تراث مادي

الجامع النوري في حماة: تراث يعكس روعة العمارة الزنكية

الجامع النوري في حماة: تراث مادي يعكس روعة العمارة الزنكية

  • النقاط الرئيسية:
    • يقع الجامع النوري في قلب مدينة حماة، سوريا، على الضفة الغربية لنهر العاصي، وهو معلم تاريخي بارز بناه نور الدين زنكي في عام 1162 م.
    • يتميز بتصميمه المعماري الزنكي، مع منارة مربعة ذات أحجار بازلتية وحجر جيري متناوبة، وفناء مركزي، وقاعة صلاة تحتوي على منبر خشبي تاريخي.
    • المنبر، الذي يعود تاريخه إلى عام 1164 م، محفوظ الآن في متحف حماة، ويُعد من أقدم الأمثلة على الحرفية الإسلامية.
    • تعرض الجامع لأضرار خلال أحداث عام 1982، لكنه تم ترميمه بالكامل ويظل مفتوحًا للعبادة والزوار.
    • يُعتبر الجامع رمزًا للتراث المادي في سوريا، حيث يجمع بين العناصر المعمارية الإسلامية والرومانية المعاد استخدامها.

نظرة عامة

الجامع النوري في حماة هو واحد من أبرز المعالم التاريخية في سوريا، حيث يجمع بين الجمال المعماري والأهمية التاريخية. بناه السلطان نور الدين محمود زنكي في عام 1162 م، وهو يعكس الروح الدينية والثقافية للعصر الزنكي. يقع الجامع في موقع استراتيجي على ضفة نهر العاصي، مما يجعله وجهة سياحية ودينية مميزة.

الأهمية التاريخية

يُعد الجامع النوري شاهدًا على فترة حكم نور الدين زنكي، الذي كان له دور كبير في توحيد المناطق الإسلامية ضد الصليبيين. تم بناء الجامع تقديرًا لدور حماة في دعم حكمه، وهو يحمل عناصر مادية مثل المنبر الخشبي والنقوش التاريخية التي تروي قصص تلك الحقبة.

السمات المعمارية

يتميز الجامع بتصميم يتمحور حول فناء مستطيل، مع منارة مربعة ونقوش حجرية دقيقة. استخدام الأحجار الرومانية المعادة في بنائه يضيف طبقة إضافية من الأهمية التاريخية.

الحالة الحالية

بعد الأضرار التي لحقت به في عام 1982، تم ترميم الجامع بعناية ليستعيد رونقه، مما يجعله رمزًا للصمود الثقافي في حماة.

مقدمة

في قلب مدينة حماة التاريخية، على الضفة الغربية لنهر العاصي، يقف الجامع النوري شامخًا كأحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في سوريا. يُعد هذا الجامع، الذي بناه السلطان نور الدين محمود زنكي في عام 558 هـ / 1162 م، نموذجًا رائعًا للعمارة الإسلامية في العصر الزنكي. يتميز بموقعه الاستراتيجي الذي يطل على مناظر طبيعية خلابة تشمل قصر العظم ونواعير حماة الشهيرة، مما يجعله وجهة مفضلة للسياح والباحثين عن التراث المادي. يحمل الجامع في طياته قصصًا من التاريخ الإسلامي، مع عناصر معمارية فريدة مثل المنارة المربعة والمنبر الخشبي التاريخي، الذي يُعد من أقدم الأمثلة على الحرفية الإسلامية. في هذه المقالة، سنستعرض التراث المادي للجامع النوري، مع التركيز على تاريخه، تصميمه المعماري، والعناصر الأثرية المرتبطة به.

الخلفية التاريخية

تأسيس الجامع النوري

بنى السلطان نور الدين محمود زنكي الجامع النوري في عام 558 هـ / 1162 م، تقديرًا للدور الحاسم الذي لعبته مدينة حماة في تأسيس حكمه على مدينتي حلب ودمشق. نور الدين، الذي حكم بين عامي 1146 و1174 م، كان قائدًا عسكريًا ودينيًا بارزًا، اشتهر بجهوده في توحيد المناطق الإسلامية ضد الصليبيين. وقد أقيم الجامع على موقع دير قديم يُعرف باسم دير قزما، مما يعكس التحولات الدينية والثقافية التي شهدتها المدينة عبر العصور.

السياق التاريخي

خلال فترة حكم نور الدين، كانت حماة مركزًا إستراتيجيًا مهمًا في بلاد الشام. بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في عام 1157 م، قام نور الدين بإعادة بناء وترميم العديد من المعالم في حماة، بما في ذلك قلاع مثل قلعة حماة وشيزر. الجامع النوري كان جزءًا من هذه الجهود، حيث سعى نور الدين إلى تعزيز الهوية الإسلامية في المدينة من خلال بناء مساجد ومدارس ومستشفيات.

البيمارستان المجاور

بالإضافة إلى الجامع، أمر نور الدين ببناء بيمارستان (مستشفى) مجاور في عام 559 هـ / 1164 م. يتكون هذا البيمارستان من ساحة سماوية تتوسطها بركة مثمنة الشكل، وتحيط بها غرف مخصصة للمرضى. هذا المشروع يعكس رؤية نور الدين الشاملة التي جمعت بين الرعاية الدينية والاجتماعية، مما يجعل الجامع النوري جزءًا من مجمع معماري أوسع.

الوصف المعماري

التصميم العام

يتمحور تصميم الجامع النوري حول فناء مستطيل كبير، وهو نمط شائع في العمارة الإسلامية خلال العصر الزنكي. يقع المدخل الرئيسي في الجهة الشمالية، ويتميز بواجهة بسيطة مزينة بلوحتين من الحجر الأسود ولوحة نقش عليها تاريخ البناء (558 هـ / 1162 م) بخط عربي جميل وحروف ضخمة محفورة بعناية. كان هناك باب شاهق في الجهة الغربية، لكنه هُدم لاحقًا، بينما يظل الباب الشمالي قائمًا حتى اليوم.

المنارة

تقع المنارة في الزاوية الشمالية الغربية للجامع، وهي مربعة الشكل وتتميز بتصميمها الفريد الذي يتضمن طبقات متناوبة من البازلت الأسود والحجر الجيري الأصفر. هذا التصميم مستوحى من منارة الجامع الكبير في حلب، وهو يعكس الأسلوب المعماري الزنكي الذي يجمع بين الجمالية والوظيفية. المنارة ليست مجرد عنصر معماري، بل هي رمز للهوية الإسلامية في المدينة.

الفناء

يحتوي الفناء المركزي على بركة مربعة كبيرة تُغذى بالمياه من ناعورة الجعبرية، وهي إحدى نواعير حماة الشهيرة. يحيط بالفناء أروقة تضفي على المكان جوًا من الهدوء والروحانية. الفناء ليس فقط مكانًا للتجمع، بل هو أيضًا عنصر وظيفي يوفر التهوية والإضاءة الطبيعية للجامع.

قاعة الصلاة

تقع قاعة الصلاة في الجهة الجنوبية من الجامع، وهي مستطيلة الشكل وضيقة نسبيًا، مع عدة أبواب تؤدي إلى الفناء. كانت القاعة تحتوي على منبر خشبي منحوت يعود تاريخه إلى عام 1164 م، والذي يُعد من أبرز القطع الأثرية المرتبطة بالجامع. هذا المنبر، الذي يُحفظ الآن في متحف حماة، كان مركزًا للخطب الدينية التي عكست رؤية نور الدين الدينية والسياسية.

الجزء الشرقي

في الجهة الشرقية من الجامع، توجد ثلاثة أقبية مقببة تطل على نهر العاصي، مما يضفي على المكان إطلالة ساحرة. هذه الأقبية، التي أُضيفت خلال فترة المماليك، تعكس التوسعات التي شهدها الجامع على مر القرون.

المواد المستخدمة

استُخدم في بناء الجامع الجص والحجارة، مع إعادة استخدام كتل حجرية من العصر الروماني في الجدران الخارجية السفلية. يُعتقد أن هذه الكتل جاءت من تل القلعة القريب، مما يضيف طبقة إضافية من الأهمية التاريخية للجامع. استخدام هذه المواد المعادة يعكس الاستمرارية الثقافية بين الحضارات المختلفة التي مرت على حماة.

النقوش

يحتوي الجدار الشمالي للجامع على نقوش تاريخية مهمة. النقش الأول، المكتوب باللغة اليونانية، يشير إلى شجاعة أهالي حماة ضد الحكام الرومان، بينما النقش الثاني، المكتوب بالعربية، يشير إلى أن الجامع كان مركزًا للقاءات العلمية. هذه النقوش ليست مجرد زخارف، بل هي وثائق تاريخية تعكس الأهمية الثقافية والاجتماعية للجامع.

الجزء المعماريالوصفالموادالأهمية التاريخية
المنارةمربعة، طبقات متناوبة من البازلت الأسود والحجر الجيري الأصفربازلت، حجر جيريمستوحاة من الجامع الكبير في حلب
الفناءمستطيل، بركة مربعة مركزيةجص، حجارةيوفر التهوية والإضاءة
قاعة الصلاةمستطيلة ضيقة، أبواب متعددةجص، حجارة، خشب (المنبر سابقًا)مركز النشاط الديني
الأقبية الشرقيةثلاثة أقبية مقببة تطل على النهرجص، حجارةإضافة مملوكية
النقوشيونانية وعربية على الجدار الشماليحجروثائق تاريخية

المنبر: تحفة فنية

يُعد المنبر الخشبي من أهم القطع الأثرية المرتبطة بالجامع النوري. تم تكليفه من قبل نور الدين في عام 1163 م، وأُنجز في عام 1164 م، وهو الآن محفوظ في متحف حماة. يبلغ ارتفاع المنبر 430 سم، وطوله 320 سم، وعرضه 85 سم، وهو مصنوع من الخشب المنحوت والمرصع. يتميز بنقوش دقيقة تشمل أشكالًا نباتية وهندسية، بالإضافة إلى نقوش تاريخية وآيات قرآنية مكتوبة بخط الثلث داخل إطار مزخرف. النقش على ظهر الكرسي يحمل تاريخ “559 هـ” (1164 م)، مما يؤكد أصالته.

يرمز المنبر إلى السلطة الدينية والسياسية، ويعكس تقوى نور الدين وتفانيه في الجهاد. وقد تم تصنيعه على يد حرفيين من مدرسة حلب، المعروفة بمهارتها في النحت الخشبي. يُعتبر المنبر من أقدم الأمثلة على الحرفية الإسلامية في سوريا، وهو شاهد على الإبداع الفني في تلك الفترة.

الترميم والحالة الحالية

تعرض الجامع النوري لأضرار جسيمة خلال أحداث عام 1982 في حماة، والتي كانت جزءًا من نزاع أوسع في المدينة. على عكس الجامع الكبير في حماة، الذي دُمر بالكامل تقريبًا، لم يكن الضرر الذي لحق بالجامع النوري شديدًا نسبيًا. قامت الحكومة السورية لاحقًا بترميم الجامع بعناية، حيث تم إعادة بناء الأجزاء المتضررة مع الحفاظ على الطابع المعماري الأصلي. بحلول عام 2001، اكتمل الترميم، وأصبح الجامع مفتوحًا للعبادة والزوار.

اليوم، يظل الجامع النوري رمزًا للصمود الثقافي في حماة. يقع في حي الباشورة، بالقرب من معالم سياحية أخرى مثل قلعة حماة ومتحف التقاليد الشعبية، مما يجعله جزءًا من تجربة سياحية شاملة.

الخاتمة

يُعد الجامع النوري في حماة شاهدًا حيًا على التاريخ الغني للمدينة ومثالًا بارزًا على العمارة الإسلامية في العصر الزنكي. من خلال تصميمه المعماري الفريد، واستخدامه للمواد المحلية والرومانية المعادة، والقطع الأثرية مثل المنبر الخشبي، يحافظ الجامع على تراثه المادي الذي يروي قصة الحضارات التي مرت على حماة. إن زيارة الجامع النوري ليست مجرد استكشاف لمعلم ديني، بل هي رحلة عبر الزمن تكشف عن الإبداع الفني والروحي للعصر الزنكي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى