افتتاح أول مصلى في جامعة حماة: "الحرية جميلة" بعد عقود من القمع

في خطوة تاريخية تعكس تحولاً جذرياً في مسيرة الحريات الدينية والمدنية في سوريا، شهدت جامعة حماة افتتاح أول مصلى داخل حرمها الجامعي، وتحديداً في مجمع كليتي الهندسة المدنية والتطبيقية. هذا الحدث، الذي جاء بعد عقود من القمع والحظر على ممارسة الشعائر الدينية في الجامعات، يمثل نقطة تحول بارزة في تاريخ الجامعة والمجتمع المحلي. لقد أصبح المصلى رمزاً للحرية والانفتاح، ويعكس روح التغيير التي بدأت تتجلى في المجتمع السوري بعد سنوات من القيود الأمنية الصارمة. إن افتتاح المصلى ليس مجرد إضافة بنية تحتية جديدة، بل هو تعبير عن استعادة الحقوق الأساسية التي كانت محرومة لعقود، ويجسد الأمل في مستقبل يسوده الحرية والاحترام المتبادل.
لطالما كانت الجامعات في سوريا، كغيرها من المؤسسات، تحت وطأة سياسات صارمة تحد من الحريات الشخصية والدينية. كان من المستحيل في السابق أن يتم التفكير في إنشاء مصلى داخل حرم جامعي، حيث كانت مثل هذه المبادرات تُعتبر تهديداً للنظام الأمني السائد. لكن مع التغيرات السياسية والاجتماعية التي بدأت تشق طريقها في السنوات الأخيرة، أصبح من الممكن تحقيق ما كان يُعتبر ضرباً من الخيال. افتتاح المصلى في جامعة حماة يأتي كخطوة رمزية تؤكد على أن الحرية ليست مجرد شعار، بل حقيقة بدأت تترسخ في حياة الناس اليومية.
تغطية الحدث
شهد افتتاح المصلى حضوراً واسعاً من الطلاب، أعضاء هيئة التدريس، وممثلين عن المجتمع المحلي، بالإضافة إلى شخصيات رسمية من إدارة الجامعة. بدأ الحدث بكلمة افتتاحية ألقاها رئيس الجامعة، أكد فيها على أهمية هذه الخطوة في تعزيز القيم الروحية والأخلاقية بين الطلاب. وأشار إلى أن المصلى لن يكون مجرد مكان للصلاة، بل سيكون مساحة للتأمل والحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع الجامعي. وقد أضاف أن هذا المشروع يعكس التزام الجامعة بتوفير بيئة داعمة للطلاب في كافة جوانب حياتهم الأكاديمية والشخصية.
بعد الكلمة الافتتاحية، تحدثت المهندسة المعمارية هنادي قاسم آغا، عضو الفريق القائم على مبادرة المصلى، حيث عبّرت عن فخرها وفرحتها بهذا الإنجاز. وقالت في كلمتها: “فرحتنا اليوم عظيمة، أصبحنا في بلد الحرية، بلد الشعب الذي ظل لسنوات تحت القمع.” كلماتها لاقت تصفيقاً حاراً من الحضور، الذين شعروا بأن هذا الحدث يمثل انتصاراً لإرادتهم الجماعية.
تم بعدها رفع أول أذان في المصلى، تلاه إقامة صلاة الظهر جماعة، في مشهد مؤثر لم يعهده السوريون من قبل في الجامعات. كان هذا المشهد بمثابة احتفال بالحرية الدينية التي طال انتظارها، وقد تم تنظيم الحدث بدعم مجتمعي كبير من أهالي المحافظة، وبالتنسيق مع رئاسة الجامعة وعمادة الكليات. تضمن اليوم أيضاً فعاليات إضافية مثل تلاوة القرآن الكريم وعروضاً تعريفية عن المشروع، مما أضفى طابعاً احتفالياً وروحياً على المناسبة.
ردود فعل الطلاب
كانت ردود فعل الطلاب تعكس مدى تأثير هذا الحدث عليهم، حيث عبّروا عن مشاعر الفخر والانتماء والارتياح. يقول الطالب عمر الشيخ، من كلية الهندسة التطبيقية: “نمارس شعائرنا الدينية بحرية تامة، وبدعم من إدارة الكلية والجامعة، ونبدي آراءنا بشكل علني دون أي ضغوط أو خوف.” هذا الشعور بالحرية لم يكن مألوفاً للطلاب في السابق، حيث كانت أي محاولة للتعبير عن المعتقدات الدينية تُقابل بالرفض أو العقاب.
وأضافت الطالبة الخضر، وهي من الطالبات اللواتي حضرن الافتتاح: “الحرية بالتعبير عن مطالبنا ورأينا، فهذا سابقاً كان أمراً غير مسموح به، ولكن اليوم يمكننا التعبير بشكل واسع، وطلب أي شيء نريده… الحرية جميلة جداً.” هذه الكلمات تلخص التحول الكبير في الأجواء الجامعية، حيث أصبح الطلاب يشعرون بالأمان والحرية في التعبير عن معتقداتهم وممارسة شعائرهم دون خوف من الملاحقة أو الاعتقال. لقد أصبح المصلى بالنسبة لهم ليس فقط مكاناً للعبادة، بل رمزاً لانتصار الحرية على القمع.
الدعم المجتمعي
لعب المجتمع المحلي دوراً محورياً في إنجاز هذا المشروع، حيث ساهم الأهالي والشركات المحلية في توفير الدعم المادي والمعنوي اللازم لبناء المصلى. وقد عكس هذا الدعم الروح الجماعية والتضامن الذي يميز المجتمع في حماة، وأظهر مدى أهمية هذا المشروع ليس فقط للطلاب، بل للمجتمع بأسره. وقد أشارت المهندسة هنادي قاسم آغا إلى أن “الإقبال كان شديداً من الطلاب في الكليتين التطبيقية والمدنية، ولمسنا الفرحة بعيونهم التي كانت تنسينا كل التعب عندما شاهدناها.”
لم يقتصر الدعم على المساهمات المالية، بل شمل أيضاً التطوع في مراحل البناء والتنظيم، بالإضافة إلى توفير المواد اللازمة بأسعار رمزية من قبل التجار المحليين. هذا التكاتف يعكس رغبة المجتمع في أن يكون جزءاً من هذا التغيير التاريخي، ويؤكد على أن المصلى ليس مجرد مبنى، بل هو مشروع يحمل في طياته قيم التضامن والأمل في مستقبل أفضل.
التحديات والتغلب عليها
واجهت عملية إنشاء المصلى عدة تحديات، أبرزها الحصول على الموافقات الرسمية من رئاسة الجامعة والجهات المعنية. وقد استغرق هذا الأمر وقتاً وجهداً كبيرين، حيث كان على الفريق القائم على المشروع التغلب على العقبات البيروقراطية والإدارية التي تعود جذورها إلى السياسات القديمة. لكن، وبفضل التعاون الوثيق مع إدارة الجامعة، التي أبدت انفتاحاً غير مسبوق، تمكن الفريق من الحصول على الموافقات اللازمة.
وقد أشارت المهندسة هنادي إلى أن “استغرق بناء المصلى قرابة 3 أشهر، بدءاً من أخذ الموافقات الرسمية من رئاسة الجامعة التي تعاونت بشكل كبير.” هذا التعاون يعكس التغيير في السياسات الإدارية والانفتاح على تلبية احتياجات الطلاب الروحية والدينية، وهو ما ساهم في تسريع عملية التنفيذ وجعلها نموذجاً يُحتذى به في المؤسسات الأخرى.
تصميم المصلى
تم تصميم المصلى بعناية فائقة ليكون مكاناً يعكس السلام والهدوء، ويوفر بيئة مناسبة للعبادة والتأمل. اعتمد التصميم على البساطة والسكينة، مع استخدام مواد بناء محلية وتفاصيل معمارية تتناسب مع الطابع الثقافي للمنطقة. وقد أشارت المهندسة هنادي إلى أن “المخططات اعتمدت على البساطة والسكينة، ثم انتقلنا إلى مرحلة البناء وتسليمه على أكمل وجه.”
يتميز المصلى بمساحته الواسعة التي تتسع لعدد كبير من المصلين، وبتصميمه الذي يسمح بدخول الضوء الطبيعي عبر نوافذ موضوعة بعناية، مما يخلق أجواءً من الراحة والطمأنينة. كما تم تزويده بزخارف بسيطة مستوحاة من الفن الإسلامي التقليدي، مما أضفى عليه طابعاً روحياً وجمالياً يتناسب مع غرضه الأساسي.
الأثر المتوقع على الحياة الجامعية
من المتوقع أن يكون للمصلى أثر إيجابي كبير على الحياة الجامعية في جامعة حماة. فهو لن يكون مجرد مكان للصلاة، بل سيساهم في تعزيز الروحانية والتسامح بين الطلاب من مختلف الخلفيات والمعتقدات. كما أنه سيكون مساحة للحوار والتفاهم، مما يعزز من قيم التعايش السلمي والاحترام المتبادل. إضافة إلى ذلك، سيشكل المصلى نقطة انطلاق لتنظيم فعاليات دينية وثقافية تساهم في إثراء الحياة الطلابية وتعزيز الوعي الديني والأخلاقي.
سيساعد وجود المصلى أيضاً في تقليل الشعور بالاغتراب الذي قد يعاني منه بعض الطلاب، خاصة أولئك القادمين من مناطق بعيدة، حيث سيوفر لهم مكاناً يشعرون فيه بالانتماء والراحة. كما أنه سيعزز من الانضباط الأخلاقي والروحي بين الطلاب، مما قد ينعكس إيجاباً على أدائهم الأكاديمي.
الخاتمة
إن افتتاح أول مصلى في جامعة حماة يمثل بداية جديدة للجامعة والمجتمع المحلي، ويعكس الأمل في مستقبل أفضل يسوده الحرية والاحترام المتبادل. هذا الحدث ليس مجرد إنجاز معماري، بل هو تعبير عن استعادة الحقوق الأساسية وتجسيد لروح التغيير التي بدأت تتجلى في سوريا. إن “الحرية جميلة”، كما عبرت الطالبة الخضر، وهي قيمة يجب أن نعتز بها وندعمها في كل مجتمعاتنا.
ندعو القراء إلى التفكير في أهمية الحرية والتسامح في بناء مجتمع أفضل، ونشجعهم على دعم مثل هذه المبادرات التي تعزز من قيم التعايش والاحترام. إن ما تحقق في جامعة حماة هو نموذج مصغر لما يمكن تحقيقه على نطاق أوسع، إذا ما توفرت الإرادة والتعاون بين أفراد المجتمع ومؤسساته.