاهم عن الدستور المؤقت.
الدور الدولي
المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ودول غربية وعربية، يضغط من أجل حكومة شاملة تحترم حقوق الإنسان. رفع بعض العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يهدف إلى دعم التعافي الاقتصادي، لكن العقوبات الأمريكية المستمرة تشكل تحديًا.
الخلاصة
من المرجح أن تتطلب سوريا الاعتراف الكامل بالانقسامات ومعالجتها من خلال حوار وطني شامل وسياسات تضمن العدالة والمساواة. تجاهل هذه الانقسامات قد يؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار، مما يجعل التعافي صعبًا.
مقدمة
بدأت الحرب الأهلية السورية في مارس 2011 كجزء من موجة الربيع العربي، حيث تحولت الاحتجاجات السلمية ضد نظام بشار الأسد إلى صراع مسلح طويل الأمد. أدى الصراع إلى مقتل أكثر من 500,000 شخص وتشريد أكثر من 13 مليونًا، مما جعلها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين. في ديسمبر 2024، سقط نظام الأسد بعد هجوم سريع قادته “هيئة تحرير الشام” (HTS) بدعم من مجموعات مدعومة من تركيا، مما أنهى حكم عائلة الأسد الذي استمر منذ عام 1970. تشكلت حكومة انتقالية في مارس 2025، برئاسة أحمد الشرعا، مع دستور مؤقت يهدف إلى توجيه البلاد خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات.
ومع ذلك، تظل سوريا مقسمة بعمق على أسس عرقية (عرب، أكراد، تركمان، وآخرون)، دينية (سنة، علويون، مسيحيون، دروز، وغيرهم)، وسياسية. يثير هذا السؤال المحوري: هل يمكن لسوريا أن تتعافى دون الاعتراف الكامل بهذه الانقسامات ومعالجتها؟ في هذا التحليل، نستعرض الأحداث منذ سقوط الأسد حتى يوليو 2025، مع تقييم جهود الحكومة الانتقالية، التحديات التي تواجهها، ودور المجتمع الدولي، لنحدد ما إذا كان التعافي ممكنًا دون مواجهة هذه الانقسامات.
سقوط نظام الأسد وبداية المرحلة الانتقالية
في ديسمبر 2024، أدى هجوم “ردع العدوان”، بقيادة هيئة تحرير الشام وبدعم من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، إلى الإطاحة بنظام الأسد بسرعة مذهلة. هذا الحدث أنهى حكم عائلة الأسد الذي بدأ مع حافظ الأسد في عام 1970. تلقى النظام دعمًا عسكريًا وماليًا من إيران وروسيا، بينما تلقت المعارضة دعمًا من دول مثل قطر وتركيا. بعد سقوط دمشق، تولى محمد غازي الجلالي، آخر رئيس وزراء في عهد الأسد، قيادة حكومة انتقالية مؤقتة، ثم نقل السلطة إلى محمد البشير، رئيس وزراء حكومة الإنقاذ السورية، في 10 ديسمبر 2024.
في 29 يناير 2025، عُين أحمد الشرع، الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام، رئيسًا مؤقتًا خلال مؤتمر انتصار الثورة السورية في دمشق. أعلن الشرع عن خطط لإصدار إعلان دستوري كمرجع قانوني حتى يتم وضع دستور دائم. كانت هذه الفترة مليئة بالأمل لكثير من السوريين الذين احتفلوا بنهاية الديكتاتورية، لكنها أثارت أيضًا مخاوف بين الأقليات بسبب الطابع الإسلامي للقيادة الجديدة.
الحكومة الانتقالية والدستور المؤقت
في 13 مارس 2025، وقّع الشرعا دستورًا مؤقتًا يحدد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات. ينص الدستور على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، مع وعد بحماية حقوق جميع المجموعات العرقية والدينية في سوريا. كما يضمن حرية الرأي والتعبير والصحافة، وهي خطوة كبيرة مقارنة بالدولة الرقابية في عهد الأسد. في 29 مارس 2025، أعلن الشرعا عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة تضم 23 وزيرًا من خلفيات متنوعة، بما في ذلك امرأة مسيحية كوزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، ومسؤول كردي كوزير للتعليم، ودروزي كوزير للزراعة، وعلوي كوزير للنقل.
الوزارة | الوزير | الخلفية |
---|---|---|
الشؤون الاجتماعية والعمل | هند قبوات | مسيحية |
التعليم | أحمد تركو | كردي |
الزراعة | أمجد بدر | دروزي |
النقل | يعرب سليمان بدر | علوي |
هذه التعيينات كانت محاولة لإظهار التزام الحكومة بالتنوع، لكن هيمنة هيئة تحرير الشام وحلفائها على المناصب الرئيسية مثل الخارجية والدفاع والداخلية أثارت تساؤلات حول توازن السلطة.
جهود الشمولية
سعت الحكومة الانتقالية إلى إظهار التزامها بالوحدة الوطنية من خلال تعيين وزراء من مختلف المجموعات العرقية والدينية. كما أعلنت عن خطط لإجراء حوار وطني لمناقشة الخطوات المستقبلية، بما في ذلك صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. ومع ذلك، فإن إدراج الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع في الدستور المؤقت أثار مخاوف بين الأقليات غير المسلمة، مثل المسيحيين والدروز، الذين يخشون من تهميشهم في ظل حكومة ذات طابع إسلامي.
أعلن الشرعا عن تشكيل لجان وطنية لمعالجة قضايا الأشخاص المفقودين والعدالة الانتقالية، مما يشير إلى محاولة لمعالجة الانتهاكات السابقة وتعزيز المصالحة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تزال في مراحلها الأولى، ولم يتم تنفيذها بشكل كامل بحلول يوليو 2025.
التحديات والانتقادات
على الرغم من الجهود المبذولة، تواجه الحكومة الانتقالية انتقادات كبيرة. أولاً، يُنظر إلى الدستور المؤقت على أنه يركز السلطة بشكل مفرط في يد الرئيس المؤقت، مما يثير مخاوف بشأن استمرارية الحكم الاستبدادي بأشكال مختلفة. ثانيًا، أعربت مجموعات الأقليات، وخاصة الأكراد، عن استيائها من الدستور، مشيرين إلى أنه لا يعكس تنوع سوريا. في 14 مارس 2025، احتج مئات الأكراد في القامشلي ضد الدستور المؤقت، مطالبين بتوزيع عادل للسلطة ونظام حكم لامركزي.
أحداث العـ.ـنف ضد العلويين في مارس 2025، حيث قُـ.ـتل مئات المدنيين في هجمات انتقامية، زادت من مخاوف الأقليات بشأن سلامتها. هذه الأحداث أثارت انتقادات دولية وداخلية، حيث دعا زعيم الدروز الروحي، حكمت الهجري، إلى التشكيك في شرعية الحكومة. كما أن تقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أشارت إلى انتهاكات سابقة لهيئة تحرير الشام، مما يزيد من التوترات.
المنظور الدولي
لعب المجتمع الدولي دورًا مهمًا في دعم الانتقال في سوريا. أعادت دول مثل مصر والعراق والسعودية وتركيا وفرنسا فتح بعثاتها الدبلوماسية في دمشق، مما يشير إلى دعم دولي متزايد. رفع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعض العقوبات في عام 2025 لدعم التعافي الاقتصادي، لكن العقوبات الأمريكية لا تزال قائمة، مما يعيق إعادة الإعمار.
دعت الأمم المتحدة والدول الغربية إلى تشكيل حكومة شاملة تحترم حقوق الإنسان، مع التركيز على حماية الأقليات. كما أكدت الأمم المتحدة على أهمية الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين. ومع ذلك، فإن استمرار التوترات بين القوات الديمقراطية السورية (SDF) والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا يعقد جهود التوحيد الإقليمي.
الطريق إلى الأمام
لتحقيق التعافي، يجب على سوريا معالجة انقساماتها من خلال حوار وطني شامل يضم جميع المجموعات العرقية والدينية. يتطلب ذلك سياسات تضمن العدالة الانتقالية، وحماية حقوق الأقليات، ودمج الفصائل المسلحة في مؤسسات الدولة. التحديات الاقتصادية، مثل انهيار البنية التحتية ونقص الخدمات الأساسية، تتطلب دعمًا دوليًا كبيرًا. وفقًا للأمم المتحدة، قد يستغرق الاقتصاد السوري عقودًا ليعود إلى مستويات ما قبل الصراع دون مساعدة فورية.
التحدي | الوصف |
---|---|
الاقتصاد | انهيار البنية التحتية، نقص الكهرباء، والعقوبات المستمرة. |
الأقليات | مخاوف من التهميش بسبب الدستور المؤقت وأحداث العنف الأخيرة. |
الفصائل المسلحة | صعوبات في دمج القوات الديمقراطية السورية وغيرها في مؤسسات الدولة. |
الأزمة الإنسانية | تشريد أكثر من 13 مليون شخص، مع حاجة ماسة للمساعدات. |
الخلاصة
تشير الأدلة إلى أن الاعتراف بالانقسامات العرقية والدينية والسياسية في سوريا ومعالجتها أمر ضروري لتحقيق تعافٍ مستدام. على الرغم من جهود الحكومة الانتقالية لإظهار الشمولية، فإن التحديات مثل تركيز السلطة، عدم كفاية حماية الأقليات، وأحداث العنـ.ـف الأخيرة تشير إلى أن تجاهل هذه الانقسامات قد يؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار. يتطلب التعافي حوارًا وطنيًا شاملًا، سياسات عادلة، ودعمًا دوليًا قويًا لإعادة بناء سوريا كدولة موحدة تحترم تنوعها.
الأسئلة الشائعة
- ما هي المجموعات العرقية والدينية الرئيسية في سوريا؟
سوريا بلد متنوع يضم العرب كأغلبية، إلى جانب الأكراد، التركمان، والأرمن. دينيًا، تشكل السنة الغالبية (74%)، يليهم العلويون (13%)، المسيحيون (10%)، والدروز (3%)، مع وجود مجتمعات أصغر مثل الإسماعيليين والشيعة الإثني عشرية. - كيف أثرت الحرب الأهلية على هذه المجموعات؟
أدت الحرب إلى استهداف العديد من الأقليات، مما تسبب في نزوح واسع النطاق وانتهاكات لحقوق الإنسان. العلويون، المرتبطون بنظام الأسد، واجهوا هجـ.ـمات انتقامـ.ـية، بينما تعرض المسيحيون وغيرهم للعـ.ـنف من قبل الجماعات المتـ.ـطرفة. - ما هي الأحكام الرئيسية للدستور المؤقت لعام 2025 بشأن حقوق الأقليات؟
يعد الدستور بحماية حقوق جميع المجموعات العرقية والدينية ويضمن حريات فردية مثل حرية التعبير. لكنه يواجه انتقادات بسبب عدم وجود ضمانات محددة للأقليات وتركيز السلطة في يد الرئيس. - ما هو الوضع الحالي للقوات الديمقراطية السورية والفصائل المسلحة الأخرى؟
تسيطر القوات الديمقراطية السورية، التي يهيمن عليها الأكراد، على أجزاء من شمال شرق سوريا. تجري مفاوضات مع الحكومة في دمشق لدمجها في مؤسسات الدولة، لكن التوترات مستمرة مع الجيش الوطني السوري. - كيف يدعم المجتمع الدولي انتقال سوريا؟
يدعم المجتمع الدولي سوريا من خلال المساعدات الإنسانية، إعادة فتح البعثات الدبلوماسية، ورفع بعض العقوبات. كما يضغط من أجل حكومة شاملة تحترم حقوق الإنسان، مع استمرار بعض العقوبات الأمريكية.