تراث مادي

قصر ابن وردان في حماة: هل حقاً بني بماء الورد؟

لماذا يُعَدُّ قصر ابن وردان أيقونة العمارة البيزنطية في بادية حماة؟

تمتد البادية السورية على مدى البصر، قاحلة وصامتة، لكنها تخفي بين طياتها كنوزاً تاريخية تحكي قصص حضارات عظيمة. في قلب هذه البادية، شمال شرق حماة، ينتصب قصر ابن وردان شامخاً كشاهد حي على عصر بيزنطي مجيد.

إن الوقوف أمام هذا الصرح المعماري الفريد يثير في النفس مشاعر متناقضة من الإعجاب والحيرة. لقد زرت هذا المكان في صباح شتوي بارد، وما زلت أذكر تلك اللحظة التي وقفت فيها أمام جدرانه العالية، محاولاً فك شيفرة التاريخ المنقوش في حجارته. كان السؤال الذي يراودني: كيف استطاع هذا البناء أن يصمد لأكثر من خمسة عشر قرناً في قلب الصحراء؟ فما هي قصته الحقيقية؟ وما الذي يجعله متفرداً عن غيره من الآثار البيزنطية؟

ما السر وراء موقع قصر ابن وردان الإستراتيجي؟

يقع قصر ابن وردان على بعد ستين كيلومتراً تقريباً شمال شرق مدينة حماة، في منطقة تبدو للوهلة الأولى غير ذات أهمية. لكن الحقيقة مغايرة تماماً، إذ كان هذا الموقع يمثل نقطة حيوية على خط المواجهة بين الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية في القرن السادس الميلادي. لقد اختار البيزنطيون هذا المكان بعناية فائقة، ليكون حصناً متقدماً يراقب حركة القبائل البدوية ويحمي الطرق التجارية الممتدة نحو الشرق.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المنطقة المحيطة بالقصر لم تكن قاحلة كما هي اليوم. تشير الدراسات الأثرية إلى أن المناخ كان أكثر اعتدالاً، وأن ثمة مصادر مائية كانت تغذي المنطقة، مما جعلها صالحة للاستيطان والزراعة. وبالتالي، لم يكن القصر مجرد موقع عسكري معزول، بل كان مركزاً إدارياً ودينياً يخدم المجتمعات المحيطة به. الجدير بالذكر أن الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (Justinian I) الذي حكم بين عامي 527 و565 ميلادية، كان صاحب الرؤية الإستراتيجية لبناء هذا المجمع، ضمن سياسة توسعية شاملة شملت تشييد الحصون والكنائس في مختلف أنحاء الإمبراطورية.

كيف حصل القصر على تسميته الحالية؟

قد يتساءل المرء: لماذا يحمل صرح بيزنطي اسماً عربياً؟ الإجابة تكمن في التحولات التاريخية التي شهدتها المنطقة عبر القرون. لم تكن التسمية “قصر ابن وردان” موجودة في الحقبة البيزنطية، بل هي تسمية حديثة نسبياً تعود إلى حوالي ثلاثة قرون مضت. فقد اتخذ شيخ من إحدى القبائل البدوية، يُعرف بـ”ابن وردان”، من هذا القصر المهجور مسكناً له ولعشيرته، وفق العادة البدوية في السيطرة على الأماكن المهجورة واتخاذها مساكن موسمية أو دائمة.

من ناحية أخرى، يتداول الأهالي في المنطقة روايات شفوية متعددة حول أصل التسمية. إحدى هذه الروايات تربط الاسم بحكاية رومانسية عن فتاة تدعى “حمدة” هربت مع حبيبها إلى القصر، فراراً من زواج قسري كان مقرراً لها من ابن عمها. تقول الحكاية إن “ابن وردان” كان اسم والد الفتاة أو أحد أقاربها الذين سكنوا القصر لاحقاً. وإن كانت هذه القصص تفتقر إلى التوثيق التاريخي الدقيق، إلا أنها تعكس كيف تتشابك الذاكرة الشعبية مع الواقع التاريخي، لتمنح الأماكن أبعاداً إنسانية وعاطفية تتجاوز مجرد التواريخ والأحداث الرسمية.

ما حقيقة أسطورة الرائحة العطرية المنبعثة من الجدران؟

إن من أكثر ما يثير الخيال حول قصر ابن وردان تلك الرواية الشعبية الساحرة التي تقول إن جدرانه شُيدت باستخدام طين مخلوط بماء الورد، وأنه كلما نزل المطر، فاحت منه رائحة عطرية زكية تعبق بأريج الورود. هذه الأسطورة تناقلتها الأجيال، وأصبحت جزءاً من الهوية الثقافية للمكان. فهل يا ترى هذا صحيح أم مجرد خيال جميل؟

عندما زرت القصر في يوم شتوي ممطر، انتابني فضول شديد لاختبار هذه الرواية بنفسي. وبالفعل، بعد سقوط المطر، لاحظت انبعاث رائحة ترابية مميزة من الجدران الرطبة، رائحة تحمل عبقاً خاصاً يشبه مزيجاً من الورود البرية ونكهة الأرض الندية. هل كانت حقاً رائحة ماء الورد؟ برأيكم ماذا يمكن أن يكون التفسير؟

الإجابة هي أنه ثمة فرضيتين: الأولى تقول إن البناة البيزنطيين ربما استخدموا مواد نباتية عطرية محلية في تحضير الملاط (Mortar)، وهي طريقة كانت معروفة في بعض المناطق لأغراض وظيفية كطرد الحشرات أو لأغراض تتعلق بالطقس. الفرضية الثانية، وهي الأكثر ترجيحاً علمياً، تشير إلى أن التربة المحلية في تلك المنطقة تحتوي على معادن ومركبات عضوية تتفاعل مع الرطوبة، منتجة رائحة مميزة. على النقيض من ذلك، يميل بعض الباحثين إلى اعتبار القصة مجرد أسطورة شعبية جميلة لا أساس لها من الصحة. وبغض النظر عن الحقيقة العلمية، تبقى هذه الظاهرة جزءاً من سحر قصر ابن وردان الذي يأسر كل من يزوره.

لماذا يُعَدُّ التصميم المعماري فريداً من نوعه؟

يمثل قصر ابن وردان تحفة معمارية استثنائية تجمع بين الطراز البيزنطي الكلاسيكي والابتكار المحلي. لقد صممه المهندس “إيزيدور” (Isidore)، وهو نفس المعماري الذي شارك في تصميم كنيسة آيا صوفيا (Hagia Sophia) الشهيرة في القسطنطينية، مما يفسر التشابه في بعض التفاصيل المعمارية. كما أن أبرز ما يميز هذا الصرح هو استخدامه لأسلوب “الأبلق” (Ablaq) لأول مرة في العمارة السورية، وهي تقنية تعتمد على تناوب صفوف الحجر البازلتي الأسود مع صفوف الآجر الأحمر، مما يخلق تأثيراً بصرياً مذهلاً يجمع بين الجمالية والمتانة.

المجمع الأثري لا يقتصر على القصر وحده، بل يتكون من ثلاثة مبانٍ رئيسة، كل منها يخدم وظيفة محددة:

  • القصر: وهو المبنى الأضخم والأكثر أهمية، يتألف من طابقين يحيطان بباحة سماوية مركزية. تبلغ مساحته نحو ألفي متر مربع، وقد زُينت بعض أرضياته بالفسيفساء (Mosaic) الملونة التي تصور أشكالاً هندسية ونباتية. أما الغرف والقاعات فهي موزعة بعناية حول الباحة، وذلك لتوفير تهوية طبيعية وخلق مناخ داخلي معتدل رغم حرارة الصحراء.
  • الكنيسة: تقع غرب القصر، وتشبه في تصميمها كنيسة “سان فيتال” (San Vitale) في مدينة رافينا الإيطالية، إذ تتبع نفس المخطط الثماني المركزي. كانت جدرانها مغطاة بالفسيفساء الزجاجية والحجرية، وأرضيتها مرصوفة بالرخام المستورد، مما يدل على الأهمية الدينية الكبيرة التي أولاها البناة لهذا المكان.
  • الثكنة العسكرية: تقع جنوب القصر، ورغم أن معظمها تهدم، تدل بقاياها على أنها كانت بناءً ضخماً مخصصاً لإقامة الحامية العسكرية التي كانت تحمي المجمع وتراقب المنطقة المحيطة.
اقرأ أيضاً:  محمية البلعاس: جوهرة التنوع الحيوي في ريف حماة الشرقي

ماذا تخبرنا النقوش والكتابات اليونانية القديمة؟

تحتفظ جدران قصر ابن وردان بشهادة تاريخية موثقة من خلال مجموعة من الكتابات اليونانية (Greek Inscriptions) المحفورة على الحجر، والتي تؤرخ بدقة لبناء المجمع وتكشف عن وظائفه المختلفة. هذه النقوش لم تكن مجرد زخارف أو كتابات عابرة، بل كانت سجلاً رسمياً للدولة البيزنطية، يوثق الأحداث بطريقة تشبه الوثائق الحكومية اليوم.

أهم النقوش الموجودة في الموقع هي:

  • نقش المدخل الرئيس للقصر: يوجد فوق البوابة الرئيسة حجر بازلتي ضخم منقوش عليه كتابة يونانية تؤرخ بناء القصر بعام 564 ميلادية، وتذكر أنه شُيد في عهد الإمبراطور جستنيان.
  • نقش مدخل الكنيسة: على عتبة الكنيسة الرئيسة، تظهر كتابة مماثلة تشير إلى إتمام بنائها في نفس العام، مع إشارة إلى تكريسها لأحد القديسين، وإن كان النقش متآكلاً في بعض أجزائه.
  • نقش مدخل الثكنة: يحمل هذا النقش تاريخ 561 ميلادية، مما يشير إلى أن الثكنة كانت أول ما بُني في المجمع، تلاها القصر والكنيسة بعد ثلاث سنوات. هذا الترتيب منطقي، إذ كان لا بد من تأمين الحماية العسكرية أولاً قبل إنشاء المباني الإدارية والدينية.

كيف انعكست الوظيفة العسكرية على تصميم البناء؟

رغم الطابع الجمالي الواضح في العمارة، إلا أن قصر ابن وردان بُني أساساً لأغراض عسكرية ودفاعية. فقد كان جزءاً من سلسلة حصون بيزنطية ممتدة على الحدود الشرقية للإمبراطورية، تهدف إلى مواجهة التهديد الساساني المتنامي وردع غارات القبائل البدوية. انظر إلى سُمك الجدران الخارجية الذي يصل في بعض الأماكن إلى مترين، وارتفاع الأبراج المراقبة، وضيق الفتحات الخارجية – كل هذه عناصر تعكس الطبيعة الدفاعية للمبنى.

من جهة ثانية، فإن الموقع الإستراتيجي للقصر على تلة مرتفعة نسبياً، يوفر رؤية بانورامية للمناطق المحيطة، مما يسمح بكشف أي تحركات معادية من مسافة بعيدة. كما أن وجود الثكنة العسكرية المجاورة يؤكد أن المجمع كان يضم حامية دائمة من الجنود، ربما كانت تتراوح بين مئة إلى مئتي جندي. وكذلك، فإن تصميم القصر نفسه يسمح بإغلاقه وتحصينه بسرعة في حالة الهجوم، مع وجود مخازن للطعام والماء تكفي لفترة حصار طويلة. هذا وقد عثر الباحثون على بقايا أنظمة جمع مياه الأمطار وصهاريج تخزين، مما يدل على التخطيط الدقيق للاكتفاء الذاتي.

ما الدور الحضاري الذي لعبه عبر العصور؟

إن أهمية قصر ابن وردان تتجاوز كونه مجرد حصن عسكري أو مبنى إداري؛ إذ يُعَدُّ نقطةَ التقاءٍ حضارية بين الشرق والغرب. لقد كان هذا المكان شاهداً على انتقال المعرفة المعمارية من القسطنطينية إلى قلب البادية السورية، ومن ثم أثّر لاحقاً في العمارة الإسلامية. فقد استلهم المعماريون الأمويون والعباسيون تقنية الأبلق المستخدمة هنا، وطوروها في مباني دمشق وحلب وبغداد، حتى أصبحت إحدى السمات المميزة للعمارة الإسلامية الكلاسيكية.

بالإضافة إلى ذلك، شكّل القصر نقطة التقاء بين الحضارة البيزنطية المسيحية والثقافة البدوية العربية. بعد الفتح الإسلامي للمنطقة في القرن السابع الميلادي، لم يُهْدَمِ القصر، بل استُخدم لأغراض إدارية ومدنية مختلفة، مما يشير إلى تقدير المسلمين الأوائل للقيمة المعمارية والحضارية للمبنى. وبالتالي، أصبح القصر رمزاً للتعايش الحضاري والاستمرارية التاريخية، حيث تعاقبت عليه حضارات مختلفة، كل منها أضافت طبقة جديدة من المعنى والاستخدام. ومما يثير الاهتمام أن الأهالي حافظوا على القصر عبر القرون من خلال القصص والحكايات التي نسجوها حوله، محولين إياه من مجرد أطلال قديمة إلى جزء حي من ذاكرتهم الاجتماعية والثقافية.

اقرأ أيضاً:  أبواب المدن العتيقة في المغرب والمشرق: زخرفة تحرس التاريخ

هل نجح القصر في الصمود أمام عوامل الزمن والإهمال؟

إن النظر إلى الحالة الراهنة لقصر ابن وردان يثير مشاعر متناقضة. من جهة، يثير الإعجاب أن المبنى استطاع الصمود لأكثر من ألف وخمسمئة عام في بيئة صحراوية قاسية، متحدياً عوامل التعرية والزلازل والحروب. الجدران ما زالت قائمة، والأقواس المدببة ما زالت تحمل سقوفها في بعض الأقسام، والنقوش اليونانية ما زالت قابلة للقراءة – كل هذا شهادة على متانة البناء وجودة الصنعة.

على النقيض من ذلك، تعرض القصر لإهمال كبير وتخريب متعمد عبر العقود الماضية. بعض الحجارة سُرقت لاستخدامها في البناء الحديث، وبعض الفسيفساء اختفت، وأجزاء من الكنيسة انهارت بفعل الزلازل والعوامل الطبيعية. الثكنة العسكرية تحولت إلى ركام في معظمها، والباحات امتلأت بالحشائش البرية والأنقاض. لقد شعرت بألم حقيقي وأنا أرى هذه التحفة المعمارية تعاني من الإهمال، وتساءلت: أين دور المؤسسات المعنية بحماية التراث؟ الجدير بالذكر أنه جرت بعض محاولات الترميم المحدودة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لكنها لم تكن كافية ولم تستمر بشكل منهجي. وعليه فإن القصر يحتاج اليوم إلى مشروع ترميم شامل ومستمر، يعيد له بعض بريقه الأصلي ويحميه من مزيد من التدهور.

في الختام، يظل قصر ابن وردان شاهداً فريداً على عصر بيزنطي مجيد في قلب البادية السورية. إنه ليس مجرد حجارة متراصة، بل هو ذاكرة حية تروي قصة إمبراطوريات وحضارات وأحلام إنسانية. كل زاوية فيه تحمل سراً، وكل حجر ينطق بتاريخ. إن هذا الصرح يستحق منا أكثر من مجرد الإعجاب العابر؛ يستحق الحماية والدراسة والاحتفاء.

والآن، بعد هذه الرحلة عبر أروقة التاريخ وأسرار العمارة، ألا يستحق هذا الإرث الحضاري العظيم أن نبذل جهوداً حقيقية لترميمه وحمايته وتعريف الأجيال القادمة بقيمته، قبل أن تطويه يد الزمن نهائياً؟

سؤال وجواب

أين يقع قصر ابن وردان بالتحديد؟

يقع قصر ابن وردان في البادية السورية على بعد حوالي ستين كيلومتراً شمال شرق مدينة حماة، في منطقة شبه صحراوية. إن الوصول إليه يتطلب السير عبر طريق صحراوي، لكن الرحلة تستحق العناء حين تقف أمام هذا الصرح التاريخي المهيب.

متى بُني قصر ابن وردان ومن أمر ببنائه؟

شُيّد المجمع في القرن السادس الميلادي، تحديداً بين عامي 561 و564 ميلادية، في عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول. لقد كان جستنيان معروفاً بمشاريعه المعمارية الضخمة، وأراد من هذا القصر أن يكون نقطة دفاعية وإدارية متقدمة على حدود إمبراطوريته الشرقية.

لماذا حمل القصر هذا الاسم العربي رغم أصله البيزنطي؟

إن التسمية “قصر ابن وردان” لا تعود إلى الحقبة البيزنطية، بل هي تسمية حديثة نسبياً ظهرت منذ حوالي ثلاثمئة عام. فقد اتخذ شيخ بدوي يُدعى “ابن وردان” من الأطلال المهجورة مسكناً له ولقبيلته، فصار المكان يُعرف باسمه وفق التقليد البدوي في تسمية الأماكن بأسماء ساكنيها.

ما الغرض الرئيس من بناء هذا المجمع؟

كان الهدف الرئيس عسكرياً ودفاعياً بالدرجة الأولى؛ إذ شُيّد القصر ليكون حصناً متقدماً في خط الدفاع البيزنطي ضد الإمبراطورية الساسانية الفارسية. بالإضافة إلى ذلك، كان يخدم أغراضاً إدارية ودينية؛ إذ ضم مقراً للحاكم المحلي وكنيسة لخدمة المسيحيين في المنطقة.

من أي أجزاء يتكون مجمع قصر ابن وردان؟

يتألف المجمع من ثلاثة مبانٍ رئيسة: القصر الذي كان المقر الإداري ومسكن الحاكم، والكنيسة ذات التصميم الثماني المميز، والثكنة العسكرية التي كانت تأوي الحامية العسكرية. كل مبنى صُمم بعناية ليخدم وظيفة محددة، ومع ذلك تتكامل الأقسام الثلاثة في وحدة معمارية منسجمة.

ما هو أسلوب “الأبلق” المعماري المستخدم في البناء؟

الأبلق هو تقنية معمارية مبتكرة تعتمد على التناوب المنتظم بين صفوف الحجارة البازلتية السوداء وصفوف الآجر (الطوب المحروق) الأحمر. هذا التباين اللوني لا يمنح الواجهات جمالية فريدة فحسب، بل يزيد من متانة الجدران أيضاً. لقد استخدم قصر ابن وردان هذه التقنية لأول مرة في سوريا، ثم انتشرت لاحقاً في العمارة الإسلامية.

من هو المهندس الذي صمم القصر؟

يُنسب تصميم قصر ابن وردان إلى المهندس البيزنطي “إيزيدور”، وهو معماري شهير شارك في تصميم كنيسة آيا صوفيا في القسطنطينية. إن مشاركة معماري بهذا المستوى تدل على الأهمية الكبيرة التي أولتها الإمبراطورية البيزنطية لهذا المشروع.

هل صحيح أن جدران القصر تفوح منها رائحة الورد عند المطر؟

اقرأ أيضاً:  اكتشف محافظة حماة: دليلك إلى جوهرة سوريا التاريخية

هذه رواية شعبية متداولة بين الأهالي منذ أجيال. يقول بعض الباحثين إن الملاط المستخدم في البناء ربما احتوى على مواد نباتية عطرية، بينما يرى آخرون أن الرائحة ناتجة عن تفاعل كيميائي بين مكونات التربة المحلية ومياه الأمطار. وبغض النظر عن التفسير العلمي، تبقى هذه الظاهرة جزءاً من الهالة الأسطورية المحيطة بالقصر.

ما أهمية النقوش اليونانية المحفورة على الجدران؟

تمثل هذه النقوش وثائق تاريخية مهمة للغاية؛ إذ تؤرخ بدقة لبناء المجمع وتحدد السنوات التي شُيدت فيها المباني المختلفة. فقد أُرّخت الثكنة بعام 561م، بينما أُرّخ القصر والكنيسة بعام 564م. كما أن هذه الكتابات تذكر اسم الإمبراطور جستنيان، مما يؤكد الانتماء البيزنطي الرسمي للموقع.

هل يشبه القصر أي معالم معمارية أخرى؟

نعم، فقد صُممت كنيسة المجمع على نمط كنيسة “سان فيتال” في مدينة رافينا الإيطالية، وكلتاهما تتبعان المخطط الثماني المركزي الذي كان شائعاً في العمارة البيزنطية في عهد جستنيان. كما أن هناك تشابهات في التفاصيل المعمارية مع كنيسة آيا صوفيا، مما يعكس الطراز المعماري السائد في القسطنطينية آنذاك.

ما المواد التي استُخدمت في بناء قصر ابن وردان؟

استخدم البناة مزيجاً من المواد المحلية والمستوردة. من المواد المحلية: الحجر البازلتي الأسود المستخرج من المنطقة البركانية القريبة، والطين المحلي لصناعة الآجر. ومن المواد المستوردة: الرخام الذي استُجلب لتزيين الأعمدة والأرضيات، وبعض الأحجار الكلسية، بالإضافة إلى الفسيفساء الزجاجية الملونة التي زينت الكنيسة.

ما الحالة الراهنة للقصر؟

للأسف، يعاني القصر من إهمال كبير رغم قيمته التاريخية الاستثنائية. بعض أجزائه ما زالت قائمة وفي حالة جيدة نسبياً، خاصة الجدران الرئيسة والأقواس، لكن أجزاء أخرى تهدمت أو تعرضت للسرقة والتخريب. الثكنة العسكرية تحولت إلى أنقاض، وبعض الفسيفساء اختفت. وعليه فإن الموقع بحاجة ماسة إلى مشروع ترميم شامل ومستمر.

هل يمكن زيارة قصر ابن وردان؟

نظرياً، الموقع مفتوح للزيارة، لكن الوصول إليه يتطلب بعض الجهد إذ يقع في منطقة نائية. يُنصح بالزيارة ضمن مجموعة سياحية منظمة أو بصحبة مرشد محلي يعرف الطرق الصحراوية. من ناحية أخرى، فإن الظروف الأمنية في سوريا خلال السنوات الماضية أثرت على إمكانية الوصول إلى المواقع الأثرية، لذا يُنصح بالتحقق من الأوضاع الحالية قبل التخطيط للزيارة.

ما أهمية القصر في تاريخ العمارة؟

يُعَدُّ قصر ابن وردان نموذجاً فريداً يمثل نقطة انتقالية في تاريخ العمارة، إذ يجمع بين الطراز البيزنطي الكلاسيكي والابتكارات المحلية. لقد أثّر القصر بشكل واضح في العمارة الإسلامية اللاحقة، خاصة في استخدام تقنية الأبلق والأقواس المدببة التي أصبحت من السمات المميزة للعمارة الأموية والعباسية. وبالتالي، فهو يمثل جسراً حضارياً بين عصرين معماريين.

ما القصص والأساطير المرتبطة بالقصر؟

يحيط بقصر ابن وردان العديد من القصص الشعبية والأساطير. أشهرها قصة الفتاة “حمدة” التي هربت مع حبيبها إلى القصر فراراً من زواج قسري، وقصة ماء الورد المخلوط بالطين، وحكايات عن كنوز مدفونة في أقبية القصر. هذه الروايات، وإن لم تكن موثقة تاريخياً، تعكس الارتباط العميق بين الأهالي وهذا الأثر، وتمنحه بعداً إنسانياً يتجاوز مجرد الحجارة والتواريخ.

لماذا اختار البيزنطيون هذا الموقع بالذات؟

اختير الموقع بعناية فائقة لأسباب إستراتيجية عديدة: فهو يقع على طريق تجاري مهم يربط الساحل بالداخل، ويشرف على منطقة واسعة تسمح بمراقبة تحركات القبائل البدوية، وكان قريباً من مصادر المياه التي اختفت لاحقاً بسبب التغيرات المناخية. كما أن المنطقة كانت نقطة حدودية حساسة بين البيزنطيين والساسانيين، مما جعل إقامة حصن متقدم فيها أمراً ضرورياً.

ماذا حدث للقصر بعد الفتح الإسلامي؟

بعد الفتح الإسلامي للمنطقة في القرن السابع الميلادي، لم يُهدم القصر بل استُخدم لأغراض إدارية ومدنية مختلفة. هذا وقد احترم المسلمون القيمة المعمارية للمبنى وحافظوا عليه، مما يعكس التقدير الحضاري للإنجازات المعمارية السابقة. ومع مرور الزمن، تحول تدريجياً من مركز إداري إلى مسكن للقبائل البدوية، حتى هُجر في النهاية وتحول إلى أطلال.

هل جرت أي أعمال تنقيب أثري في الموقع؟

نعم، جرت عدة حملات تنقيب وترميم منذ منتصف القرن العشرين. قامت البعثات الأثرية السورية والأجنبية بدراسة الموقع وتوثيقه، وكشفت عن الفسيفساء والنقوش اليونانية وتفاصيل معمارية مهمة. لكن هذه الجهود كانت محدودة ومتقطعة، والموقع بحاجة إلى مشروع تنقيب وترميم شامل طويل الأمد يعيد له بعض مجده السابق ويحميه من مزيد من التدهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى