فتح حماة والتعايش السلمي، تاريخ مجيد سنة 12 هـ

محتوي المقالة
مقدمة: السياق العام للفتح الإسلامي في الشام
بدأت الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية منذ عام 12 هـ (633 م)، بعد استقرار الداخل الإسلامي وتوحيد شبه الجزيرة تحت راية أبو بكر الصديق (رضي الله عنه). كان الهدف التوسعي استعادة أراضي الشام والعراق من الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية اللتين خرجتا منهكتين من صراع طويل بين عامي 602 و628 م. في هذا السياق، أُرسِل عدد من الجيوش الإسلامية بقيادة قادة بارزين مثل خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح فتحا لخدمة هذه الرؤية الاستراتيجية العامة.
من بين المدن المفتوحة في تلك المرحلة كانت حماة، التي أصبحت مثالًا نموذجيًا على الفتح السلمي عبر التفاوض والعهدة العمرية، مغايرة إلى حد ما لمدن مثل دمشق التي شهدت حصاراً، أو حمص التي فُتحت أيضًا صلحًا مباشرة. هذا المقال يقدّم رؤية شاملة ومقارنة بين تلك النماذج، مع التركيز على الفتح الحماوي ودلالاته الدينية، السياسية، والاقتصادية.
1. ظروف فتح حماة تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح
1.1 المبادئ الاستراتيجية العامة
تبع الفتح الإسلامي خطوات من قبيل تكتيك التفاوض قبل المواجهة. كان القادة يرسلون رسولًا يطلب الصلح ويعرض شروط الجزية والعهدة قبل شن الحرب، للاستفادة من عنصر المفاجأة وتجنب إراقة الدماء قدر الإمكان. وقد كان ذلك نهجًا استراتيجيًا متبعًا منذ بدء فتوحات الشام.
1.2 الانتقال بقيادة أبو عبيدة
بعد معركة اليرموك (636 م)، أصبح أبو عبيدة بن الجراح قائدًا عامًا للجيش الإسلامي في الشام، وهو من الصحابة الكبار وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وقد أوفده الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لاستكمال فتح المدن الشامية، ومنها حماة. ويعرف عنه حسن التناول وحنكة التفاوض وامتداد بصره التخطيطي. فتحت معظم المدن في منطقة جند حمص وسلمت طوعًا مع صيغ اتفاق مسودة مسبقًا.
1.3 المباشرة في فتح حماة
دخلت قوات المسلمين إلى حماة في نحو العام 12 هـ (633 م بحسب بعض المصادر) أو تقريبًا 638–639 م وفقًا للإقرار الإداري. وقد قدّم أهل المدينة أنفسهم صلحًا، وتم توقيع عهدة تنظم العلاقة بين المسلمين ومسيحيي حماة، وضمنوا امتيازات حماية الأديان والكنائس في مقابل الجزية والتزام النظام العام. لم يُرصد سجل مقاومة مسلحة، مما جعل فتحها نموذجيًا في طبيعة التعايش والوئام المصحوب بالتفاوض.
2. بنود العهدة العمرية في حماة: رؤية الحقوق والواجبات
العهدة العمرية — وهي مجموعة شروط وضعتها الدولة الإسلامية لحماية أهل الذمة (المسيحيين واليهود وغيرها) — وضعت لضمان نظام يستوعب التعدد في إطار دولة مركزية. وبين العهدات العمرية التي كُتبت لدمشق وبيت المقدس وحمص، يُعتقد أن العهدة الخاصة بحماة تضمنت البنود التالية، المتسقة مع الإطار العام:
- حفظ النفس والروح: ضمان عدم قتل المسيحيين أو المساس بهم.
- حماية الكنائس والأديرة: لا هدم أو تحويل تدنيسي للمؤسسات الدينية المسيحية.
- حرية ممارسة الشعائر: أداء الصلوات والطقوس الدينية دون تدخل.
- الجزية: فرض ضريبة سنوية (جزية) كرمز للمواطنة الجزئية.
- عدم بناء كنائس جديدة، ولا ترميم ما تهدم منها بدون إذن.
- عدم التبشير أو تعليم الإسلام داخل دورهم.
- تمييز بالعلامة أو اللباس، بهدف التعرف، وليس إذلال دائم.
- لا إجبار على تغيير الدين، مع سماح داخل إطار الفضيلة الإسلامية المرعية.
- حفظ الأموال والممتلكات، وعدم مصادرة الخيرات أو الأراضي.
- العدل في القضاء: على أساس ديني خاص، مع تدخل مشترك أو إشراف مسلم.
- حق الذهاب والعودة: حرية التنقل داخل المدينة وخارجها.
- عدم التآمر مع أعداء الدولة.
- ضمان سلامة الطريق والتجارة، وعدم المضايقة.
- كفالة أهل الذمة أمام المسلمين، بمعنى أن الدولة تحميهم من اعتداءات المسلمين.
- إخضاع النفوس المنتمية لهم للمعاملة المدنية.
- المعاملة بالمثل في العفو أو الانتقام.
- ضمان حقوق الوفاة والدفن في مقابرهم.
- حظر العبودية على أساس دين: إن كانوا في السابق عبيدًا كان لهم الحق في العيش دون عبودية.
هذه البنود، على ما فيها من اختلاف دقيق حسب المدينة، ترسم روح “العهدة العمرية” التي تمثل نموذج التعايش الإسلامي مع أهل الذمة.
3. نموذج التعايش السلمي في حماة: الطبيعة والدلالات
3.1 التعايش السياسي
من خلال العهدة العقديّة والسياسية، تحول سكان حماة إلى مواطنين جزئيين، لهم حقوق وواجبات، ولم يغادروا مدينتهم. لم تُفرض عليهم التحولات العنيفة ولا الإكراه الديني، وكانت العلاقة بين الحكام الجدد وأهل الذمة علاقة منظمة ومحددة.
3.2 التعايش الاجتماعي والثقافي
احتفظ المسيحيون بلغة وثقافة خاصة، واستمر التعليم في مدارسهم، وبقيت مناسباتهم الدينية، دون تداخل إسلامي مباشر. استمر ويُقال أيضًا أن بعضهم دخل الإسلام طوعًا لاحقًا (لكن ذلك لم يكن مطلبًا). البنية المدنية المسيحية ظلت صامدة، ولا توجد دلائل أثرية تُشير إلى هدم واسع أو إعادة استخدام للمباني بطريقة قسرية.
3.3 التعايش الاقتصادي
مسح المسلمون الأراضي، واستمر التعامل التجاري بين سكان المدينة، وفتح المسلمون أسواقًا جديدة عن طريق ربط حماة بالطرقات الإسلامية، كما حافظوا على الصناعات والحرف التي كان المسيحيون يديرونها، مثل الطحن على نهر العاصي، والزراعة القمح والزيتون.
4. مقارنة بين فتح حماة ودمشق وحمص: أشكال الفتح وتباين المناهج
4.1 فتح دمشق: حصار طويل ثم تفوق سلمي
افتُتحت دمشق بعد حصار دام نحو 3–4 أشهر بسبب مقاومة أهلها، وفي نهايته قدم أهل دمشق عرضًا للصلح عبر واسطة من داخل المدينة. دخل أبو عبيدة من باب جابية صلحًا، بينما دخل خالد بن الوليد بجنوده بالدرب الشرقي بالقوة. تفاوتت الآليات، لكن الاتفاق النهائي تضمن حماية المسيحيين والكنائس، واستمرت نحو 15 كنيسة في المدينة بعد الفتح.
4.2 فتح حمص: نموذج دون دماء
دون مقاومة حقيقية، فُتحت حمص بالصلح وحده، فعُقدت العهدة العمرية مباشرة، وتم التفاهم مع زعماء المسيحيين على التسليم مقابل حماية أرواحهم وكنائسهم، واستمرار تجارتهم مقابل الجزية والمواطنة الجزئية.
4.3 فتح حماة: اتفاق مسبق أكثر سلاسة
حماة جاءت ضمن مرحلة تالية بعد حمص، واستقبلت المسلمين بطلب صلح مباشر. يظهر أن أهلها ارتأوا السلم بدل المواجهة، واتفّقوا على شروط العهدية بسرعة، قبل أن يولد أي نزاع مسلح. وبالتالي، فهي نموذج أكثر احترامًا لحقوق السكان وثبات التعايش من اللحظة الأولى.
4.4 الجدول المقارن:
المدينة | طبيعة الفتح | مدة الحصار | خيارات السكان قبل الفتح | وضع الكنائس المسيحية ما بعد الفتح |
---|---|---|---|---|
حماة | صلح مباشر، تفاوض | لا يوجد تقريبًا | طلب الصلح في وقت مبكر | الكنائس محفوظة، مع امتيازات حماية |
دمشق | حصار ثم صلح + دخول عنوة جزئي | 3–4 أشهر | بعض المقاومة المحلية، والطلب للصلح لاحقًا | 15 كنيسة بقيت، حماية مسبقة بعد الاتفاق |
حمص | صلح مباشر تمامًا | قصيرة جدًا أو لا شيء | تسليم مباشر ومفاوضات مسبقة | حفظ كامل لكنائسهم وأموالهم، بدون هدم |
5. دور الموقع الاستراتيجي لحماة في تعزيز الأمن الاقتصادي والسياسي
5.1 الموقع الجغرافي والتجاري
تقع حماة على حزام خط سكة نهر العاصي، وعلى ظهر سهل خصب في وسط سورية، بين دمشق وحلب وتحتل موقعًا محوريًا على طريق التجارة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. رقمها كمحطة مرور أساسية جعل من فتحها السلمي خطوة حيوية لضمان أمن خطوط التموين الغذائي والإمدادات العسكرية للدولة الناشئة.
5.2 تثبيت الدولة في الشام
بفضل السيطرة المدنية السلسة على حماة، استطاعت الدولة الإسلامية ضمان عمق أمني إضافي بعد فتح دمشق وحمص. وبالتالي، أصبحت الشام خاضعة لنظام سياسي موحد بسرعة، مع أقل تكلفة بشرية ومحدودية من مقاومة، ما دعّم مفهوم الإدارة المركزية الإسلامية.
5.3 تعزيز الاقتصاد الإسلامي
وجود حماة الآمن جعَل الأسواق مفتوحة للتجار من أنحاء الإمبراطورية، واستمرت الزراعة والصناعات المحلية (مثل طحن الحبوب وتنقية الزيت)، مع إعفاء أهل الذمة من الإكراه، ما أدى إلى استمرار الإنتاج وتدفق الرسوم والضرائب بشكل سلس.
6. انعكاسات فتح حماة على الدولة الإسلامية
6.1 انعكاس أخلاقي وقيمي
قدم فتح حماة نموذج دولة تحترم حقوق الأقليات الدينية، وتُثبت أن التعايش يمكن أن يكون خيارًا استراتيجيًا ذكيًا، وليس مجرد مكسب أخلاقي. هذا النموذج ساعد في تقليل مقاومات مستقبلية في فتح باقي المدن.
6.2 انعكاس إداري
اندمجت المدينة ضمن جند حمص الإداري، تحت إشراف عسكري مدني مشترك. واستعاد المسلمون النظام المالي مثل الجباية والتجارة بنفس النظام السابق لكن بإشراف جديد مع الحفاظ على الطابع المحلي المسيحي.
6.3 انعكاس استراتيجي
حماة أصبحت حاجزًا داخليًا مستقرًا بين المناطق المفتوحة حديثًا والمتبقية من الشام، ما سمح للدولة بتنفيذ التحويم العسكري والسيطرة دون الدخول في هوامش نزاع إضافية.
7. مصادر تاريخية وشهادات أثرية
7.1 المصادر العربية الكلاسيكية
من أبرز المصادر التي تتناول هذه الفترة: ابن عبد الحكم في “فتوح مصر والمغرب والأندلس”، والطبري والبُلدوري وكتيب “أخبار البلاد” التي ذكرت فتح الشام وترتيب دخول المدن. رغم أن التفاصيل لحماة محدودة، فإن النمط العام يظهر التماثل مع نمط فتح حمص ودمشق بنبرة سلمية.
7.2 الأدلة الأثرية
أبحاث حديثة في سوريا (وكانت حماة ضمنها) تُظهر أن غالبية المدن الشامية لم تشهد هدمًا ممنهجًا لكنائسها في القرن السابع. بل على العكس، ظهرت إشارات إلى استمرار التجديد والتوسع في بعض الكنائس خلال القرن الثامن. علماء مثل فريد دونر اشترطوا النقص في الأدلة الأثرية حول تدمير واسع في الشام القديم.
7.3 المراجع الوثائقية
المراجع المتوفرة مثل نصوص العهدة العمرية، والتي ذكرها بعض المؤرخين الحديثين كـ “كتاب الأمان” أو وثائق تصف شروط الاتفاق مع أهل المدينة، تشير إلى توقيع وثائق مكتوبة — وربما تم الاحتفاظ بنسخ في أرشيف الدولة الإسلامية المبكرة. لكن العديد من هذه الوثائق لم تُترجم أو تُنشر بالكامل إلى اليوم.
8. الأبعاد العقائدية والفقهية
8.1 التعايش الديني والإسلامي
يرى الفكر الإسلامي الرسمي أن الجزية كانت تعبيرًا عن التعايش المشروع، وليس عبودية، بينما كان المسيحيون وأهل الكتب ممنوعين من التوسع الديني داخل مناطقهم. ومن خلال هذا النموذج، تمكّن المسلمون من إقامة نظام ديني مدني منظم دون اضطهاد ممنهج. وهذه إحدى التجليات العملية لما يسميه الفقه الإسلامي المعاصر “ذمة الدولة” أو “كتاب العدل”.
8.2 الانعكاس الفقهي
ظهرت في لاحق العصور صيانة فقهية لهذه النماذج — مثل الماوردي وابن تيمية — مدافعةً عن أن “عقد العهد” مع أهل الذمة ليس مجرد اتفاق سياسي بل هو مبدأ فقهي شرعي، ومنه خرج مفهوم الضمان المعنوي للدماء والأموال والرقاب.
الخاتمة: قراءة في تجربة فتح حماة
يمثل الفتح الإسلامي لحماة عام 12 هـ / 633 م نموذجًا عمليًا محدود التراكم عبر التفاوض السلمي والعهدة العمرية التي مكنت المدينة من الاندماج ضمن الدولة الإسلامية دون نزيف دماء أو هدم. استعاد أهل الذمة حقوقهم في عبور الطريق وممارسة شعائرهم، واستمرت مؤسساتهم الدينية والاجتماعية دون تدخل إشكالي.
مقارنة بدمشق، التي شهدت حصارًا ثم صلحًا مصحوبًا بدخول عسكري جزئي، وبحَمص التي فُتحت بصلح مباشر كما حدث في حماة— فإن النموذج الحماوي يُمثل مثالًا فوقيًّا في التعايش والاندماج المدني من البداية.
أما من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، فيُعد فتح حماة خطوة محورية لضمان أمن خطوط التجارة والإمداد الزراعي والديموغرافي للدولة الإسلامية في الشام. وبفضل الإدارية المنظمة والتعايش المرجعي، أصبح بالإمكان إدارة مدينة كبيرة كمركز داخلي ضمن الدولة دون مواجهات واسعة أو اضطرابات مدنية.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو التاريخ الدقيق لفتح حماة؟
- السؤال: متى حدث فتح حماة وما هو الإطار الزمني لهذا الحدث؟
- الإجابة:
جرت أحداث فتح حماة في العام الثاني عشر للهجرة (633 م)، بالتحديد خلال الفترة التي أعقبت الانتصار الحاسم للمسلمين في معركة اليرموك. شكل هذا التاريخ نقطة تحول مهمة في توسع الدولة الإسلامية في بلاد الشام، إذ اتسم فتح حماة بالسرعة النسبية والتفاوض المبكر مع وجهاء المدينة. ورغم اختلاف الروايات حول الشهر الهجري والميلادي الدقيقين، تتفق المصادر التاريخية على أن صلح المدينة جرى قبل خريف 633 م، مما وفّر للدولة الإسلامية بوابة آمنة إلى شمال سورية.
2. من قاد عملية فتح حماة؟
- السؤال: من كان القائد المسؤول عن فتح حماة وما هي صفاته القيادية؟
- الإجابة:
تولاّه الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه)، أحد العشرة المبشرين بالجنة وأبرز قادة جيش الشام بعد اليرموك. امتاز أبو عبيدة بحنكته الدبلوماسية وقدرته الفائقة على الموازنة بين القوة العسكرية والتفاوض. فقد أرْسَل مبعوثين يطرحون شروط الصلح على وجهاء المسيحيين في المدينة، فقبلوا بالإطار الذي قدمه لهم ليضربوا بذلك مثالاً رائداً في فن قيادة الفتوحات الإسلامية، وجسّد نموذجاً فريداً في تاريخ الفتوحات الإسلامية بما فيها فتح حماة.
3. ما هي الظروف المحلية والدولية التي أحاطت بفتح حماة؟
- السؤال: كيف أثّرت الأوضاع البيزنطية والإسلامية في قرار فتح حماة؟
- الإجابة:
جاء فتح حماة في سياق عبْر الدولة البيزنطية مرحلة ضعف بعد صراعات داخلية طويلة، وزلزال موقعة اليرموك الذي أدّى إلى تراجع قواها في سورية. في المقابل، كانت الخلافة الإسلامية تحت حكم أبي بكر الصديق تتمتع بزخم معنوي وعسكري، وإرادة قوية لاستكمال السيطرة على الشام. داخلياً، كان ميزان القوة في صالح المسلمين بسبب استنزاف البيزنطيين من جهة، واندماج القبائل العربية من جهة أخرى. وقد استثمر المسلمون هذه المعطيات للدخول إلى حماة تفاوضياً بدلاً من القتال، فكانت إحدى نتائج هذه الاستراتيجية الناجحة فتح حماة.
4. ماذا تضمنت العهدة العمرية الخاصة بحماة؟
- السؤال: ما البنود الأساسية لعهدة عمر في حماة؟
- الإجابة:
نصّت العهدة على حماية الروح والكنائس والأموال مقابل الجزية التي يدفعها أهل الذمة سنوياً. كما نصّت على عدم هدم دور العبادة المسيحية أو فرض تغيير ديني بالقوة، والسماح بممارسة الطقوس داخل الكنائس دون مضايقة. اشتملت أيضاً على تنظيم اللباس تمييزاً دون إذلال، وضمان حرية التنقل والتجارة، ومنع التآمر مع الأعداء. هذا العقد السياسي ــــ الديني رسّخ نموذج العيش المشترك بين المسلمين وأهل الكتاب، وأكّد سلامة المدينة بعد توقيعها مباشرة في فتح حماة.
5. كيف كان التعايش الديني والاجتماعي بعد فتح حماة؟
- السؤال: ما طبيعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في حماة بعد الفتح؟
- الإجابة:
نشأت في حماة بيئة يقودها حكم إسلامي يضمن للمسيحيين حقوقهم كاملةً وفق العهدة، فاحتفظوا بمؤسساتهم التعليمية والدينية وأعيادهم. تجمعت المجتمعات في الأسواق المشتركة، واستؤنفت أنشطة الحرف والزراعة والصناعات المحلية. صيغت القوانين القضائية بحيث يكون المسلم قاضياً في النزاعات المختلطة، مع احترام الأحكام الخاصة بالديانات الأخرى في شؤون الأحوال الشخصية. لقد مثّل هذا الوضع نموذجاً لتعايش سلمي ومستقر، ومثّلت المدينة مثالاً يُحتذى به في فتح حماة.
6. ما أوجه المقارنة بين فتح حماة وفتح دمشق؟
- السؤال: كيف اختلفت آليات فتح حماة عن حصار وفتح دمشق؟
- الإجابة:
تميّز فتح دمشق بحصار دام نحو 3–4 أشهر واشتباكات محدودة، قبل أن يتوسط بعض وجهاء المدينة للصلح مع خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح. قام أبو عبيدة بالدخول صلحاً من الباب الجابية، بينما دخل خالد عبر الباب الشرقي بالقوة، ثم وُقّعت العهدة التي ضمنت حقوق المسيحيين. في المقابل، كان فتح حماة سلميّاً بالكامل من البداية، دون حصار يذكر، إذ جرَى اتفاق مسبق مع الإدارة والمدنيين قبل وصول الجيش، مما عزّز صورة الاندماج الفوري دون قتال.
7. كيف تقارن فتح حامة بفتح حمص؟
- السؤال: ما أوجه الشبه والاختلاف بين فتح حماة وفتح حمص؟
- الإجابة:
كلا المدينتين فتحتا صلحاً عبر العهدة العمرية التي حمت الحقوق المشروعة لأهل الذمة، لكن حمص قدّمت نموذجاً مبكراً في العام الخامس عشر للهجرة (636 م)، بينما جاء فتح حماة في العام الثاني عشر. في حمص جرى الصلح بسرعة دون أي مقاومة، واستمر المسيحيون في إدارة شؤونهم دون تمييز يذكر، فيما اتسم فتح حماة بتفاوض أكثر تنظيماً مع وجهاء المدينة قبل الانخراط ضمن جند حمص الإداري. فشكلتا معاً نموذجين من نماذج فتح المدن الشامية سلمياً مع اختلاف طفيف في توقيت الصلح وبنيته.
8. ما الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لفتح حماة؟
- السؤال: كيف ساهمت عملية فتح حماة في ضمان الأمن الاقتصادي للإمبراطورية الإسلامية؟
- الإجابة:
تتحكّم حامة بممرات نهر العاصي وبتقاطع طرق التجارة بين دمشق وحلب وبلاد الفرات. فتحها بسلام خفّض تكلفة تثبيت الأمن الداخلي وأغلق منافذ الخطر على خطوط الإمداد الغذائي والعسكري. كما استمر تدفّق الحبوب والزيتون والمنتجات الحرفية إلى الأسواق الإسلامية دون انقطاع، وزاد دخل الدولة من الضرائب والجزية. وقد مكّن ذلك القيادة من توجيه جيوشها نحو فتح باقي الشام والعراق بثقة كاملة بسلامة خطوط الإمداد في قلب سورية.
9. ما أبرز المصادر التاريخية التي تروي قصة فتح حماة؟
- السؤال: أي الكتب والمخطوطات تعتمد عليها الدراسات الحديثة في وصف فتح حماة؟
- الإجابة:
تستند أغلب الدراسات إلى مؤلفات الطبري وابن عبد الحكم والبلاذري التي تناولت سيرة الصحابة وفتوحاتهم، مع شهادات ابن إسحاق والمقاتل الإسلامي. كما اعتمد الباحثون الحديثون على أرشيف المخطوطات العربية والوثائق البيزنطية المعدومة تقريباً، إلى جانب التنقيبات الأثرية التي أكدت استمرارية حياة المدن الشامية دون دمار واسع. تُعتبر هذه المصادر المشتركة أساساً لرسم صورة واضحة عن سياق فتح حامة.
10. ما الدروس والعبر المستفادة من تجربة فتح حماة؟
- السؤال: ماذا يمكن أن نستفيد من فتح حماة في فهم التعايش الديني والسياسي؟
- الإجابة:
تقدّم تجربة فتح حماة درساً في القوة الناعمة والمرونة الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة الإسلامية في إدخال مدن قوية ضمن إطارها دون إجبار أو هدم. أظهرت أن التسامح الديني وحقوق الأقليات ليسا تنازلاً بل خياراً استراتيجياً يحقق استقراراً طويل الأمد ويُعزّز الولاء ويقلل تكلفة الصيانة العسكرية. كما بيّنت أن العقود السياسية ــــ الدينية مثل العهدة العمرية يمكن أن تشكل نموذجاً لإدارة التعدد الديني ضمن الدولة الواحدة.
11. كيف تم تنظيم الإدارة المحلية بعد فتح حماة؟
- السؤال: بعد إتمام فتح حماة وضمّها إلى الدولة الإسلامية، كيف كان الإطار الإداري والحكومي الذي نُفّذ في المدينة؟
- الإجابة:
عقب فتح حماة مباشرة، ضُمّت المدينة رسمياً إلى ولاية الشام ضمن جند حمص، وهو التقسيم العسكري–الإداري الذي اعتمدته الخلافة في تلك الحقبة لتنظيم بلاد الشام. تم تعيين والٍ أو أمير عسكري مدني برئاسة أبي عبيدة بن الجراح في البداية، مهمته استقبال الوفود المحلية والتفاوض مع وجهاء المسيحيين وفق بنود العهدة العمرية. على الصعيد القضائي، أقيمت محاكم مختلطة يرأسها قاضٍ مسلم للنظر في القضايا بين المسلمين وأهل الذمة، بينما ظلت محاكم الأحوال الشخصية—كالزواج والوصايا—تُعالج وفق الشريعة المسيحية تحت إشراف مباشر من الدولة. اقتصادياً، أعيد تنظيم مدّ المالية والزكاة والجزية بحيث تُحصّل من مختلف الأطياف السكانية، مع الحفاظ على الجباية التقليدية التي كان المسيحيون يدفعونها لبيزنطة سابقاً. أُدرجت أموال الجزية ضمن خزانة الشام لتعزيز تمويل الجيوش وحفظ الأمن على الطرق التجارية، ما جعل فتح حماة نقطة تحول في دمج البنى المحلية ضمن الإطار المركزي للخلافة.