أماكن

سوق برهان: نبض حماة التاريخي في قلب الحاضر الكبير

يقف سوق برهان في مدينة حماة، ليس مجرد سوق تجاري، بل سجلٌ حيٌّ لتاريخ المدينة العريق وروحها التجارية النابضة. إنه معلم أثري قديم، يقع في قلب حي الحاضر الكبير ذي الأهمية الاستراتيجية، ويشهد على قرون من التبادل التجاري والتفاعل الاجتماعي والحياة اليومية التي شكلت نسيج المدينة. إن بقاء هذا السوق لأكثر من مئتي عام، واستمراره كمركز تجاري صاخب حتى يومنا هذا، يعكس قدرة استثنائية على الصمود والتكيف عبر مختلف العصور والظروف. هذه الاستمرارية تؤكد دوره المحوري كركيزة ثقافية واجتماعية أساسية، تجسد جوهر الهوية الحموية وتاريخها المتواصل.  

1. الجذور التاريخية والروعة المعمارية

نشأة سوق برهان

يُعد سوق برهان من الأسواق الأثرية القديمة التي يتجاوز عمرها المئتي عام. يعود اسمه إلى محمد برهان، نجل بانيه الأفندي علي بن عبد الرزاق الكيلاني، الذي قام بتسمية السوق تيمناً بولده. ومع ذلك، تكتنف نشأة الخان المجاور، وبالتالي السوق، بعض الغموض التاريخي الذي يضيف إليه عمقاً وشيئاً من الغموض الأكاديمي. فبينما تُشير روايات إلى أن علي الكيلاني هو باني السوق، يُوجد نقش حجري على باب خان برهان يُفيد بأن ملكية الخان تعود لبرهان الجيلاني، وأن إنشاءه تم عام 1298 هـ الموافق 1876 م. كما تُطرح أقوال أخرى تُرجح أن من قام بالبناء هو علي كيلاني (والد برهان) أو حتى الأتراك. هذه التباينات التاريخية تُبرز تعقيدات توثيق التراث وتُثري السرد حول هذا المعلم العريق.  

السمات المعمارية

يتميز السوق بتصميم معماري فريد يضم بوابة شمالية وأخرى جنوبية، وكان يُغطى بسقف جميل. وقد خضع السوق لمشروع ترميم شامل بين مايو 2006 ومارس 2007، أضفى عليه لمسة جمالية حديثة مع الحفاظ على طابعه التاريخي الأصيل. شمل الترميم إضافة سقف معدني نصف دائري بارتفاع مناسب، مما عزز من جاذبيته الجمالية وضمن تهوية جيدة. كما تم تجديد البنية التحتية للسوق بالكامل، بما في ذلك استبدال شبكات الصرف الصحي والكهرباء، ورصف الأرضية والأرصفة بحجارة البازلت السوداء المميزة، وإعادة ترميم الواجهات الحجرية باستخدام ذات الحجارة الأصلية التي بُني بها قديماً.  

العلاقة التكافلية مع خان برهان وجامع الأفندي

يرتبط سوق برهان ارتباطاً وثيقاً بمحيطه، حيث يقع بجوار خان برهان مباشرة. يُعد هذا الخان أحد أشهر الخانات الأثرية في حماة، ويُشكل جزءاً من مجموعة مُذهلة تضم حوالي 30 خاناً تاريخياً في المدينة. يتألف الخان من ساحة سماوية واسعة بطول 24 متراً وعرض 14 متراً، تُحيط بها الدكاكين المختلفة. وعلى شرق هذا الخان، يقع جامع الأفندي، الذي سُمّي تيمناً بمؤسس السوق والخان.  

إن هذا الترابط المكاني والتاريخي بين السوق والخان والجامع يُشير بقوة إلى أنها لم تكن مجرد كيانات منفصلة، بل صُممت ووُضعت كمركب تجاري واجتماعي متكامل. هذا التخطيط الحضري الاستراتيجي، الذي كان شائعاً في المراكز التجارية التاريخية، يضمن كفاءة تدفق التجارة، وتوفير المأوى للتجار والمسافرين، وتقديم الخدمات الروحية، مما يُشكل نظاماً بيئياً متكاملاً وداعماً للحياة الاقتصادية والاجتماعية. وقد عززت أعمال الترميم التي شملت كلاً من السوق والخان في آن واحد، طبيعتهما غير المنفصلة وأهميتهما التراثية المشتركة.  

يوضح الجدول التالي أبرز السمات التاريخية والمعمارية لسوق برهان وخان برهان، مؤكداً تكاملهما:

السمة / المعلمسوق برهانخان برهان
الموقعحي الحاضر الكبير، حماةحي الحاضر الكبير، حماة (بجانب سوق برهان)
العمر / تاريخ الإنشاءيتجاوز 200 عام1298 هـ / 1876 م (وفق نقش حجري)، أو أقدم (وفق روايات أخرى)
الباني / المُسمّيالأفندي علي بن عبد الرزاق الكيلاني (سُمّي باسم ابنه محمد برهان)برهان الجيلاني / علي كيلاني / الأتراك (توجد أقوال مختلفة)
العناصر المعمارية الرئيسيةبوابة شمالية وجنوبية، سقف جميل (أصلي)، سقف معدني نصف دائري جديد، أرضية بازلتية، واجهات حجرية مرممة.ساحة سماوية (24م × 14م)، دكاكين مُحيطة، رواق خشبي، جامع الأفندي.
المنشآت المرتبطةخان برهان، جامع الأفنديسوق برهان، جامع الأفندي
تاريخ الترميم الرئيسيمايو 2006 – مارس 2007مايو 2006 – مارس 2007

2. الحاضر الكبير: المحور التجاري والثقافي

الأهمية الاستراتيجية والسياق الجغرافي

يقع حي الحاضر في الوسط الشمالي لمدينة حماة، ويُعتبر من أهم أحيائها نظراً لموقعه الاستراتيجي. تحده إدلب شمالاً، وساحة العاصي جنوباً، والمنطقة الصناعية شرقاً، وقلعة حماة غرباً. وتعود تسمية الحي بالكامل إلى “سوق الحاضر الكبير” الذي يتوسطه، والذي يُعد أول المنشآت في المنطقة قبل أن تتسع دائرة الأحياء السكنية حوله. إن تسمية الحي بأكمله على اسم سوقه يُشير إلى الدور التأسيسي والمحوري الذي لعبه السوق في تنمية المنطقة وتوسعها. كما أن حدوده الجغرافية الاستراتيجية، التي تربطه بالمناطق الزراعية والمراكز الحضرية والمناطق الصناعية والمعالم التاريخية، تؤكد دوره كمركز التقاء طبيعي لمختلف طرق التجارة، مما يجعله واجهة حيوية لمختلف الأنشطة الاقتصادية وبوابة إقليمية مهمة.  

الحاضر كمركز تجاري نابض بالحياة

يُعد حي الحاضر مركزاً تجارياً مزدهراً ونابضاً بالحياة، يجذب الزوار من القرى والبلدات المحيطة بحماة، وحتى من مختلف المحافظات الأخرى، سواء للتسوق أو لبيع منتجاتهم. ويتميز الحي بوفرة منتجاته وانخفاض أسعارها في كثير من الأحيان، مما يجعله مقصداً مفضلاً لسكان مدينة حماة نفسها الباحثين عن الجودة والقيمة.  

الأسواق المتنوعة ضمن الحاضر

إلى جانب سوق برهان، يضم حي الحاضر أسواقاً أخرى مهمة ومتخصصة تُسهم في ديناميكيته التجارية:

  • سوق الغنم: يُعتبر هذا السوق المحطة الرئيسية للبدو لتسويق منتجاتهم الحيوانية وبيع مواشيهم، ويُمثل الواجهة الأولى لريف حماة الشمالي.  
  • سوق الخميس: يُقام هذا السوق بشكل حصري يوم الخميس، من شروق الشمس حتى الظهيرة، ويُقدم مجموعة واسعة من السلع تشمل الخضراوات والفواكه الطازجة، والأدوات المنزلية، ومنتجات أخرى متنوعة.   إن وجود هذه الأسواق المتخصصة والمتنوعة ضمن حي واحد، جنباً إلى جنب مع النشاط التجاري العام لسوق برهان، يُشير إلى نظام بيئي تجاري مُنظم ومتنوع للغاية. هذا المستوى من التخصص يُعزز كفاءة تدفق التجارة من خلال تلبية احتياجات المستهلكين المختلفة (مثل الضروريات اليومية مقابل السلع المتخصصة أو الموسمية) وأنواع المنتجين المتنوعة (مثل المنتجات الزراعية مقابل الثروة الحيوانية). وقد ساهم هذا التنوع في العروض وتقسيم العمل بشكل كبير في الحيوية الاقتصادية الشاملة لحي الحاضر، ورسخ سمعته كمركز تجاري إقليمي قوي.  

الصناعات البارزة والحرف التقليدية

يُعرف حي الحاضر بمجموعته المتنوعة من المنتجات الغذائية، بما في ذلك الألبان والأجبان ومشتقاتها، فضلاً عن الأقمشة والعديد من الصناعات والحرف اليدوية. ويشتهر الحي بشكل خاص ببعض الأطعمة المميزة مثل السمنة الحموية “العربية” ذات الشهرة الواسعة، و”القريشة”، والجبن المصنوع من حليب الأغنام. ومن أبرز الصناعات في الحاضر صناعة المواد الغذائية والحلويات، وخاصة حلاوة الجبن الحموية، و”القشة”، و”الشعيبيات” بأنواعها المختلفة المصنوعة من الحليب والقشطة. كما تُعرف المنطقة بصناعة “الطراطير”، وهي مركبات ذات دفع ثلاثي تسير على ثلاث عجلات، وتُوصف محلياً باسم “سيارة الموت” نظراً لخطورتها.  

3. نسيج من الحرف والسلع

المهن والحرف التقليدية داخل سوق برهان

لطالما كان سوق برهان مركزاً لمجموعة واسعة من المهن والحرف التقليدية. تضم دكاكينه حرفيين وتجاراً ماهرين، بمن فيهم متخصصون في الخياطة العربية والأفرنجية، وبائعو الأقمشة، وتجار الأحذية، والبزورية (بائعو البذور والتوابل)، والصاغة (صناع وتجار الذهب والمجوهرات)، وغيرهم الكثير.

إن هذا التنوع الواضح في المهن المعروضة، من الضروريات اليومية مثل الملابس والأحذية إلى السلع المتخصصة كالتوابل والكماليات كالمجوهرات، يُشير إلى أن السوق كان يعمل تاريخياً كمركز تجاري شامل. هذا الطيف الواسع من السلع والخدمات كان يلبي احتياجات متنوعة لشرائح مختلفة من المجتمع، مما رسخ دوره كوجهة تسوق مركزية ولا غنى عنها للسكان المحليين. كما أن ذكر “الخياطة العربية والأفرنجية” يُبرز قدرة السوق على التكيف مع الأذواق المتغيرة ومزج التأثيرات التقليدية بالحديثة، مما يُظهر طبيعته الديناميكية التي تتجاوز مجرد كونه موقعاً تاريخياً ثابتاً.  

التنوع في السلع

على الرغم من أن المصادر المتوفرة لا تُقدم قوائم تفصيلية للسلع المتداولة حصرياً داخل سوق برهان، إلا أن موقعه المتكامل ضمن حي الحاضر الكبير يُتيح استنتاجاً قوياً بأن العديد من المنتجات التي يشتهر بها الحي كانت متوفرة أيضاً في دكاكين السوق. ويُعتقد أن هذه السلع تشمل منتجات الألبان والأجبان المتنوعة، والسمنة الحموية الشهيرة، والقريشة، وحلاوة الجبن، والقشة، والشعيبيات، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الأقمشة، والحرف اليدوية التقليدية.  

دور السوق كحلقة وصل حيوية

يُشكل سوق برهان، كجزء لا يتجزأ من حي الحاضر الأكبر، حلقة وصل اقتصادية واجتماعية حيوية بين سكان حماة الحضرين والمجتمعات الريفية والبدوية المحيطة. يزور سكان الريف والبادية حي الحاضر بانتظام لبيع منتجاتهم الزراعية والحيوانية. وفي المقابل، ينجذب مواطنون من مختلف المحافظات الأخرى إلى المنطقة خصيصاً لشراء المنتجات الحيوانية المحلية الفريدة، وأبرزها السمنة الحموية “العربية” ذات القيمة العالية والجبن المصنوع من حليب الأغنام. إن هذا التدفق ثنائي الاتجاه للسلع والأشخاص، حيث يجلب المنتجون الريفيون والبدويون بضائعهم للبيع، ويأتي الزوار الحضريون ومن خارج المحافظة لشراء التخصصات الإقليمية، يُثبت دور سوق برهان (وحي الحاضر) كعقدة رئيسية في سلسلة التوريد الإقليمية.

تُسهم هذه الآلية التجارية المباشرة في تحقيق توازن اقتصادي، وتُوفر فرص الوصول إلى السوق للمجتمعات الريفية، وتُحافظ على الممارسات الزراعية التقليدية. علاوة على ذلك، يُعزز هذا التفاعل المستمر بين مختلف شرائح السكان التماسك الاجتماعي، مما يجعل السوق مكاناً للتبادل الثقافي بقدر ما هو مركز للتجارة.  

4. صون التراث: رحلة الترميم

تفاصيل جهود الترميم الهامة

شهد سوق برهان وخانه المجاور أعمال ترميم شاملة ودقيقة على مدى فترة مركزة بين مايو 2006 ومارس 2007. جاء هذا المشروع الكبير ضمن جهود أوسع لترميم المواقع الأثرية والتاريخية في مدينة حماة، والتي قادتها مبادرات تعاونية بين لجنة حماية المدينة القديمة في مجلس مدينة حماة ومديرية آثار حماة.  

تأثير الترميم

كان مشروع الترميم واسع النطاق، وركز على تحديثات البنية التحتية الحيوية. شمل ذلك الاستبدال الكامل لشبكات الصرف الصحي والكهرباء القديمة، لضمان وظائف عصرية. كما تم رصف الأرضية والأرصفة بدقة بحجارة البازلت السوداء المميزة، مما عزز من المتانة والجاذبية الجمالية. ومن الإضافات البارزة للسوق سقف معدني نصف دائري جديد، صُمم بارتفاع جيد، لم يوفر حماية محسنة فحسب، بل عزز أيضاً من سحر السوق البصري وضمن تهوية كافية. أما بالنسبة لخان برهان، فقد تم تجديد رواقه الخشبي التقليدي بعناية، مما أضفى عليه لمسة جمالية تراثية أصيلة. والأهم من ذلك، تم ترميم الواجهات الحجرية للسوق بدقة باستخدام نفس الحجارة الأصلية التي بُني بها قديماً، مما ضمن الأصالة التاريخية والسلامة الهيكلية.  

إن الطبيعة التفصيلية لهذا الترميم، التي لم تقتصر على الإصلاحات السطحية بل امتدت إلى تحديثات البنية التحتية الأساسية (الصرف الصحي، الكهرباء، الرصف)، وإضافة سقف جديد مع تهوية، والترميم الدقيق للواجهات الحجرية الأصلية، تُشير إلى جهد شامل يتجاوز مجرد الحفاظ على المظهر. هذا الاستثمار العميق يُظهر التزاماً استراتيجياً بضمان استمرارية السوق الوظيفية وسلامته الهيكلية على المدى الطويل، مع الحفاظ في الوقت نفسه على طابعه التاريخي والجمالي الذي لا يُقدر بثمن. هذا النهج الاستباقي والشامل للحفاظ على التراث يُعكس إدراكاً عميقاً لقيمة سوق برهان، ليس فقط كقطعة أثرية تُعجب، بل كجزء حيوي وديناميكي وعامل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة للمدينة، ومُعد لخدمة الأجيال القادمة.  

5. الصدى الاقتصادي والاجتماعي

المساهمة الاقتصادية الدائمة لسوق برهان

بصفته عنصراً أساسياً وفاعلاً في حي الحاضر، الذي يعمل كمركز تجاري وصناعي محوري داخل حماة ، يُسهم سوق برهان بشكل كبير في اقتصاد المدينة. وتتحقق هذه المساهمة من خلال أنشطته التجارية المتنوعة والبيع الحيوي لمجموعة واسعة من المنتجات المحلية. يعمل السوق كنظام بيئي حيوي يدعم العديد من المهن التقليدية، بما في ذلك الخياطة وصناعة المجوهرات وتجارة التوابل. وبذلك، يلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على الحرف التقليدية وتوفير سبل عيش مستدامة للعديد من العائلات. كما أن وظيفته الراسخة كسوق رئيسي للمنتجات الريفية والبدوية تُدمج بفعالية مختلف القطاعات الاقتصادية ضمن الاقتصاد الإقليمي الأوسع، مما يُعزز التجارة بين المجتمعات وتوزيع الموارد.  

على الرغم من أن المعلومات المتوفرة لا تُقدم بيانات اقتصادية كمية محددة (مثل أرقام الإيرادات أو المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي) تُعزى مباشرة إلى سوق برهان، إلا أن اندماجه العميق في النسيج التجاري الصاخب لحي الحاضر ودوره الراسخ في ربط الاقتصادات الحضرية والريفية يُشير بقوة إلى مساهمة اقتصادية كبيرة، وإن كانت غير رسمية في بعض الأحيان. تُشير الأدلة النوعية إلى سوق نابض بالحياة ضمن منطقة تجارية رئيسية يعمل كمركز تجاري إقليمي، وهو ما يُعززه وجود أسواق متخصصة متعددة مثل سوق الغنم وسوق الخميس. هذا الدليل المتراكم، بالإضافة إلى طول عمر السوق التاريخي، يُشير إلى أن سوق برهان يعمل كمُيسّر حاسم للإنتاج والاستهلاك المحلي، مما يُعزز اقتصاداً محلياً مرناً ومُكتفياً ذاتياً إلى حد كبير.  

الدور الاجتماعي والهوية الثقافية

يُعرف حي الحاضر، وبالتالي سوق برهان، بالكرم العميق وحسن الضيافة لسكانها. غالباً ما يُعبر زوار المنطقة عن شعورهم بالانتماء، وكأنهم في بيتهم، وهو ما يُعد شهادة على طبيعة المجتمع المحلي المرحبة. يُعد الحي أيضاً وصياً على التراث الثقافي الغني لمدينة حماة، ويشتهر بأطباقه التقليدية، مثل “السختورة” المميزة (طبق دسم يضم رأس خروف مسلوق وكرشة مقطعة ومحشوة بالأرز تُقدم فوق المنسف الحموي). علاوة على ذلك، تُعد الأزياء التقليدية، بما في ذلك “الجلابية” و”الشاروخ” (حذاء معروف في حماة) و”الكوفية” (بدون عقال) للرجال، والفساتين الطويلة مع السراويل الضيقة وأغطية الرأس البيضاء للنساء، متجذرة بعمق في تاريخها وتُعتبر الآن جزءاً عزيزاً من تراثها الدائم.  

إلى جانب وظائفه التجارية، يعمل سوق برهان وحي الحاضر الأوسع كحراس حاسمين للهوية الثقافية المتميزة لحماة والتماسك الاجتماعي. تُعلي الأوصاف التفصيلية للعادات المحلية، والمأكولات التقليدية، والأزياء الفريدة من شأن حي الحاضر من مجرد منطقة تجارية إلى مشهد ثقافي نابض بالحياة. غالباً ما تُعبر هذه العناصر الثقافية عن نفسها بأكثر الطرق وضوحاً وديناميكية في الأماكن العامة مثل الأسواق التقليدية، حيث تتجلى الحياة اليومية. لذلك، يعمل سوق برهان ليس فقط كمكان للمعاملات الاقتصادية، بل كمركز مجتمعي حيوي حيث تُمارس المعايير الثقافية بنشاط، وتُحتفل بها، وتُورث عبر الأجيال. هذا يُعزز هوية محلية قوية ومتميزة، مما يجعل السوق ركيزة اجتماعية وثقافية عميقة للمدينة.  

6. التحديات وآفاق المستقبل

سياق التحديات للأسواق التقليدية في حماة

على الرغم من أن التحديات المحددة التي يواجهها سوق برهان بشكل منفرد ليست مفصلة بشكل صريح في المواد المتوفرة، إلا أنه من الضروري فهم أن الظروف الاقتصادية العامة السائدة في حماة تُؤثر بشكل كبير على جميع أسواقها، بما في ذلك الأسواق التقليدية مثل سوق برهان. تشمل هذه التحديات الشاملة ارتفاع الأسعار المتفشي، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين بشكل حاد، والنقص المستمر في السيولة النقدية في السوق. وقد أدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى دعوات عامة لمقاطعة بعض المحلات التجارية في حماة بسبب تصاعد الأسعار. وفي استجابة لهذا المشهد الاقتصادي المتدهور، تُشارك محافظة حماة بنشاط في جهود لضبط الأسواق، ومكافحة الممارسات الاحتكارية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة لمواطنيها.

إن هذه الظروف الاقتصادية الكلية تُؤثر بشكل مباشر وشديد على سوق برهان؛ فبينما أظهر السوق تاريخياً مرونة ملحوظة، قد تُهدد هذه الضغوط الاقتصادية المنهجية قاعدته العملاء، وتُقلل من ربحية تجاره، وتُعرض استمراريته الثقافية والاقتصادية على المدى الطويل للخطر. وتُشير جهود الحكومة الواسعة، وإن لم تكن موجهة حصراً لسوق برهان، إلى إقرارها بوجود هذه القضايا النظامية المنتشرة.  

من الجدير بالذكر أن الإشارة إلى “سوق برهان” في بعض المصادر تتعلق بسوق في السودان تُباع فيه بضائع منهوبة، وهذا لا صلة له بسوق برهان في حماة بسوريا، ويجب استبعاده تماماً لتجنب أي التباس.  

إمكانات التطوير المستقبلي أو التكيف

يُعد مشروع الترميم الناجح والشامل لسوق برهان، الذي اكتمل بين عامي 2006 و2007، مؤشراً قوياً على الالتزام المستمر بالحفاظ على البنية التحتية المادية للسوق وقيمته التاريخية العميقة. يُشكل هذا الاستثمار الكبير في الماضي أساساً حاسماً لأي مساعي تطوير مستقبلية محتملة. وبينما لا تُفصل المواد المتوفرة مشاريع تطوير مستقبلية محددة لسوق برهان تتجاوز هذا الترميم السابق، فإن التركيز الحكومي الأوسع على تحسين البيئة الاستثمارية بشكل عام وتحفيز الاقتصاد في حماة يمكن أن يُوفر إطاراً داعماً للأسواق التقليدية بشكل غير مباشر.  

إن حيوية سوق برهان وأهميته في المستقبل لن تعتمد فقط على استمرار الصيانة المادية، بل ستعتمد بشكل حاسم على قدرته على التكيف استراتيجياً مع الواقع الاقتصادي المتغير وسلوكيات المستهلكين المتطورة (مثل المنافسة المحتملة من أشكال التجزئة الحديثة، وصعود التجارة الإلكترونية، والأزمة الاقتصادية المستمرة). يجب أن تُوازن أي استراتيجية تطوير أو حفظ مستقبلية ناجحة بعناية بين ضرورة الحفاظ على الأصالة التاريخية والحاجة العملية لضمان الجدوى التجارية، مما يضمن بقاء السوق كياناً حيوياً وديناميكياً بدلاً من مجرد قطعة متحفية ثابتة.  

خاتمة

يُعد سوق برهان إرثاً عميقاً وشهادة حية على تاريخ حماة الغني، وجمالها المعماري الفريد، وروحها التجارية والثقافية النابضة. إنه يتجاوز كونه مجرد سوق؛ فهو مركز مجتمعي عزيز، وحافظ مخلص للتقاليد التي لا تُقدر بثمن، وحلقة وصل حيوية وديناميكية في الاقتصاد الإقليمي.

إن استمرار وجود هذا الكنز التاريخي يتطلب جهوداً مستمرة ومدروسة لدعمه وتكييفه استراتيجياً. يجب أن تُركز هذه الجهود على تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على تراثه الأصيل والتصدي للواقع الاقتصادي المعاصر. فمن خلال الاستثمار في صموده وقدرته على التكيف، يمكن ضمان بقاء سوق برهان مركزاً حيوياً ومزدهراً للأجيال القادمة، يروي قصص الماضي ويُشكل جزءاً لا يتجزأ من حاضر ومستقبل حماة.

الأسئلة الشائعة

1. ما هو سوق برهان وأين يقع؟

سوق برهان ليس مجرد سوق تجاري عادي، بل هو معلم أثري وتاريخي يقع في قلب حي الحاضر الكبير بمدينة حماة في سوريا. يعكس هذا السوق العريق تاريخ المدينة الغني وروحها التجارية النابضة، ويُعد سجلاً حيًا لقرون من التبادل التجاري والتفاعل الاجتماعي الذي شكّل نسيج المدينة.


2. ما هو أصل اسم “سوق برهان” ومن بناه؟

يُعد سوق برهان من الأسواق القديمة التي يعود عمرها لأكثر من 200 عام. يعود اسمه إلى محمد برهان، نجل بانيه الأفندي علي بن عبد الرزاق الكيلاني. ومع ذلك، تكتنف نشأة السوق والخان المجاور له بعض الغموض التاريخي. فبينما تُشير روايات إلى أن علي الكيلاني هو باني السوق، يُوجد نقش حجري على باب خان برهان يُفيد بأن ملكية الخان تعود لبرهان الجيلاني، وأن إنشاءه تم عام 1298 هـ (الموافق 1876 م). كما تُطرح أقوال أخرى تُرجح أن من قام بالبناء هو علي كيلاني (والد برهان) أو حتى الأتراك، مما يُبرز تعقيدات توثيق التراث التاريخي.


3. ما هي السمات المعمارية المميزة لسوق برهان، وهل خضع للترميم؟

يتميز سوق برهان بتصميم معماري فريد يضم بوابة شمالية وأخرى جنوبية. كان السوق يُغطى في الأصل بسقف جميل. نعم، خضع السوق لمشروع ترميم شامل بين مايو 2006 ومارس 2007. شمل الترميم إضافة سقف معدني نصف دائري بارتفاع مناسب لتحسين الجاذبية الجمالية والتهوية، وتجديد البنية التحتية بالكامل بما في ذلك شبكات الصرف الصحي والكهرباء، ورصف الأرضية والأرصفة بحجارة البازلت السوداء المميزة، وإعادة ترميم الواجهات الحجرية باستخدام ذات الحجارة الأصلية. هذا الترميم لم يحافظ على طابعه التاريخي الأصيل فحسب، بل أضفى عليه لمسة جمالية حديثة.


4. ما العلاقة بين سوق برهان وخان برهان وجامع الأفندي؟

يرتبط سوق برهان ارتباطًا وثيقًا بمحيطه، حيث يقع بجوار خان برهان مباشرة. يُعد هذا الخان أحد أشهر الخانات الأثرية في حماة. وعلى شرق هذا الخان، يقع جامع الأفندي، الذي سُمّي تيمناً بمؤسس السوق والخان. هذا الترابط المكاني والتاريخي يُشير بقوة إلى أنها لم تكن مجرد كيانات منفصلة، بل صُممت ووُضعت كمركب تجاري واجتماعي متكامل. هذا التخطيط الحضري الاستراتيجي يضمن كفاءة تدفق التجارة وتوفير الخدمات، مما يُشكل نظاماً بيئياً متكاملاً وداعماً للحياة الاقتصادية والاجتماعية في المدينة. وقد عززت أعمال الترميم التي شملت كلاً من السوق والخان في آن واحد طبيعتهما غير المنفصلة وأهميتهما التراثية المشتركة.


5. ما هي الأهمية الاستراتيجية لحي الحاضر الكبير الذي يقع فيه سوق برهان؟

يُعد حي الحاضر من أهم أحياء مدينة حماة نظراً لموقعه الاستراتيجي في الوسط الشمالي للمدينة. تحده إدلب شمالاً، وساحة العاصي جنوباً، والمنطقة الصناعية شرقاً، وقلعة حماة غرباً. تعود تسمية الحي بالكامل إلى “سوق الحاضر الكبير” الذي يتوسطه، مما يُشير إلى الدور التأسيسي والمحوري الذي لعبه السوق في تنمية المنطقة وتوسعها. تربط حدوده الجغرافية الاستراتيجية الحي بالمناطق الزراعية والمراكز الحضرية والصناعية والمعالم التاريخية، مما يؤكد دوره كمركز التقاء طبيعي لمختلف طرق التجارة، ويجعله واجهة حيوية لمختلف الأنشطة الاقتصادية وبوابة إقليمية مهمة.


6. ما هي الأسواق الأخرى الموجودة في حي الحاضر الكبير بالإضافة إلى سوق برهان؟

إلى جانب سوق برهان، يضم حي الحاضر أسواقاً أخرى مهمة ومتخصصة تُسهم في ديناميكيته التجارية. من أبرز هذه الأسواق:

  • سوق الغنم: يُعد المحطة الرئيسية للبدو لتسويق منتجاتهم الحيوانية وبيع مواشيهم، ويمثل الواجهة الأولى لريف حماة الشمالي.
  • سوق الخميس: يُقام هذا السوق بشكل حصري يوم الخميس، من شروق الشمس حتى الظهيرة، ويُقدم مجموعة واسعة من السلع تشمل الخضراوات والفواكه الطازجة، والأدوات المنزلية، ومنتجات أخرى متنوعة.

هذا التنوع والتخصص في الأسواق ضمن حي واحد يُعزز كفاءة تدفق التجارة ويُسهم بشكل كبير في الحيوية الاقتصادية الشاملة لحي الحاضر.


7. ما هي المهن والحرف التقليدية والسلع المميزة الموجودة في سوق برهان وحي الحاضر؟

لطالما كان سوق برهان مركزًا لمجموعة واسعة من المهن والحرف التقليدية، بما في ذلك متخصصو الخياطة العربية والأفرنجية، وبائعو الأقمشة، وتجار الأحذية، والبزورية (بائعو البذور والتوابل)، والصاغة (صناع وتجار الذهب والمجوهرات).

أما بالنسبة للسلع، فيُعتقد أن العديد من المنتجات التي يشتهر بها حي الحاضر كانت متوفرة أيضاً في دكاكين السوق. تشمل هذه السلع منتجات الألبان والأجبان المتنوعة، والسمنة الحموية الشهيرة، والقريشة، وحلاوة الجبن، والقشة، والشعيبيات، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الأقمشة والحرف اليدوية التقليدية. كما يُعرف الحي بصناعة “الطراطير” (مركبات ذات دفع ثلاثي).


8. كيف يُسهم سوق برهان في الاقتصاد المحلي والثقافة الحموية؟

يُسهم سوق برهان بشكل كبير في اقتصاد المدينة من خلال أنشطته التجارية المتنوعة والبيع الحيوي لمجموعة واسعة من المنتجات المحلية، ويعمل كنظام بيئي حيوي يدعم العديد من المهن التقليدية، مما يُحافظ على الحرف التقليدية ويوفر سبل عيش مستدامة. كما أن وظيفته الراسخة كسوق رئيسي للمنتجات الريفية والبدوية تُدمج بفعالية مختلف القطاعات الاقتصادية ضمن الاقتصاد الإقليمي.

اجتماعياً وثقافياً، يُعد حي الحاضر، وبالتالي سوق برهان، حارسًا حاسمًا للهوية الثقافية المتميزة لحماة والتماسك الاجتماعي. فبالإضافة إلى وظيفته التجارية، يعمل السوق كمركز مجتمعي حيوي تُمارس فيه المعايير الثقافية بنشاط وتُحتفل بها وتُورث عبر الأجيال، مما يعزز هوية محلية قوية ومتميزة للمدينة.


9. ما هي أبرز التحديات التي تواجه سوق برهان والأسواق التقليدية في حماة؟

على الرغم من أن التحديات المحددة لسوق برهان ليست مفصلة بشكل صريح، إلا أن الظروف الاقتصادية العامة السائدة في حماة تؤثر بشكل كبير على جميع أسواقها، بما في ذلك سوق برهان. تشمل هذه التحديات الشاملة ارتفاع الأسعار المتفشي، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين بشكل حاد، والنقص المستمر في السيولة النقدية في السوق. وقد أدت هذه الأوضاع الصعبة إلى دعوات لمقاطعة بعض المحلات التجارية. تُشكل هذه الضغوط الاقتصادية المنهجية تهديدًا لقاعدة عملاء السوق وربحية تجاره، وتُعرض استمراريته الثقافية والاقتصادية على المدى الطويل للخطر.


10. ما هي آفاق التطوير المستقبلي لسوق برهان، وكيف يمكن الحفاظ على استمراريته؟

يُعد مشروع الترميم الناجح والشامل لسوق برهان، الذي اكتمل بين عامي 2006 و2007، مؤشراً قوياً على الالتزام المستمر بالحفاظ على البنية التحتية المادية للسوق وقيمته التاريخية. لضمان حيوية سوق برهان وأهميته في المستقبل، لن يعتمد الأمر فقط على استمرار الصيانة المادية، بل سيعتمد بشكل حاسم على قدرته على التكيف استراتيجياً مع الواقع الاقتصادي المتغير وسلوكيات المستهلكين المتطورة (مثل المنافسة من أشكال التجزئة الحديثة، وصعود التجارة الإلكترونية، والأزمة الاقتصادية المستمرة).

يجب أن تُوازن أي استراتيجية تطوير أو حفظ مستقبلية ناجحة بعناية بين ضرورة الحفاظ على الأصالة التاريخية والحاجة العملية لضمان الجدوى التجارية، مما يضمن بقاء السوق كيانًا حيويًا وديناميكيًا بدلاً من مجرد قطعة متحفية ثابتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى