مدينة سلمية في ريف حماة الشرقي: تاريخ عريق وتحديات معاصرة

محتوى المقالة
مقدمة: لمحة عامة عن مدينة سلمية ومكانتها الإستراتيجية والتاريخية
تُعد مدينة سـلمية إحدى المدن السورية العريقة ذات التاريخ الغني والموقع الإستراتيجي، وتقع تحديداً في ريف حماة الشرقي أو الجنوبي الشرقي في وسط سوريا. غالبًا ما يُشار إلى مدينة سـلمية بلقب “أم القاهرة” نظراً لأهميتها المحورية في تاريخ الدولة الفاطمية، حيث كانت مهد الإمام المهدي بالله ومقر دعوته السرية قبل تأسيس القاهرة. هذه التسمية تعكس عمق ارتباط مدينة سلمية بنشأة واحدة من أبرز الدول الإسلامية في التاريخ، مما يمنحها مكانة فريدة تتجاوز حدودها الجغرافية.
تتميز مدينة سلمية بكونها مركزاً ثقافياً وفكرياً بارزاً، وتُعرف محلياً بـ”مدينة الفقر والفكر” نظراً لوجود عدد كبير من الأدباء والسياسيين فيها. هذا التوصيف يبرز تناقضاً لافتاً؛ فبينما تعاني مدينة سـلمية من ظروف اقتصادية صعبة، كما سيتم تفصيله لاحقاً، فإنها تحتضن في الوقت ذاته روحاً فكرية وثقافية متجذرة. هذا التناقض يشير إلى مرونة فكرية وثقافية استثنائية تستمر على الرغم من المصاعب المادية الجسيمة. إنها دلالة على أن رأس المال البشري والتقاليد الفكرية في مدينة سلمية تظل قوية، مما قد يمهد الطريق للتعافي المستقبلي إذا ما تحسنت الظروف الاقتصادية. كما يسلط الضوء على التأثير العميق للأزمة السورية الأوسع على المراكز الحضرية الغنية ثقافياً.
تمثل مدينة سلمية أيضاً أكبر تجمع سكاني للطائفة الإسماعيلية في العالم العربي ، مما يضفي عليها بعداً دينياً واجتماعياً خاصاً. تستعرض هذه المقالة الجوانب المتعددة التي تشكل هوية مدينة سـلمية، من موقعها الجغرافي وتاريخها العريق، إلى تركيبتها السكانية وثقافتها، مروراً بوضعها الاقتصادي الراهن، وصولاً إلى أبرز معالمها والتحديات التي تواجهها.
الموقع الجغرافي والأهمية الإستراتيجية لمدينة سـلمية
تتبع مدينة سلمية إدارياً لمحافظة حماة، وهي مركز منطقة السلمية. تقع مدينة سـلمية على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً إلى الشرق من مدينة حماة ، وتحديداً 33 كيلومتراً جنوب شرق حماة. ترتفع مدينة سلمية عن سطح البحر حوالي 475 متراً ، مما يمنحها مناخاً مميزاً. إحداثياتها الجغرافية هي 35°0′42.48″N 37°3′9″E أو 35.0071°N 37.0515°E.
كانت مدينة سـلمية في الماضي ملتقى طرق تجارية هامة تربط البصرة وبابل والرصافة بدمشق، وأخرى تربط حلب والسفيرة والأندرين بها. هذا الموقع جعل من مدينة سلمية بوابة للبادية السورية ونقطة اتصال حيوية بين المناطق الداخلية والساحل. هذا التميز الجغرافي يؤكد الأهمية الاستراتيجية المستمرة لـمدينة سـلمية عبر آلاف السنين. إنها تقع عند نقطة محورية بطبيعتها، سواء للتجارة، أو لنشر الأفكار الدينية، أو للسيطرة العسكرية. هذا ما يفسر تعرض مدينة سلمية للتدمير وإعادة البناء بشكل متكرر عبر تاريخها الطويل، حيث كانت دائماً هدفاً للقوى المختلفة.
في العصر الحديث، احتفظ موقع مدينة سـلمية بأهميته الاستراتيجية، حيث أصبحت نقطة محورية في الصراعات الأخيرة. يحيط النظام السوري مدينة سلمية بخط دفاعي عسكري حصين يمتد لمسافة 40 كيلومتراً، مدعوماً بالسواتر الترابية والألغام والخنادق. كما تعتبر مدينة سـلمية منطقة تحييد في بعض الأحيان، وذلك لاعتبارات تتعلق بطبيعة تركيبتها السكانية، في محاولة لمنع إثارة النعرات الدينية واستغلال ورقة الأقليات. هذا يؤكد أن موقع مدينة سلمية لا يزال حاسماً في ديناميكيات المنطقة، مما يجعلها نقطة اهتمام دائمة للقوى المتصارعة.
جذور مدينة سـلمية التاريخية العريقة
تُعتبر مدينة سلمية مدينة قديمة جداً، حيث سكن ريفها إنسان العصر الحجري القديم. كانت مدينة سـلمية عامرة في العهود السومرية (3000-2400 ق.م)، الأمورية (2400-2000 ق.م)، والآرامية. وقد خضعت مدينة سلمية للحكم الآشوري ودُمرت لأول مرة على يد الآشوريين عام 720 ق.م.
ازدهرت مدينة سـلمية في العهد اليوناني السلوقي، وتألقت في العهدين الروماني والبيزنطي. أطلق اليونانيون والرومان عليها اسم “سالمياس” تخليداً لانتصاراتهم في معركة سالاميس عام 480 ق.م. في العهد البيزنطي، كانت مدينة سلمية مركزاً مسيحياً بأسقفيتها الخاصة، وتشير النقوش إلى بناء كنيسة مخصصة لـ “ثيوتوكوس” عام 604 م. دُمرت مدينة سـلمية مرة أخرى خلال الغزو الفارسي لسوريا عام 637 م على يد القائد كسرى إبراويز.
بعد الفتح الإسلامي عام 636 م، أصبحت مدينة سلمية جزءاً من جند حمص. أعاد العباسيون إعمار مدينة سـلمية في عام 754 م على يد عبد الله بن صالح بن علي العباسي، وتحولت إلى مركز تجاري مهم، حيث قام ابنه محمد بتحويلها إلى مركز تجاري مزدهر في أوائل القرن التاسع الميلادي.
في القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي)، أصبحت مدينة سلمية المقر السري للدعوة الإسماعيلية قبل الفاطمية، وموطناً لأئمة الإسماعيليين، منهم الوفي أحمد والتقي محمد ورضي الدين عبد الله ومحمد عبد الله المهدي. من مدينة سـلمية انطلق الإمام المهدي بالله لتأسيس الدولة الفاطمية في شمال إفريقية عام 909 م، مما أكسب مدينة سلمية لقب “أم القاهرة”. تشير بعض المصادر إلى أن ذكر مدينة سـلمية في المصادر العامة كان نادراً، وذلك لأن الإسماعيليين أخفوا أنشطتهم لتجنب اضطهاد الخلافة العباسية. هذا الجانب من تاريخها يشير إلى أن الأهمية التاريخية الحقيقية لـمدينة سلمية كمهد للخلافة الفاطمية ومركز للدعوة الإسماعيلية كانت مخفية عمداً لقرون، مما يضيف طبقة من الغموض ويؤكد الطبيعة السرية للحركة الإسماعيلية المبكرة.
تعرضت مدينة سـلمية للتدمير على يد القرامطة عام 903 م، الذين ذبحوا سكانها ودمروا قصر الإمام عبد الله، لكن الإمام المهدي كان قد غادر مدينة سلمية قبل ذلك بعام. بعد تدميرها على يد القرامطة، ثم المغول عام 1260 م والتتار عام 1401 م ، ظلت مدينة سـلمية مهجورة أو ذات استيطان ريفي محدود حتى القرن التاسع عشر. في عام 1849، حصل أمير القادوس الإسماعيلي إسماعيل بن محمد على إذن من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لإعادة إعمار مدينة سلمية وتوطين الإسماعيليين فيها.
شهدت مدينة سـلمية هجرات إسماعيلية كبرى حتى عام 1919. هذا النمط المتكرر من الدمار وإعادة الإعمار يبرز مرونة استثنائية متأصلة في هوية مدينة سلمية. إن موقعها الاستراتيجي والجذور العميقة لمجتمعاتها، وخاصة الطائفة الإسماعيلية، قد وفرت دافعاً مستمراً لإحيائها حتى بعد الكوارث الكبرى.
النسيج السكاني والثقافي في مدينة سـلمية
تُظهر التقديرات السكانية لـ مدينة سلمية بعض التباين، مما يعكس الظروف المتغيرة في المنطقة. يبلغ عدد سكان مدينة سـلمية نحو 200 ألف نسمة حسب تقديرات عام 2009. وقد تضاعف هذا الرقم بعد عودة النازحين من محافظتي دمشق وحلب إليها جراء المعارك. بينما تشير سجلات الأحوال المدنية لعام 2003 إلى حوالي 95 ألف نسمة ، ويذكر تعداد عام 2004 أن منطقة السلمية (المنطقة الإدارية الأوسع) بلغ تعداد سكانها 187,123 نسمة. في عام 2015، قدرت الإحصائيات عدد سكان مدينة سلمية بحوالي 94,887 نسمة.
هذا التباين في الأرقام يعكس بشكل مباشر عدم الاستقرار والنزوح الناجم عن الصراع السوري. تضاعف عدد السكان بسبب النازحين يسلط الضوء على دور مدينة سـلمية كملجأ نسبي، على الرغم من التحديات التي تواجهها هي نفسها. الأرقام الأقل في سنوات أخرى قد تشير إلى هجرة لاحقة أو صعوبة الحصول على بيانات دقيقة خلال النزاع، مما يدل على أن الواقع الديموغرافي لـ مدينة سلمية يتسم بالسيولة الشديدة ويتأثر بديناميكيات الصراع الإقليمي.
جدول 1: التعداد السكاني لمدينة سـلمية عبر السنوات
السنة | التعداد السكاني (التقدير) |
2003 | 95,000 |
2004 | 187,123 (منطقة السلمية) |
2009 | 200,000 |
بعد المعارك (تقديري) | تضاعف الرقم (أكثر من 200,000) |
2015 | 94,887 (مدينة السلمية) |
تُعد مدينة سلمية موطناً لتنوع ديني واجتماعي وثقافي، حيث يعيش الإسماعيليون (يشكلون 65% من السكان ، وتعتبر مدينة سـلمية أكبر مركز لهم )، إلى جانب السنة والاثنا عشرية والمسيحيين والعلويين. يُعرف سكان مدينة سلمية بتوافقهم وتآلفهم، حيث يذيب “الهم السلموني” تلك الخلافات المغرضة التي قد تنشأ في بلد متعدد الطوائف.
هذا التناغم الاجتماعي في مدينة سـلمية يمثل عاملاً وقائياً مهماً ضد الانقسامات الطائفية التي عانت منها مناطق أخرى في سوريا. هذا التآلف الداخلي، الذي تغذيه الهوية المشتركة وربما التجربة التاريخية للطائفة الإسماعيلية التي واجهت الاضطهاد، كان عاملاً حاسماً في قدرة مدينة سلمية على الصمود أمام الضغوط الخارجية وتجنب الصراع الداخلي الواسع، مما يجعلها حالة فريدة من نوعها في سياق المرونة السورية.
تشتهر مدينة سـلمية بكثرة الأدباء والسياسيين فيها ، ويُعرف سكانها بحبهم للأدب، خاصة الشعر، وللفكر والفلسفة العربية والإسلامية. هذه السمة الفكرية تمنح مدينة سلمية هوية ثقافية عميقة.
فيما يخص نظام التعليم، يوجد في مدينة سـلمية عدد كبير من المدارس لمختلف المراحل التعليمية. تضم مدينة سلمية أقدم مدرسة زراعية ثانوية في سوريا، تأسست عام 1909، وكانت تستقبل الطلاب من مختلف المناطق العربية. كما تضم كلية الزراعة والهندسة المعمارية ، ومركزاً للتعليم الافتراضي. نظام التعليم في سوريا، والذي ينطبق على مدينة سـلمية، ينقسم إلى تعليم أساسي (إجباري ومجاني) وتعليم ثانوي (غير إجباري ومجاني) يشمل فروعاً عامة ومهنية وشرعية.
أما على صعيد الرعاية الصحية، فمن أبرز مرافقها مركز الآغا خان الطبي الجديد (AKMC-S) الذي بدأ بتقديم خدمات الرعاية النهارية في عام 2022، مع تركيز كبير على الخدمات التكميلية للأمراض غير المعدية. كما استقبلت مدينة سلمية أعداداً كبيرة من النازحين خلال الحرب، ونشطت فيها فرق التطوع والجمعيات الخيرية ومشاريع الدعم النفسي والمادي للمتضررين من الحرب. هذا الدور الإنساني يعكس روح التكافل في مدينة سـلمية.
الاقتصاد وسبل العيش في مدينة سـلمية
يعتمد اقتصاد مدينة سلمية وريفها بشكل كبير على الزراعة وتربية الحيوانات. تعتمد الزراعة في مدينة سـلمية بشكل كبير على مياه الأمطار، وتشمل المحاصيل الرئيسية القمح والشعير والعدس والبازلاء والكمون. تُزرع البصل والقطن والخضروات المختلفة في الأراضي المروية التي لا تتجاوز 10% من إجمالي الأراضي. تشتهر مدينة سلمية أيضاً بكروم العنب البعلية، بالإضافة إلى أشجار اللوز والمشمش والتفاح، ومؤخراً الزيتون. كما تشهد مدينة سـلمية حملات لزراعة الأشجار والورود بهدف زيادة التماسك الاجتماعي وتحسين البيئة، مثل حملات التشجير في كلية الزراعة والهندسة المعمارية.
في مجال الثروة الحيوانية، تنتشر تربية الأغنام (105 آلاف رأس)، والماعز والأبقار في مدينة سلمية وريفها والبادية المحيطة، بالإضافة إلى انتشار مزارع الدواجن. هذه الأنشطة الزراعية والحيوانية تشكل العمود الفقري لاقتصاد مدينة سـلمية.
تلعب التجارة دوراً مهماً في اقتصاد مدينة سلمية، حيث تُعد سوقاً تجارية مهمة لمنتجات البادية والريف، وتنافس سوق مدينة حماة. ومع ذلك، شهدت مدينة سـلمية حركة بيع كبيرة للعقارات والسيارات بأسعار زهيدة في سبيل تأمين لقمة العيش أو تكلفة السفر لأحد الشبان هرباً من الوضع المعيشي والخدمة الإلزامية. هذا يشير إلى ضغوط اقتصادية شديدة تدفع السكان لاتخاذ قرارات صعبة.
تشمل الصناعات في مدينة سلمية الصناعات التراثية واليدوية. من الصناعات المملوكة للدولة مصنع تجفيف البصل والخضروات، محلج القطن، مصنع السجاد، ومطحنة الحبوب. أما الصناعات الخاصة فتشمل معاصر الزيتون، ومصانع الألبسة والتريكو، وصناعة الأجبان المنتشرة على نطاق واسع في المدينة والريف. كما شهدت مدينة سـلمية مبادرات مجتمعية لصنع المعقمات والمنظفات بدعم من الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية.
على الرغم من هذه الأنشطة، يواجه سكان مدينة سلمية وضعاً اقتصادياً “كارثياً” ، إذ يعانون من ركود وفقر مدقع نتيجة لانقطاع الأجور وعدم كفاية رواتب المتقاعدين لتغطية حتى ثمن الأدوية. القدرة الشرائية ضعيفة جداً بسبب غياب مصادر دخل أخرى، وارتفعت أسعار الخبز ووسائل النقل بشكل كبير. هذا التدهور الاقتصادي يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة اليومية في مدينة سـلمية.
إن اعتماد المدينة الكبير على الرواتب الوظيفية والمعاشات التقاعدية، والتي أصبحت غير كافية، يؤدي إلى ضعف شديد في القوة الشرائية، مما يجبر السكان على بيع ممتلكاتهم لتلبية الاحتياجات الأساسية أو حتى للبحث عن فرص أفضل خارج مدينة سلمية. هذا الوضع يرسم صورة قاتمة للحياة اليومية، حيث تؤدي الضائقة الاقتصادية إلى تآكل النسيج الاجتماعي وتجبر السكان على خيارات صعبة، بما في ذلك النزوح الداخلي أو الهجرة، مما يؤثر بدوره على الموارد البشرية للمدينة وتنميتها المستقبلية. كما تعاني مدينة سـلمية من إهمال البنية التحتية وضعف أداء الدوائر الحكومية ، مما يزيد من معاناة السكان.
المعالم الأثرية والسياحية في مدينة سـلمية
تزخر مدينة سلمية بالعديد من المعالم الأثرية والتاريخية التي تشهد على عمقها الحضاري. من أبرز هذه المعالم قلعة شميميس، التي تقع على بعد حوالي 5 كيلومترات شمال غرب مدينة سـلمية و30 كيلومتراً جنوب شرق حماة. بُنيت القلعة على قمة جبل بركاني من قبل الأسرة الشميسجرامية العربية في القرن الأول قبل الميلاد. تعرضت القلعة للتدمير وإعادة البناء عدة مرات على مر العصور، بما في ذلك على يد الفرس عام 613 م، والمغول عام 1260 م، والتتار عام 1401 م.
تشتهر مدينة سلمية أيضاً بقنواتها المائية القديمة المعروفة بالقنوات الرومانية، ويُقدر عددها بنحو 300 قناة تنتشر بين مدينة سـلمية وريفها الممتد من قرية الكافات غرباً إلى قرية الشيخ هلال شرقاً. كانت هذه القنوات تستخدم لري الأراضي، مما يدل على براعة هندسية قديمة في مدينة سلمية.
يوجد في مركز مدينة سـلمية حمام أثري ذو عمارة فريدة، يُرجح أنه يعود إلى العصر الأيوبي، ويقع بالقرب من خزان بيزنطي جوفي كبير يُقال إنه يؤدي إلى قلعة شميميس. يُعتبر حمام مدينة سلمية من أكمل الحمامات الأثرية في بلاد الشام.
المسجد ذو السبعة محاريب يُعد معبداً قديماً للإله زيوس في العصر الهلنستي، ثم تحول إلى معبد للإله جوبيتر في العصر الروماني، قبل أن يُعاد تشييده كمسجد في العصر الفاطمي على يد الإمام العزيز بالله، ثم الإمام المستنصر بالله. كما يوجد في الجهة الشمالية من مدينة سـلمية مزار الخضر، الذي كان ديراً مسيحياً وتحول إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي.
جدول 2: أبرز المعالم الأثرية والتاريخية في مدينة سـلمية
المعلم | الوصف والأهمية | الفترة التاريخية الرئيسية |
قلعة شميميس | قلعة تاريخية على قمة جبل بركاني، بُنيت من قبل أسرة شميميسغرام العربية، تعرضت للتدمير وإعادة البناء عدة مرات. | القرن الأول ق.م – العصر الأيوبي والمملوكي |
القنوات الرومانية | شبكة واسعة من القنوات المائية القديمة (حوالي 300 قناة) لري الأراضي. | العصر الروماني |
الحمام الأثري | حمام ذو عمارة فريدة، يُعد من أكمل الحمامات الأثرية في بلاد الشام. | العصر الروماني – الأيوبي |
المسجد ذو السبعة محاريب | معبد يوناني وروماني سابق، تحول إلى مسجد، ويضم ضريح أئمة إسماعيليين. | العصر الهلنستي – الروماني – الفاطمي |
مزار الخضر | دير مسيحي قديم تحول إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي. | العصر البيزنطي – الإسلامي |
على الرغم من التحديات الراهنة، فإن مدينة سـلمية بمعالمها التاريخية والأثرية الغنية لديها إمكانات سياحية كبيرة، خاصة في سياحة التراث الثقافي والديني. هذه المعالم تعكس طبقات متعددة من الحضارات التي مرت على مدينة سلمية، مما يجعلها وجهة محتملة للباحثين عن التاريخ والجمال المعماري.
الوضع الراهن والتحديات التي تواجه مدينة سـلمية
شهدت مدينة سلمية مؤخراً تطورات سياسية وأمنية مهمة، حيث دخلت فصائل “إدارة العمليات العسكرية” إليها بشكل سلمي ودون اشتباكات، وذلك عقب انسحاب الجيش السوري. تُعتبر مدينة سـلمية مركزاً ثقافياً ودينياً مهماً، ومعظم سكانها من الطائفة الإسماعيلية. هناك جهود لتحييد مدينة سلمية لاعتبارات تتعلق بتركيبتها السكانية المتنوعة، في محاولة لمنع إثارة النعرات الدينية واستغلالها من قبل النظام.
على الرغم من هذه التطورات، لا تزال هناك مخاوف أمنية مستمرة في مدينة سـلمية، مثل وجود “الشبيحة” الذين لا يزالون موجودين داخل المدينة ويستخدمون خطاباً طائفياً لزرع الفتنة، مما يثير قلقاً مستمراً لدى السكان. كما تشهد المنطقة حوادث انفجار ألغام أرضية من مخلفات الحرب، مما يتسبب في سقوط ضحايا وجرحى، وهي مشكلة متكررة تهدد الصحة العامة. هذا يشير إلى أن إرث الصراع، حتى بعد تراجع حدته، لا يزال يلقي بظلاله على حياة سكان مدينة سلمية وسلامتهم.
تواجه مدينة سلمية أيضاً أزمة بيئية مستمرة بسبب تراكم النفايات في شوارعها ونقص آليات جمع القمامة والكوادر اللازمة لذلك. هذا الوضع يتفاقم نتيجة للصعوبات التي تواجه الشركة المسؤولة عن جمع القمامة، حيث خرجت العديد من آلياتها عن الخدمة. كما أن البنية التحتية في مدينة سـلمية ضعيفة وتعاني من الإهمال طويل الأمد.
تسببت الكوارث الطبيعية، مثل الهزات الأرضية المتكررة، في أضرار كبيرة بالمباني الخاصة في مدينة سلمية وريفها، مما استدعى تقييم الأضرار والاستعداد لهزات مستقبلية. هذه التحديات المتعددة، من مخلفات الحرب إلى الكوارث الطبيعية، تزيد من صعوبة جهود إعادة الإعمار والتعافي في مدينة سـلمية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والبنية التحتية المهملة.
في ظل غياب الدولة المركزية الفعالة، توسع دور المجلس الإسماعيلي في مدينة سلمية ليشمل مهام المجلس المحلي التقليدية، بما في ذلك الخدمات والأمن والشؤون القانونية. هذا المجلس، على الرغم من اسمه، لا يقتصر على طائفة واحدة، بل يمثل أيضاً الأقليات والنازحين. كما تشكلت مجالس محلية في ريف مدينة سـلمية، بعضها في بلدات ذات أغلبية سنية وأخرى في بلدات علوية.
تلعب هذه المجالس دوراً مركزياً في حل النزاعات بين المجتمعات في الريف الشرقي لـ مدينة سلمية. هذا التحول نحو نموذج حكم هجين في مدينة سـلمية، حيث تملأ الهياكل المجتمعية التقليدية والمجالس المحلية المنتخبة الفراغ الذي خلفته الدولة المركزية الضعيفة، يبرز قدرة السكان المحليين على تنظيم أنفسهم وإدارة شؤونهم اليومية والحفاظ على السلم الأهلي في مدينة سلمية.
خاتمة: تلخيص لأهمية مدينة سلمية التاريخية والحضارية، وآفاق مستقبلها
تُعد مدينة سلمية نموذجاً فريداً للمدن السورية التي تجمع بين العمق التاريخي، الأهمية الدينية (خاصة للإسماعيليين)، والتنوع الثقافي. لقد كانت مدينة سلمية مهد الدعوات الكبرى وملتقى الحضارات، وشهدت ازدهاراً وتدميراً متكرراً على مر العصور، لكنها كانت دائماً تعود للحياة، مما يؤكد مرونتها الاستثنائية.
على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهها مدينة سلمية اليوم، من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تؤثر على سبل العيش وتجبر السكان على بيع ممتلكاتهم، إلى مخلفات الحرب والكوارث الطبيعية التي تهدد سلامتهم وبنيتهم التحتية، فإن تاريخها يزخر بالقدرة على الصمود وإعادة البناء. النسيج الاجتماعي المتآلف في مدينة سلمية، حيث تتعايش الطوائف المختلفة بتناغم، ودور مجالسها المحلية الفاعل في سد الفراغ الحكومي، وشغف أهلها بالفكر والأدب، يمثل نقاط قوة يمكن البناء عليها لمستقبل أفضل.
يتطلب تحقيق هذا المستقبل دعماً كبيراً لإعادة تأهيل البنية التحتية، وتحسين الظروف المعيشية من خلال توفير فرص عمل ومصادر دخل مستدامة، وضمان الأمن من خلال إزالة مخلفات الحرب ومعالجة التوترات المتبقية. من خلال هذه الجهود، يمكن لـ مدينة سلمية أن تستعيد مكانتها كمركز إشعاع ثقافي وحضاري في سوريا، وتواصل دورها التاريخي كمدينة للسلام والفكر والتعايش.