حماة في قلب الثورة السورية: من المظاهرات السلمية إلى الحرب

محتوى المقالة
مقدمة: حماة.. تاريخ من الثورة والرمزية
تُعد مدينة حماة، التي تُلقب بـ “أم النواعير” نسبةً إلى نواعيرها التاريخية الشهيرة على نهر العاصي، نقطة محورية ورمزية في تاريخ سوريا الحديث، لا سيما في سياق الثورات والانتفاضات ضد السلطة المركزية. إن فهم دور حماة في الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 يتطلب استعراضاً عميقاً لجذورها التاريخية وعلاقتها المتوترة بالنظام السوري.
لقد ألقت مجـ.ـزرة حماة عام 1982 بظلالها الكثيفة على المدينة لعقود طويلة. ففي شباط/فبراير 1982، شن نظام حافظ الأسد عملية عسكرية وحشية استمرت 27 يوماً بهدف قمع انتفاضة قادتها جماعة الإخـ.ـوان المسـ.ـلمين. كانت هذه المجـ.ـزرة، التي قادها رفعت الأسد، الأخ الأصغر لحافظ الأسد، واحدة من أبشع أعمال العـ.ـنف التي ارتكبتها حكومة عربية ضد شعبها في التاريخ الحديث. تباينت تقديرات الضـ.ـحايا بشكل كبير، حيث تراوحت بين 10,000 و40,000 مدني قُتـ.ـلوا أو اختفوا قسرياً، بالإضافة إلى تدمير واسع النطاق لأجزاء كبيرة من المدينة القديمة. وصفت هذه الأحداث بأنها “مذبـ. ـحة إبـ.ـادة” مدفوعة “بالتحامل الطائفي”. لقد نجح النظام آنذاك في قمع التمرد، وتحولت ذكرى المجـ.ـزرة إلى “تابو قوي” و”رمز للخوف والعنـ.ـف والقمع” في الوعي السوري، مما أدى إلى عقود من الصمت والترهيب.
ومع ذلك، فإن هذه الصدمة التاريخية لم تمنع حماة من أن تكون في طليعة الاحتجاجات السلمية في عام 2011. إن هذا الحضور القوي للمدينة في قلب الثورة، على الرغم من تاريخها المؤلم، يشير إلى أن الصدمة العميقة وذاكرة عام 1982، بدلاً من أن تشل السكان، تحولت إلى محفز قوي للتحدي المتجدد. لقد تحولت المدينة من رمز للخوف إلى صرخة حاشدة، ثم إلى رمز “للبقاء والمقاومة التي لا تنكسر”. العبارة التي رددها الثوار “حماة ما ماتت، مات حافظ. وسوريا ما بتموت، بموت بشار” تجسد هذا التحول في الذاكرة الجماعية إلى سردية ثورية، مبرهنة على أن المظالم التاريخية يمكن أن تغذي الانتفاضات المستقبلية.
في المقابل، يبدو أن النظام السوري، بعد نجاحه في قمع تمرد 1982 بقوة مفرطة، توقع نتيجة مماثلة في عام 2011. فقد كان رده الفوري والوحشي على الاحتجاجات السلمية في حماة نسخة طبق الأصل من تكتيكاته السابقة. لكن ما نجح في قلب موازين القوى ضد تمـ.ـرد إسلامي محلي في 1982 فشل في احتواء ثورة شعبية أوسع وأكثر انتشاراً في 2011. بل إن قمـ.ـع حماة الوحشي، بدلاً من أن يعزل المقاومة، أدى إلى تضخيم سرديتها وتأثيرها على المستوى الوطني. هذا يشير إلى سوء تقدير حاسم من جانب النظام، حيث لم يتكيف مع بيئة إقليمية ودولية متغيرة، مما أدى إلى تغذية الثورة بدلاً من إخمادها.
الحراك السلمي في مراحله الأولى (2011): طبيعة ومطالب
بدأت الثورة السورية في آذار/مارس 2011، إثر اعتقال وتعـ.ـذيب أطفال في درعا، وسرعان ما امتدت شرارتها إلى مدن أخرى. انضمت حماة إلى هذا الحراك، مستندة إلى تاريخ طويل من المطالبة بالحريات العامة وإنهاء حالة الطوارئ وإعادة الحياة الديمقراطية.
تميزت حماة بمظاهراتها السلمية الواسعة النطاق والمستمرة. في 3 حزيران/يونيو 2011، شهدت المدينة مظاهرات حاشدة في جمعة أطفال الحربية شارك فيها عشرات الآلاف، قابلتها قوات الأمن السورية بإطلاق الرصاص الحي، مما أسفر عن سقوط ما يصل إلى 78 قتـ.ـيلاً من المدنيين العُزّل.
كانت “جمعة ارحل” في 1 تموز/يوليو 2011 نقطة تحول بارزة، حيث شهدت حماة أكبر مظاهرة في تاريخ الثورة السورية، قدر عدد المشاركين فيها بما يتجاوز نصف مليون متظاهر. كانت هذه المظاهرة المليونية عرضاً قوياً للعصيان المدني، وشهدت مشاركة وفود من بلدات ريف حماة المختلفة، مثل طيبة الإمام وصوران وحلفايا في الشمال.
طالب المتظاهرون في حماة، شأنهم شأن باقي المدن السورية، بالإصلاحات وتوسيع الحريات في البداية، لكن سرعان ما تصاعدت مطالبهم إلى “إسقاط النظام”. كانت الهتافات الأيقونية مثل “يلا ارحل يا بشار” و”الشعب يريد إسقاط النظام” تتردد في ساحات المدينة، لاسيما ساحة العاصي، مرددين شعارات الثورة السورية الأوسع. كما رفع المتظاهرون لافتات على نواعير نهر العاصي كُتب عليها “طلبنا أن نعامل كبشر فقتلونا”، مما عكس حالة اليأس والتحدي.
أصبحت حماة نموذجاً للمقاومة المدنية. انخرط السكان في اعتصامات ليلية وإضرابات مفتوحة طوال شهر تموز/يوليو 2011. أفاد ناشطون بأن السكان أحرقوا فواتير الكهرباء والمياه معلنين: “لن ندفع ثمن الرصاص الذي تطلقونه علينا”. أغلقت المحلات وأضرب العمال، حتى أن السكان المحليين تولوا تنظيم حركة المرور في غياب الشرطة، ولم تفتح سوى الصيدليات ومحلات البقالة. كما عقد وجهاء المدينة اجتماعات وقرروا مقاطعة جميع مسؤولي حزب البعث، ووجهوا رسائل إلى دمشق مطالبين بالإفراج عن السجناء السياسيين وضمان الحق في التظاهر السلمي.
برز ناشطون بارزون مثل إبراهيم قاشوش، الذي عُرف بـ “بلبل الثورة”، حيث قاد هتافات المظاهرات. تحول اغتياله الوحشي في 4 تموز/يوليو 2011، حيث عُثر على جثته في نهر العاصي، إلى رمز للمقاومة ونقطة تحول في مسار الثورة، مما زاد من غضب الشارع وعزز مكانته كشهيد.
إن استخدام المتظاهرين لمعالم المدينة الأيقونية مثل النواعير لرفع اللافتات وتشكيل العلم السوري بأجسادهم يظهر فهماً عميقاً للرمزية والهوية الوطنية. هذا التعبير الرمزي، إلى جانب الأغاني والهتافات، لم يكن مجرد تعبير فني، بل كان تحدياً مباشراً لسيطرة النظام على الفضاء العام والسردية الوطنية. رد فعل النظام العنيف على هذه الأفعال الرمزية، الذي بلغ ذروته في مقتل القاشوش، كشف عن ارتياب عميق من أي شكل من أشكال المعارضة الشعبية، حتى لو كانت ثقافية. فبالقضاء على هذه الشخصيات والرموز، خلق النظام شهداء عن غير قصد، مما أدى إلى تضخيم الرسالة وتعميق تصميم المعارضة، وحول أفعال التحدي إلى رموز للتضحية.
لقد كان التزام حماة بالمقاومة السلمية والعصيان المدني نموذجاً يحتذى به، وقد أشار إليه النشطاء صراحةً على أنه “نموذج للاحتجاج السلمي”. ومع ذلك، قوبلت هذه السلمية بقوة ممـ.ـيتة متصاعدة وعشوائية. هذه العلاقة السببية (الاحتجاج السلمي ← القمـ.ـع الوحشـ.ـي) تبرهن على عدم قدرة النظام أو عدم رغبته في التعامل مع المظالم المشروعة بوسائل غير عنيفة. هذا يشير إلى أن النظام السوري اعتبر أي شكل من أشكال المعارضة، بغض النظر عن طبيعته السلمية، تهديداً وجودياً يتطلب أقصى درجات القوة، مما دفع السكان نحو أشكال أخرى من المقاومة كخيار وحيد متاح.
نقطة التحول: من السلمية إلى الصراع المسلح
كان رد فعل النظام على الحراك السلمي في حماة سريعاً ووحشياً، مما شكل نقطة تحول حاسمة في مسار الثورة. فبعد المظاهرة الحاشدة في 1 تموز/يوليو 2011، أقال الرئيس الأسد محافظ حماة على الفور، في إشارة واضحة إلى تبني نهج أكثر صرامة. وبعد يومين فقط، انتشرت الدبابات السورية على أطراف المدينة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 مدنياً.
بلغ القمع ذروته في 31 تموز/يوليو 2011، عشية شهر رمضان، فيما عُرف بـ “مجـ.ـزرة رمضان”. نشرت الحكومة السورية الجيش في حماة للسيطرة على الاحتجاجات كجزء من حملة قمع واسعة النطاق على مستوى البلاد. أسفرت هذه العملية عن مقتل أكثر من 100 شخص في حماة وحدها في ذلك اليوم، وإصابة المئات في جميع أنحاء سوريا. وبحلول 4 آب/أغسطس، كان أكثر من 200 مدني قد قُتلوا في حماة خلال هذا الحصار. وخلال الحصار، هاجمت دبابات الجيش السوري حماة من أربعة اتجاهات مختلفة، “تطلق النار عشوائياً” على المباني السكنية. كما قُطعت المياه والكهرباء وجميع الاتصالات عن حماة والقرى والبلدات المحيطة بها.
كان العنف المستمر والعشوائي من قبل القوات الحكومية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الثقيلة ونيران الدبابات، لا سيما بعد حصار 31 تموز/يوليو، عاملاً حاسماً في تحول الانتفاضة. ورغم أن سكان حماة أبدوا تردداً في الانزلاق إلى صدام مسلح، ربما بسبب الذاكرة المؤلمة لعام 1982 ، فإن الوحشية المطلقة لرد فعل النظام جعلت استمرار الاحتجاج السلمي أمراً لا يمكن تحمله.
أدى عنف النظام إلى انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش السوري. في 7 كانون الثاني/يناير 2012، انشق العقيد عفيف محمود سليمة من شعبة لوجستيات القوات الجوية السورية عن حكومة بشار الأسد، ومعه ما لا يقل عن خمسين من رجاله. أعلن انشقاقه على التلفزيون مباشرة، وأمر رجاله بحماية المتظاهرين في مدينة حماة. وأفاد العقيد سليمة بهجمات الجيش السوري على حماة بالأسلحة الثقيلة والغارات الجوية ونيران الدبابات، وحث مراقبي جامعة الدول العربية على زيارة المناطق المتضررة والكشف عن ثلاث مقـ.ـابر في حماة تضم أكثر من 460 جثـ.ـة. تأسس الجيش السوري الحر في أواخر تموز/يوليو 2011 على يد العقيد رياض الأسعد وستة ضباط منشقين بهدف مزدوج: حماية المتظاهرين السلميين وبدء عمليات مقاومة ضد قوات الأمن.
من أواخر عام 2011 وحتى عام 2012، شهدت محافظة حماة تصاعداً في الاشتباكات، مما يمثل مرحلة التمرد المبكر للحرب السورية. في كانون الأول/ديسمبر 2011، اقتحمت القوات الموالية للأسد المدينة لقمع الاحتجاجات، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرة مدنيين واشتباكات مع الجيش السوري الحر الذي تمكن من تعطيل ما لا يقل عن مركبتين مدرعتين. طوال عام 2012، أصبحت تقارير الخسائر في صفوف المعارضة والقوات الحكومية متكررة، وتحولت مدن مثل قلعة المضيق وحلفايا إلى ساحات قتال. وشكلت المجـ.ـازر، مثل مجـ.ـزرة القبير (حوالي 78 قتيلاً في حزيران/يونيو 2012) والتريمسة (أكثر من 200 قتيل على يد قوات الأسد في تموز/يوليو 2012)، علامات دموية على تصاعد وحشية الصراع.
التاريخ | الحدث | الجهات الفاعلة | النتائج/الخسائر الأولية |
15 آذار/مارس 2011 | بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا | المتظاهرون السلميون | انتشار الاحتجاجات في أنحاء البلاد |
3 حزيران/يونيو 2011 | مظاهرة حاشدة في حماة وقمعها | المتظاهرون السلميون، قوات الأمن السورية | سقوط ما يصل إلى 25 قتيلاً من المدنيين |
1 تموز/يوليو 2011 | مظاهرة “جمعة ارحل” المليونية في حماة | المتظاهرون السلميون (أكثر من نصف مليون) | إقالة محافظ حماة |
3 تموز/يوليو 2011 | نشر الدبابات في حماة وقمع المتظاهرين | الجيش السوري، قوات الأمن السورية | مقـ.ـتل ما لا يقل عن 20 مدنياً |
4 تموز/يوليو 2011 | اغتيال إبراهيم قاشوش | قوات الأمن السورية (اتهامات) | مقتل “بلبل الثورة” |
31 تموز/يوليو 2011 | “مجـ.ـزرة رمضان” وحصار حماة | الجيش السوري | مقـ.ـتل أكثر من 100 شخص في حماة وحدها، مئات الجرحى |
7 كانون الثاني/يناير 2012 | انشقاق العقيد عفيف سليمة | العقيد عفيف سليمة ورجاله | انشقاق 50+ جندياً، دعوة لحماية المتظاهرين |
28 شباط/فبراير 2012 | قصف حلفايا | القوات الحكومية | مقـ.ـتل 20 مدنياً |
6 حزيران/يونيو 2012 | مجـ.ـزرة القبير | قوات النظام، ميليشيات موالية | مقـ.ـتل حوالي 78 شخصاً |
13 تموز/يوليو 2012 | مجـ.ـزرة التريمسة | قوات الأسد، ميليشيات موالية | مقـ.ـتل أكثر من 200 شخص (تقديرات المعارضة) |
كانون الأول/ديسمبر 2024 | سيطرة الثوار على حماة | فصائل المعارضة | تحرير المدينة، تحرير السجناء، إسقاط حكم الأسد |
لطالما ألصق النظام السوري تهمة “الإرهـ.ـابيين والمتشـ.ـددين” بالعـ.ـنف، حتى عندما أكدت تقارير منظمات حقوق الإنسان أن معظم الضحايا كانوا عُزلاً. إن إطلاق النظام لمئات المتشـ.ـددين الإسـ.ـلاميين من السجون في منتصف عام 2011 يشير إلى إستراتيجية متعمدة لخلق “البديل الجـ.ـهادي” الذي ادعى أنه يحاربه. هذا التلاعب يهدف إلى تشويه سمعة التمرد وتقديمه للمجتمع الدولي كصراع ضد التـ.ـطرف، مما يبرر قمـ.ـع النظام الوحشـ.ـي ويطلب الدعم الخارجي لمواجهة ما صور على أنه تهديد إرهـ.ـابي، وليس استجابة لمطالب شعبية مشروعة.
على الرغم من الصدمة التاريخية لعام 1982، التزمت حماة في البداية بالأساليب السلمية. إلا أن شدة وحجم عنف النظام، لا سيما “مجـ.ـزرة رمضان” وقطع الخدمات الأساسية ، لم تترك مجالاً لاستمرار الاحتجاج السلمي. هذا أحدث تحولاً جذرياً في إستراتيجية الثوار: فعندما يؤدي الاحتجاج السلمي فقط إلى المجـ.ـازر والحصارات، يصبح الثمن المتصور لعدم العنف أعلى من ثمن المقاومة المســ.لحة. هذه العلاقة السببية تظهر أن أفعال النظام هي التي دفعت مباشرة نحو التحول إلى الصراع المسـ.ـلح، بدلاً من أن يكون ذلك رغبة متأصلة لدى المتظاهرين، مما حاصر المعارضة في خيار حمل السـ.ـلاح للدفاع عن النفس.
دور المدينة والريف في مجريات الأحداث
لم تكن الاحتجاجات في مدينة حماة ظاهرة حضرية بحتة، بل حظيت بدعم قوي من المناطق الريفية المحيطة بها. شاركت وفود من بلدات وقرى الريف الشمالي (مثل طيبة الإمام وصوران وحلفايا)، والجنوبي (السلمية)، والغربي (مصياف) في المظاهرات الكبرى مثل “جمعة ارحل”. كما استمرت الاحتجاجات المسائية في هذه المناطق الريفية. هذا الارتباط الوثيق بين المدينة والريف يعكس تضامناً قوياً ومظالم مشتركة.
لعبت لجان التنسيق المحلية، وهي شبكات لامركزية وسرية من المجموعات المحلية، دوراً حاسماً في تنظيم الاحتجاجات والإبلاغ عنها في جميع أنحاء سوريا. كانت حماة واحدة من 14 لجنة محلية ضمن شبكة لجان التنسيق المحلية في سوريا، وقد دعمت هذه اللجان العصيان المدني وعارضت في البداية المقاومة المسـ.ـلحة والتدخل العسكري الدولي. انخرطت اللجان في أساليب غير عنيفة مثل الاحتجاجات الليلية ورفض دفع الفواتير. ومن بين الشخصيات البارزة المرتبطة بلجان التنسيق المحلية رزان زيتونة ومنهل باريش.
مع ضعف سيطرة النظام في بعض المناطق، لا سيما في الريف، بدأت لجان التنسيق المحلية بتولي أدوار الإدارة العامة وتقديم الخدمات. هذا يشير إلى محاولة المعارضة إنشاء هياكل حكم بديلة وملء الفراغ الذي تركه النظام المنسحب.
وعلى الرغم من أن القوات الحكومية تمكنت إلى حد كبير من إخلاء مدينة حماة من المقاتلين بعد الحصارات الأولية، إلا أن الثورة استمرت في الريف. تحولت بلدات مثل اللطامنة وكفرزيتا وقلعة المضيق وحلفايا إلى معاقل للثوار، مما يدل على الدور المستمر للمناطق الريفية في المقاومة المسـ.ـلحة وكونها قواعد للعمليات ضد قوات النظام.
برزت شخصيات مثل إبراهيم قاشوش كرمز للحركة المدنية السلمية في المدينة. ومع تصاعد العنف، ظهر ضباط عسكريون منشقون، مثل العقيد عفيف محمود سليمة، كقادة للمقاومة المسلحة، مما يبرز الانتقال من الاحتجاجات التي يقودها المدنيون إلى التحدي العسكري. كان سليمان الحراكي أحد المؤسسين لمجلس قيادة الثورة في حماة عام 2011، وأصبح فيما بعد رئيساً للمجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية، مما يشير إلى تشكيل هياكل قيادية أوسع للمعارضة.
إن المشاركة الكبيرة للوفود الريفية في مظاهرة حماة المليونية واستمرار الاحتجاجات والمقاومة المسـ.ـلحة في الريف حتى بعد قمع المدينة يوضح أن الثورة في حماة لم تكن ظاهرة حضرية فحسب، بل كانت متجذرة بعمق في المناطق الريفية المحيطة. هذا التكافل بين الريف والمدينة وفر قاعدة دعم أوسع ومرونة أكبر، مما سمح للحركة بالاستمرار والتحول إلى صراع مسـ.ـلح في الريف حتى عندما كان مركز المدينة تحت سيطرة النظام الصارمة. هذا يشير إلى أن المناطق الريفية كانت بمثابة خزان ديموغرافي للاحتجاجات وملاذ إستراتيجي للمجموعات المسـ.ـلحة، مما مكن الثورة من التكيف والاستمرار بعد حملات القمع الأولية في المدن.
إن تحول المعارضة من الاحتجاجات العفوية إلى العصيان المدني المنظم بقيادة لجان التنسيق المحلية ، ثم إلى إنشاء هيئات إدارية وخدمية محلية ، يظهر بنية تحتية للمعارضة تتسم بالقدرة على التكيف والتطور. هذا التقدم يشير إلى تجاوز مجرد المظاهرات في الشوارع نحو محاولة بناء أشكال بديلة للحكم والتنظيم الاجتماعي، وهو تحدٍ مباشر وأعمق لسلطة النظام يهدف إلى إنشاء هيكل دولة موازٍ في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
الآثار والتداعيات: حصيلة الصراع
أسفر الصراع في حماة عن تكلفة بشرية مدمرة. فإلى جانب الوفيات الأولية خلال حملات القمع (على سبيل المثال، 78 شهيداً في 3 حزيران/يونيو 2011؛ وأكثر من 100 شهيد في 31 تموز/يوليو 2011)، أصبحت المجـ.ـازر مثل القبير (حوالي 78 شهيداً في 6 حزيران/يونيو 2012) والتريمسة (أكثر من 200 شهيد في 13 تموز/يوليو 2012) علامات قاتمة على تصاعد العنف. وبحلول عام 2012، سجلت محافظة حماة وحدها 5,080 حالة وفاة، مما جعلها واحدة من أكثر المناطق تضرراً.
أدى العنف إلى نزوح جماعي هائل. ورغم صعوبة عزل الأرقام الخاصة بحماة، إلا أن عدد سكان المدينة كان حوالي 750 ألف نسمة في عام 2010، وتجاوز عدد سكان محافظة حماة بأكملها 2.1 مليون نسمة في نهاية العام نفسه. شهدت سوريا ككل نزوح 6.7 مليون شخص داخلياً و6.6 مليون لاجئ بحلول آذار/مارس 2021، مع إجبار ما يقرب من ثلث إجمالي السكان على مغادرة مجتمعاتهم. هذا يشير إلى أن جزءاً كبيراً من سكان حماة قد تعرضوا للنزوح.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو الدور التاريخي لمدينة حماة في سياق الثورة السورية؟ لعبت حماة، “أم النواعير”، دورًا محوريًا ورمزيًا في تاريخ سوريا الحديث، خاصة في سياق الثورة والانتفاضات ضد السلطة المركزية. إن فهم دورها في الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 يتطلب استعراضًا عميقًا لجذورها التاريخية وعلاقتها المتوترة بالنظام. على الرغم من الصدمة التاريخية التي عانت منها المدينة، إلا أنها كانت في طليعة الاحتجاجات السلمية عام 2011، مما يشير إلى أن الذاكرة العميقة تحولت إلى محفز قوي للتحدي المتجدد في مسيرة الثورة.
2. كيف أثرت أحداث عام 1982 على اندلاع الثورة السورية في حماة عام 2011؟ أحداث عام 1982 ألقت بظلالها على حماة لعقود، محوّلة ذكراها إلى “تابو قوي” و”رمز للخوف والعنف والقمع” في الوعي السوري. ومع ذلك، لم تمنع هذه الصدمة التاريخية حماة من أن تكون في طليعة الاحتجاجات السلمية في عام 2011. بل إن هذه الذاكرة العميقة، بدلاً من أن تشل السكان، تحولت إلى محفز قوي للتحدي المتجدد، وجعلت المدينة تتحول من رمز للخوف إلى صرخة حاشدة، ثم إلى رمز “للبقاء والمقاومة التي لا تنكسر” في سياق الثورة الجديدة. هذه التجربة التاريخية شكلت خلفية مهمة لتحول المدينة نحو المشاركة الفاعلة في الثورة.
3. ما هي طبيعة المطالب الأولية لحراك الثورة في حماة عام 2011؟ بدأت الثورة السورية في آذار/مارس 2011، وانضمت حماة لهذا الحراك، مستندة إلى تاريخ طويل من المطالبة بالحريات العامة وإنهاء حالة الطوارئ وإعادة الحياة الديمقراطية. طالب المتظاهرون في حماة، شأنهم شأن باقي المدن السورية، بالإصلاحات وتوسيع الحريات في البداية، لكن سرعان ما تصاعدت مطالبهم إلى “إسقاط النظام”. كانت الهتافات الأيقونية مثل “يلا ارحل يا بشار” و”الشعب يريد إسقاط النظام” تتردد في ساحات المدينة، مرددين شعارات الثورة السورية الأوسع. هذه المطالب عكست جوهر الثورة.
4. كيف تجسد العصيان المدني والمقاومة السلمية في حماة خلال مراحل الثورة الأولى؟ أصبحت حماة نموذجًا للمقاومة المدنية في بدايات الثورة. انخرط السكان في اعتصامات ليلية وإضرابات مفتوحة طوال شهر تموز/يوليو 2011. أحرق السكان فواتير الكهرباء والمياه معلنين: “لن ندفع ثمن الرصاص الذي تطلقونه علينا”. أغلقت المحلات وأضرب العمال، حتى أن السكان المحليين تولوا تنظيم حركة المرور في غياب الشرطة، ولم تفتح سوى الصيدليات ومحلات البقالة. كما عقد وجهاء المدينة اجتماعات وقرروا مقاطعة جميع مسؤولي حزب البعث، ووجهوا رسائل إلى دمشق مطالبين بالإفراج عن السجناء السياسيين وضمان الحق في التظاهر السلمي. كان هذا التزامًا واضحًا بالمقاومة السلمية ضمن الثورة.
5. ما هي نقطة التحول التي دفعت الثورة في حماة من الطابع السلمي إلى الصراع المسلح؟ كان رد فعل النظام على الحراك السلمي في حماة سريعًا ووحشيًا، مما شكل نقطة تحول حاسمة في مسار الثورة. فبعد المظاهرة الحاشدة في 1 تموز/يوليو 2011، أقال الرئيس الأسد محافظ حماة، وبعد يومين انتشرت الدبابات السورية في المدينة. بلغ القمع ذروته في 31 تموز/يوليو 2011، فيما عُرف بـ “مذبـ.ـ حة رمضان”، حيث نشرت الحكومة الجيش، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 شخص. العنف المستمر والعشوائي من قبل القوات الحكومية جعل استمرار الاحتجاج السلمي أمرًا لا يمكن تحمله، ودفع هذا الوحشية الثورة نحو الصراع المسلح كخيار وحيد متاح.
6. كيف أثرت الانشقاقات العسكرية على مسار الثورة في حماة؟ أدت وحشية النظام إلى انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش السوري، مما كان له تأثير مباشر على مسار الثورة. في 7 كانون الثاني/يناير 2012، انشق العقيد عفيف محمود سليمة من شعبة لوجستيات القوات الجوية السورية، ومعه ما لا يقل عن خمسين من رجاله، وأعلن انشقاقه على التلفزيون مباشرة، وأمر رجاله بحماية المتظاهرين في مدينة حماة. هذا النوع من الانشقاقات، وتأسيس كيانات مثل الجيش السوري الحر، عكس تحولًا في الثورة نحو الدفاع المسلح عن النفس، وأشار إلى استعداد بعض أفراد الجيش للانضمام إلى صفوف الثورة.
7. ما هو دور المناطق الريفية في دعم الثورة في حماة؟ لم تكن الاحتجاجات في مدينة حماة ظاهرة حضرية بحتة، بل حظيت بدعم قوي من المناطق الريفية المحيطة بها. شاركت وفود من بلدات وقرى الريف الشمالي والجنوبي والغربي في المظاهرات الكبرى مثل “جمعة ارحل”. استمرت الاحتجاجات المسائية في هذه المناطق الريفية أيضًا. هذا الارتباط الوثيق بين المدينة والريف يعكس تضامنًا قويًا ومظالم مشتركة، وفر قاعدة دعم أوسع ومرونة أكبر، مما سمح لحركة الثورة بالاستمرار والتحول إلى صراع مسلح في الريف حتى عندما كان مركز المدينة تحت سيطرة النظام الصارمة. الريف كان رافدًا مهمًا لـ الثورة.
8. كيف تطورت هياكل القيادة في الثورة بحماة من الاحتجاجات العفوية إلى التنظيم؟ تطور التنظيم في الثورة بحماة بشكل ملحوظ. في البداية، كانت الاحتجاجات عفوية، ثم تحولت إلى عصيان مدني منظم بقيادة لجان التنسيق المحلية. هذه اللجان، وهي شبكات لامركزية وسرية، لعبت دورًا حاسمًا في تنظيم الاحتجاجات والإبلاغ عنها. مع ضعف سيطرة النظام في بعض المناطق، لا سيما في الريف، بدأت لجان التنسيق المحلية بتولي أدوار الإدارة العامة وتقديم الخدمات. هذا يشير إلى محاولة المعارضة إنشاء هياكل حكم بديلة وملء الفراغ الذي تركه النظام المنسحب، مما يمثل تحديًا مباشرًا وأعمق لسلطة النظام ويسهم في استمرار الثورة.
9. ما هي التكلفة البشرية التي تكبدتها حماة جراء الصراع خلال الثورة؟ أسفر الصراع في حماة عن تكلفة بشرية مدمرة خلال فترة الثورة. فإلى جانب الاستشهاد الأولي خلال حملات القمع (على سبيل المثال، 25 شهيدًا في 3 حزيران/يونيو 2011؛ وأكثر من 100 شهيد في 31 تموز/يوليو 2011)، أصبحت المجـ.ـ ازر مثل القبير (حوالي 78 شهيدًا في 6 حزيران/يونيو 2012) والتريمسة (أكثر من 200 شهيد في 13 تموز/يوليو 2012) علامات قاتمة على تصاعد العنف. وبحلول عام 2012، سجلت محافظة حماة وحدها 5,080 حالة استشهاد، مما جعلها واحدة من أكثر المناطق تضررًا من عنف الثورة المضادة.
10. كيف استخدم النظام السوري تهمة “الإرهاب” لتشويه سمعة الثورة في حماة؟ لطالما ألصق النظام السوري تهمة “الإرهـ.ـابيين والمتشـ.ـددين” بالعـ.ـنف في سياق الثورة، حتى عندما أكدت تقارير منظمات حقوق الإنسان أن معظم الضحايا كانوا عُزلاً. إن إطلاق النظام لمئات المتشـ.ـددين الإسـ.ـلاميين من السجون في منتصف عام 2011 يشير إلى إستراتيجية متعمدة لخلق “البديل الجـ.ـهادي” الذي ادعى أنه يحاربه. هذا التلاعب يهدف إلى تشويه سمعة التمرد وتقديمه للمجتمع الدولي كصراع ضد التـ.ـطرف، مما يبرر قمع النظام الوحشي ويطلب الدعم الخارجي لمواجهة ما صور على أنه تهديد إرهـ.ـابي، وليس استجابة لمطالب شعبية مشروعة لـ الثورة.