الرأي العام

انفجارات صهاريج الوقود في حماة: متعمدة أم عرضية وما الحلول؟

في غضون ثلاثة أيام فقط، شهدت مدينة حماة، إحدى المدن السورية ذات الأهمية التاريخية والإستراتيجية، حادثين مأساويين تمثلا في انفـ.ـجار صهريجي وقود. الأول وقع في 2 تموز / يوليو 2025 في حي جبرين شرق المدينة، مما أدى إلى مقـ.ـتل سبعة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين، وفقاً لتقارير إعلامية موثوقة مثل وكالة الأنباء السورية (سانا). أما الحادث الثاني، فقد وقع اليوم الجمعة 4 تموز في شارع سوق الحدادين خلف شارع ابن رشد الذي يعج بالمواطنين في أيام العمل، وتسبب في أضرار مادية كبيرة للسيارات والمحلات التجارية دون ذكر لخسائر بشرية حتى ساعة إعداد هذه المقالة. هذه الأحداث أثارت قلقاً كبيراً بشأن أمن وسلامة سكان مدينة حماة، مما يستدعي تحليلاً دقيقاً للدوافع المحتملة وراء هذه الانفجارات، سواء أكانت أعمالاً متعمدة تهدف إلى زعزعة الاستقرار أو حوادث عرضية ناتجة عن ظروف بيئية أو إهمال. في هذا المقال، سنناقش هذين الحادثين من منظور سياسي وأمني، مع تقديم حلول وإجراءات للسلامة والأمن، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وتوصيات للحكومة المحلية لضمان حماية المواطنين وممتلكاتهم.

حماة تاريخياً وسياسياً

تقع حماة في وسط سوريا، وهي مدينة ذات تاريخ غني وأهمية إستراتيجية بسبب موقعها الذي يربط بين دمشق وحلب. لكن المدينة عانت من ويلات الصراع على مدى عقود، أبرزها حوداث حماة عام 1982 التي راح ضحيتها آلاف المدنيين خلال الثورة ضد حافظ الأسد. في السنوات الأخيرة، شهدت حماة فترات من الهدوء النسبي، لكنها ظلت عرضة للتوترات الأمنية بسبب الثورة السورية التي انتصرت في كانون الأول /ديسمبر 2024 بسقوط نظام بشار الأسد. وفقاً لتقارير حديثة، مثل تلك الصادرة عن رويترز في كانون الأول 2024، سيطرت قوات الثورة بقيادة هيـ.ـئة تحـ.ـرير الشـ.ـام على حماة، لكن التوترات الأمنية لم تحصل في هذه المدينة منذ ذلك الوقت. لكن تقريراً للأمم المتحدة في نيسان /أبريل 2025 أشار إلى أن الوضع في سوريا لا يزال “هشاً للغاية”، مما يجعل احتمال وقوع أعمال تخريبية وارداً. هذا السياق يجعل من الضروري النظر في كلا الاحتمالين: الأعمال المتعمدة والحوادث العرضية.

تحليل الحادثين: دوافع محتملة

الاحتمال الأول: أعمال تخريبية متعمدة

في ظل الوضع الأمني المعقد في سوريا، لا يمكن استبعاد أن تكون هذه الانفجارات نتيجة أعمال تخريبية تهدف إلى زعزعة استقرار سورية بشكل عام. إن صهاريج الوقود تمثل أهدافاً جذابة للجماعات المسـ.ـلحة أو الجهات الخارجية المعادية بسبب طبيعتها المتفجرة وقدرتها على إحداث أضرار كبيرة. الجهات التي قد تكون وراء مثل هذه الأعمال تشمل:

  • جماعات مسلحة: بعد سقوط نظام الأسد وانتصار الثورة، قد تسعى فصائل معارضة أخرى أو جماعات منافسة إلى إضعاف قبضة الحكومة الجديدة من خلال استهداف الشوارع الحيوية وغيرها.
  • فلول النظام: لا تزال فلول النظام المخلوع تنشط في الساحل السوري وقد تلجأ إلى مثل هذه الأعمال لخلق الفوضى بدعم من دول معادية.
  • جهات خارجية: قد تعمل على هذا الأمر قوى إقليمية أو دولية تسعى لتعطيل الاستقرار في سوريا لأغراض سياسية أو عسكرية.

ومع ذلك، لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثين حتى الآن، وتقارير مثل تلك الصادرة عن الوكالات الرسمية تشير إلى أن التحقيقات جارية دون تحديد سبب واضح للانفـ.ـجار الأول. هذا يجعل من الصعب التأكيد على الطبيعة المتعمدة للحوادث، لكنه يستدعي تعزيز الإجراءات الأمنية كإجراء احترازي.

الدفاع المدني وهو يقوم بمحاولة التغلب على الحريق في شارع سوق الحدادين، تصوير: أ. شفاء الأحدب

الاحتمال الثاني: حوادث عرضية

من المحتمل أيضاً أن تكون الانفجارات ناتجة عن أسباب عرضية، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في يوليو 2025. تشير التقارير العالمية، مثل تلك المنشورة على ويكيبيديا وموقع JNHTC، إلى أن انفجارات صهاريج الوقود يمكن أن تحدث بسبب:

السببالوصف
الكهرباء الساكنةيمكن أن تتولد شرارات من الكهرباء الساكنة في المضخات أو الأنابيب، مما يؤدي إلى اشتعال أبخرة الوقود.
الاحتكاك أثناء القيادةالاحتكاك بين الإطارات والأرض قد يولد شرارات تؤدي إلى الحريق.
الحرارة العاليةفي الطقس الحار، يمكن أن يتمدد الوقود داخل الصهاريج، مما يزيد الضغط ويؤدي إلى الانفجار إذا لم تكن هناك تهوية كافية.
أخطاء بشريةمحاولات سحب الوقود من صهاريج متضررة أو سوء التعامل معها قد تؤدي إلى انفجارات.
عيوب ميكانيكيةصهاريج غير صالحة أو مضخات معيبة قد تتسبب في تسرب الوقود أو زيادة الضغط.

في حالة مدينة حماة، الحرارة ليست مرتفعة جداً وهي تبلغ اليوم 35 مئوية، إضافة إلى أن نقص معايير السلامة أو سوء صيانة الصهاريج، من العوامل المساهمة. على سبيل المثال، تشير تقارير من نيجيريا إلى أن العديد من انفجارات صهاريج الوقود تحدث بسبب سوء صيانة المركبات أو الطرق السيئة، وهي ظروف قد تكون مشابهة في سوريا بسبب الظروف التي مرت على سورية.

في سياق متصل، شهدت حادثة الانفجار تأخراً ملحوظاً في وصول الدفاع المدني إلى مكان الحدث، مما ساهم بشكل كبير في ازدياد الخسائر المادية التي طالت الممتلكات والمحلات التجارية المجاورة. فقد استمرت النيران في الاشتعال لفترة طويلة قبل تدخل فرق الإطفاء، مما أدى إلى تفاقم الأضرار بشكل لا يمكن تجاهله. وفي ظل هذه الظروف، تبرز الحاجة الملحة إلى تخصيص مركز للطوارئ وسط المدينة أو وضع سيارة دفاع مدني ثابتة قرب شارع ابن رشد لتسريع الاستجابة في مثل هذه الحالات. كما يُنصح بتخصيص نقطة إسعاف وطوارئ وشرطة في منطقة السوق لضمان تغطية شاملة للمناطق الحيوية. ويذكر أن تأخر الاستجابة ليس أمراً جديداً؛ ففي حادثة سابقة، احترق محل عابدين في السوق، والذي كان يحتوي على براميل كحول، مما تسبب في نشوب حريق هائل استمر لمدة يومين بسبب تأخر فوج الإطفاء في الوصول نتيجة ازدحام الشوارع الحيوية المؤدية إلى الموقع. وعلاوة على ذلك، لوحظ في حادثة اليوم أن فوج الدفاع المدني لم يتخذ إجراءات السلامة اللازمة أثناء دخولهم لإطفاء الحريق داخل المحلات، مما يثير مخاوف جدية حول سلامة أفراد الفرق والمواطنين على حد سواء. لذا، يتعين على السلطات المعنية اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين البنية التحتية للطوارئ وتدريب الفرق على التعامل الأمثل مع الحوادث.

تدابير السلامة والأمن

بغض النظر عن أسباب الانفجارات، يجب على الحكومة في حماة اتخاذ إجراءات فورية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث وحماية المواطنين.

إذا كانت الحوادث عرضية

  1. تنظيم نقل وتخزين الوقود: يجب فرض فحوصات دورية على صهاريج الوقود للتأكد من سلامتها الميكانيكية. ينبغي أيضاً تدريب السائقين على التعامل مع الوقود في الظروف الحارة وتجنب المخاطر.
  2. تطبيق معايير السلامة: وضع بروتوكولات صارمة لتخزين ونقل الوقود، بما في ذلك استخدام صهاريج مزودة بأنظمة تهوية مناسبة وأجهزة للتحكم في الضغط.
  3. توعية الجمهور: إطلاق حملات توعية لتثقيف المواطنين حول مخاطر الاقتراب من صهاريج الوقود القديمة أو محاولة سحب الوقود منها، كما حدث في حوادث مماثلة في نيجيريا.
  4. التأهب للطوارئ: تعزيز قدرات فرق الإطفاء والإسعاف للاستجابة السريعة للحوادث، مع توفير معدات متخصصة للتعامل مع حرائق الوقود.
  5. تحسين البنية التحتية: إصلاح الطرق وتحسين إدارة حركة المرور لتقليل مخاطر الحوادث التي تنطوي على صهاريج الوقود.

إذا كانت الحوادث متعمدة

  1. تعزيز الأمن حول البنية التحتية الحيوية: نشر قوات أمنية إضافية لحماية الأسواق وطرق النقل، مع تركيب كاميرات مراقبة وأنظمة إنذار.
  2. جمع المعلومات الاستخباراتية: تعزيز جهود المراقبة للكشف عن أي تهديدات محتملة من جماعات معادية أو أفراد يخططون لأعمال تخريبية.
  3. إشراك المجتمع المحلي: تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، مع توفير قنوات آمنة للإبلاغ.
  4. تعزيز قدرات الشرطة: زيادة وجود الشرطة في المناطق الحساسة وتدريب الضباط على التعامل مع التهديدات الأمنية المرتبطة بالمواد القابلة للاشتعال.
آثار الدمار في السيارات والمحلات بسبب الحريق في شارع سوق الحدادين، تصوير: أ. شفاء الأحدب

توصيات للحكومة

لضمان أمن وسلامة سكان حماة، يجب على المحافظة والشرطة اتخاذ الإجراءات التالية:

  1. إجراء تحقيقات شاملة: تسريع التحقيقات في كلا الحادثين لتحديد الأسباب بدقة، مع نشر النتائج بشفافية لتهدئة مخاوف المواطنين.
  2. تعزيز التنسيق بين الوكالات: تحسين التعاون بين الشرطة، فرق الإطفاء، والخدمات الطبية لضمان استجابة فعالة في حالات الطوارئ.
  3. إجراء تدقيقات أمنية وسلامة دورية: فحص صهاريج الوقود ومركبات النقل بانتظام للتأكد من الامتثال للمعايير.
  4. التواصل مع المواطنين: إطلاع المواطنين على الإجراءات المتخذة لمنع الحوادث المستقبلية، مما يعزز الثقة ويقلل من الذعر.
  5. التعاون الدولي: طلب المساعدة من المنظمات الدولية أو الخبراء في مجال السلامة أو مكافحة الإرهـ.ـاب إذا لزم الأمر.

الخاتمة

إن انفجارات صهاريج الوقود في حماة تسلط الضوء على الحاجة المُلِحَّة لتعزيز تدابير السلامة والأمن في المدينة. سواء أكانت هذه الحوادث ناتجة عن أعمال تخريبية أو أخطاء عرضية، فإن السلطات ملزمة باتخاذ خطوات استباقية لحماية الأرواح والممتلكات. من خلال تنفيذ بروتوكولات سلامة صارمة، تعزيز الإجراءات الأمنية، وإشراك المجتمع المحلي، يمكن لمحافظة حماة تقليل المخاطر المرتبطة بهذه الأحداث المدمرة وضمان بيئة أكثر أماناً للجميع.

لا يمكن الفصل بين هذين الحادثين والحرائق الكبيرة التي نشبت في غابات اللاذقية وفي محيط قصر الشعب بدمشق، لذا يتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً وحلولاً أمنية سريعة لحماية المواطنين والدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى