قرية كفربهم: جوهرة الريف الحموي الجنوبي بتاريخها العريق وحاضرها الحيوي

محتوى المقالة
مقدمة
تُعد قرية كفربهم إحدى أبرز وأهم التجمعات السكانية في الريف الجنوبي لمحافظة حماة السورية، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يجعلها بوابة رئيسية للريفين الغربي والجنوبي للمحافظة. تقع هذه البلدة التاريخية على بعد يتراوح بين 7 إلى 9 كيلومترات جنوب غرب مدينة حماة. كما أن موقعها الحيوي يربطها بالمدن السورية الكبرى، حيث تبعد حوالي 210 كيلومترات عن العاصمة دمشق و160 كيلومترًا عن مدينة حلب.
تُعرف قرية كفربهم محليًا باسم “كفربو” ، وهي تسمية تعكس عمق ارتباطها بهويتها المحلية. يعود تاريخ هذه القرية إلى أكثر من ألفي عام، وهي تحتضن معالم طبيعية فريدة تتمثل في مغاور جيولوجية تحتوي على صواعد ونوازل يعود عمرها إلى ملايين السنين. هذا التداخل بين التاريخ البشري العريق والتشكيلات الجيولوجية القديمة جدًا يمنح قرية كفربهم مكانة مميزة كمركز يجمع بين التراث الثقافي الغني والعجائب الطبيعية. اقتصاديًا، تتميز البلدة بكونها مركزًا زراعيًا وصناعيًا في آن واحد ، مما يشير إلى تنوعها الاقتصادي وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي جزئيًا.
I. الموقع الجغرافي والخصائص الطبيعية
تتربع قرية كفربهم على هضبة مرتفعة جنوب غرب مدينة حماة ، ويبلغ ارتفاعها حوالي 330 مترًا فوق مستوى سطح البحر. وتحدد إحداثياتها الجغرافية بدقة عند 35°03′40″ شمالًا و36°41′50″ شرقًا.
تحيط بالقرية مجموعة من التلال والهضاب ذات الأهمية الجغرافية والتاريخية. فإلى الغرب منها بمسافة 2 كيلومتر يقع تل فيون، وإلى الشرق هضبة أبي سلوم، بينما تمتد هضبتا المكنس وكفر الدوس إلى الجنوب. يحمل تل فيون أهمية تاريخية خاصة، حيث شهد معركة في العهد الأيوبي بين ملك حماة وملك بعرين. هذا الموقع الطبوغرافي لم يكن مجرد سمة طبيعية، بل كان له دور استراتيجي في تحديد مسار الصراعات التاريخية، مما يؤكد أن موقع القرية لم يكن ملائمًا للاستيطان والزراعة فحسب، بل كان ذا أهمية عسكرية في عصور سابقة.
تتمتع قرية كفربهم بمناخ متوسطي، يتسم بشتاء بارد وماطر وصيف حار وجاف. يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية حوالي 18.3 درجة مئوية، ومعدل الأمطار السنوي 330 ملم. يتأثر المناخ بشكل كبير ببعد البلدة عن البحر الأبيض المتوسط، الذي يبعد عنها حوالي 80 كيلومترًا إلى الغرب، وكذلك بحاجز الجبال الساحلية. على الرغم من أن المناخ المتوسطي يرتبط عادة بوفرة الأمطار، إلا أن البلدة تعاني من ندرة الينابيع الطبيعية. ومع ذلك، فقد تمكن سكانها من التغلب على هذا التحدي من خلال استغلال مساحات واسعة للزراعة المروية باستخدام الآبار الارتوازية. هذا التكيف مع محدودية الموارد المائية الطبيعية من خلال الاستثمار في البنية التحتية للمياه يبرز قدرة المجتمع على الابتكار والمرونة في سبيل تحقيق الإنتاج الزراعي.
II. تاريخ قرية كفربهم وأصل التسمية
يحمل اسم قرية كفربهم دلالات تاريخية ولغوية عميقة. الجزء الأول من الاسم، “كفر”، يعني في اللغة السريانية “المزرعة” أو “القرية”. أما الجزء الثاني، “بهم”، فتتعدد تفسيراته، منها ما يشير إلى جمع كلمة “بهمى” وتعني “الصخرة”، أو “بَهْم” الذي يدل على “الرجل القوي”. وتذهب تفسيرات أخرى إلى أن الاسم قد يكون مشتقًا من “كفر آبو” بمعنى “الدار الكبيرة”، أو “كفر إبهام” نسبة إلى وجود إبهام القديس جاورجيوس في إحدى كنائسها. كما ظهرت مؤخرًا تفسيرات تربط الاسم بـ “قرية الحجارة الصلبة”.
هذا التنوع في التفسيرات اللغوية، بالإضافة إلى تسميتها مؤقتًا بـ “الغسانية” خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر (1958-1961) ، يعكس هوية متعددة الطبقات للقرية، متأثرة بخصائصها الطبيعية، صفات سكانها، رواياتها الدينية، والتحولات السياسية الوطنية.
شهدت قرية كفربهم تطورًا إداريًا وعمرانيًا ملحوظًا، حيث صدر أول مخطط تنظيمي لها عام 1961. تاريخيًا، كانت القرية ذات مكانة بارزة خلال العهد العثماني، فقد كانت مسقط رأس البطريرك إغناطيوس الثالث عطية (1619–1634) لبطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس. وفي منتصف القرن السابع عشر، وصفها البطريرك مكاريوس الثالث ابن الزعيم بأنها قرية غنية يبلغ عدد سكانها 1025 رجلًا. وبفضل وصولها إلى مياه نهر العاصي، أصبحت
قرية كفربهم في القرن الثامن عشر إحدى القرى الرئيسية لزراعة القطن في منطقة حماة. كما يعود أقدم مخطوط مؤرخ من دير مار جاورجيوس في القرية إلى عام 1805 ، مما يشير إلى حضور ديني وثقافي عريق. وفي أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر، استقطبت البلدة استثمارات من النخبة الحضرية في حماة، مثل آغا عبد الله آغا طيفور ، مما يؤكد جاذبيتها الاقتصادية المستمرة. هذه المعطيات التاريخية ترسم صورة لقرية ذات حيوية اقتصادية مستدامة وأهمية استراتيجية عبر العصور.
في عام 1991، قوبل طلب قرية كفربهم لتصبح مركزًا لناحية خاصة بها بالرفض من قبل الإدارة المحلية لمدينة حماة، التي سعت للحفاظ على نفوذها الإداري في المنطقة. هذا التوتر بين رغبة البلدة في الحكم الذاتي المحلي وسعي السلطة المركزية للحفاظ على سيطرتها، يوضح أن مسار التنمية الإدارية للقرية يمكن أن يتأثر بالاعتبارات السياسية الإقليمية الأوسع.
تاريخيًا، تعرضت البلدة لفترات من الهجران وتشتت السكان، شأنها شأن العديد من المناطق السورية، سواء بسبب الظلم والضغوط أو الكوارث الطبيعية. ويعود تاريخ الاستيطان الحالي في قرية كفربهم إلى القرن الثامن عشر، بعد فترة طويلة من الهجران امتدت من أوائل القرن السادس عشر إلى أوائل القرن الثامن عشر. يُعزى سبب هذا الهجران إلى تشتت الأسر الحموية خلال فتوحات السلطان سليم العثماني لسوريا. وقد خرجت من القرية عائلات كبيرة مثل “بني حنا النصراني”، و”الزعيمية” التي ينتمي إليها البطريرك مكاريوس الزعيم، و”بني عطية” التي ينتمي إليها البطريرك إغناطيوس عطية. كما هاجر العديد من الأسر إلى دمشق وشكلوا نواة أحياء مثل الميدان وباب توما.
III. التركيبة السكانية والديموغرافية
تُظهر التركيبة السكانية لـ قرية كفربهم ديناميكية وتعقيدًا ملحوظين. يبلغ عدد سكان البلدة حاليًا حوالي 18,000 نسمة. ومع ذلك، تشير سجلات الأحوال المدنية إلى أن عدد سكان البلدة يبلغ 21,983 نسمة، ويشمل هذا الرقم حوالي 1,000 نازح داخلي يقيمون في القرية. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن حوالي 2,000 نسمة من سكان البلدة قد هُجروا إلى خارج سوريا نتيجة للأحداث الأخيرة. وعند الأخذ في الاعتبار القرى التابعة لبلدة كفربهم، وهي قرية أيو (4,269 نسمة) ومزارع سيسكون والسمرة والطليسية (2,500 نسمة مجتمعة)، يصل إجمالي عدد المقيمين حاليًا في البلدة والقرى التابعة لها إلى حوالي 26,397 نسمة.
هذا التباين بين التقديرات السكانية وأرقام السجل المدني، بالإضافة إلى أعداد النازحين والمهجرين، يشير إلى وضع ديموغرافي معقد ومتغير، حيث قد تعكس الأرقام الرسمية تعدادًا قانونيًا أوسع بينما تمثل التقديرات السكان المقيمين فعليًا، مع تأثير كبير للصراعات الأخيرة على استقرار السكان وتوزيعهم.
تاريخيًا، شهدت قرية كفربهم نموًا سكانيًا مطردًا وملحوظًا على مدى عقود، مما يدل على تطورها وجاذبيتها كمركز للاستيطان. يوضح الجدول التالي هذا التطور:
العام | عدد السكان |
1922 | 1,453 |
1960 | 3,442 |
1970 | 6,120 |
1986 | 8,509 |
1990 | 10,112 |
2000 | 14,386 |
2007 | 17,379 |
2010 | 22,000 |
هذا النمو المستمر حتى عام 2010 يشير إلى فترة طويلة من الاستقرار والازدهار النسبي. ومع ذلك، فإن الأرقام الحديثة المتعلقة بالنزوح الداخلي والخارجي تمثل انقطاعًا واضحًا لهذا المسار التصاعدي، مما يعكس التأثير العميق للصراع السوري الأوسع على التركيبة السكانية للقرية.
لطالما كانت الهجرة ظاهرة بارزة في تاريخ قرية كفربهم. يزيد عدد المهاجرين من البلدة عن 37,000 نسمة، ويقيم غالبيتهم العظمى في الأرجنتين. بدأت هذه الهجرة الكبيرة في مطلع القرن العشرين، ويفوق عدد المهاجرين إلى الأرجنتين بكثير عدد السكان المقيمين حاليًا في البلدة. هذا الانتشار الواسع للمغتربين يؤثر بشكل كبير على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للقرية، ويضيف بعدًا دوليًا لتركيبتها الديموغرافية.
IV. الاقتصاد والأنشطة المعيشية في قرية كفربهم
تعتمد قرية كفربهم على اقتصاد مزدوج يجمع بين الزراعة والصناعة ، مما يمنحها قاعدة اقتصادية متنوعة ومرنة. يتميز القطاع الزراعي في القرية بخصوبة أراضيه الواسعة التي تمتد على مساحة تقدر بـ 68 ألف دونم. وتشتهر البلدة بزراعة الحبوب وجميع أنواع الخضروات ، بالإضافة إلى القمح والقطن كمحاصيل رئيسية. تاريخيًا، كانت القرية تنتج أيضًا التبغ والزيتون والتين والعنب.
يعتمد النشاط الزراعي بشكل كبير على الري، حيث تُروى مساحات واسعة من الأراضي باستخدام الآبار الارتوازية لدعم المحاصيل الصيفية والشتوية. ففي عام 1944، كانت 1,100 دونم مخصصة للزراعة المروية. هذا الاعتماد على الآبار الارتوازية يسلط الضوء على الإدارة الاستراتيجية للمياه والاستثمار التكنولوجي الذي يمكّن قرية كفربهم من تحقيق إنتاج زراعي عالٍ، خاصة في ظل المناخ المتوسطي الذي يتميز بصيف جاف ومحدودية الينابيع الطبيعية. كما تساهم تربية المواشي، بما في ذلك الأبقار والدواجن، في دعم الاقتصاد المحلي.
أما القطاع الصناعي في قرية كفربهم فهو مزدهر، ويعود ذلك إلى كثرة المقالع فيها التي تنتج مواد البناء الأساسية مثل الرمل والبحص. وتشتهر البلدة أيضًا بكثرة مناشر الأحجار ، مما يعكس نشاطًا صناعيًا قويًا في مجال مواد البناء. تاريخيًا، كانت القرية تضم صناعات تقليدية مثل مطحنة للحبوب، ومعصرتين للزيت، وفرنًا لصناعة التبغ، ومعامل بدائية لتصنيع الكلس، وذلك حسب سجلات عام 1944. هذا التنوع الاقتصادي، الذي يشمل الزراعة والصناعات التحويلية واستخراج المواد الخام، يمنح قرية كفربهم مرونة اقتصادية ويقلل من اعتمادها على قطاع واحد، مما يعزز قدرتها على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية.
V. المعالم الأثرية والدينية والطبيعية
تزخر قرية كفربهم بتراث ثقافي وطبيعي غني، يتجلى في معالمها الأثرية والدينية الفريدة وتشكيلاتها الجيولوجية النادرة. من أبرز معالمها الدينية كنيسة السيدة العذراء وكنيسة مار جاورجيوس. ويُعد دير مار جاورجيوس ذا أهمية تاريخية، حيث يعود أقدم مخطوط مؤرخ فيه إلى عام 1805.
تُعتبر كاتدرائية مار الياس (النبي إيليا الغيور) من أهم الصروح الدينية في البلدة، وتُصنف كواحدة من أكبر الكنائس في سوريا والشرق الأوسط. بدأ وضع حجر الأساس لبنائها عام 1993، وشُيدت بجهود فردية وتبرعات من أبناء البلدة. هذا الاستثمار الجماعي في البنية التحتية الدينية يعكس تماسك المجتمع في قرية كفربهم وتفانيه في الحفاظ على إرثه الروحي، وقدرته على حشد الموارد لمشاريع كبرى. وتحتوي الكاتدرائية أيضًا على ذخائر مقدسة للقديسين دميانوس وقوزما.
إلى جانب المعالم الدينية، تحتضن قرية كفربهم مغاور جيولوجية فريدة من نوعها، تتميز بوجود صواعد ونوازل مذهلة يقدر عمرها بملايين السنين. تقع هذه المغاور في الجهة الجنوبية لمقلع أسمنت حماة، وتمتد لمسافة 90 مترًا، بعمق يتراوح بين 30 و40 مترًا تحت سطح الأرض. تُعد هذه التشكيلات الطبيعية كنزًا جيولوجيًا، حيث يستغرق تشكل كل 18 سنتيمترًا منها حوالي 2,000 سنة.
ويُذكر أن ملامسة هذه التشكيلات بأصابع الإنسان قد تؤخر عملية تشكلها بـ 10 سنوات بسبب المواد الدهنية على الجلد ، مما يؤكد هشاشتها وضرورة الحفاظ عليها. تتراوح حالة المغاور بين تهشم كامل بنسبة 10% وجزئي بنسبة 30%، غالبًا بسبب التدخل البشري، بينما الباقي في حالة جيدة جدًا، ويضم تشكيلات بلورية رائعة تشبه الإبر. هذه المعلومات التفصيلية عن المغاور لا تصفها كمعالم سياحية فحسب، بل تؤكد أهميتها كأرشيف طبيعي لا يقدر بثمن يتطلب جهودًا حثيثة للحفظ والسياحة المسؤولة.
كما يبرز تل فيون، الواقع غرب البلدة، كمعلم طبيعي جميل وذو شهرة، بالإضافة إلى أهميته التاريخية كموقع لمعركة أيوبية.
VI. الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد
تتميز قرية كفربهم بنسيج اجتماعي متماسك وروابط أسرية قوية، حيث يسود فيها شعور عميق بالتعاون والدعم المتبادل. لا تزال القيم التقليدية مثل “المروءة” و”الشهامة” متجذرة بين سكانها ، مما يعكس بوصلة أخلاقية قوية توجه سلوكياتهم.
تتجلى المشاركة المجتمعية بوضوح في المناسبات الاجتماعية، خاصة الأعراس، حيث يساهم الجميع في الاحتفالات. تتسم تقاليد الزواج في قرية كفربهم بطقوسها العريقة والمفصلة: ترتدي النساء “الشينعة” (لباس تقليدي)، ويقمن بالرقص لعدة أيام، غالبًا حتى الفجر. وتُعد “الأهازيج” فنًا شعبيًا أصيلًا، تُردد خلال المسيرات والاحتفالات الوطنية والاجتماعية والدينية. هذا الاهتمام بالتفاصيل في العادات والملابس التقليدية (مثل “الطاقية” و”المحرمة” و”التنورة” و”السَلْطة” للنساء ) يؤكد أن مجتمع قرية كفربهم لا يكتفي بتوريث هويته الثقافية، بل يسعى بنشاط للحفاظ عليها والاحتفاء بها، مما يشكل مصدرًا قويًا للصمود في وجه التغيرات.
تشمل طقوس الزفاف أيضًا زف العريس في الشوارع، ووضع العروس للعجين على باب المنزل عند وصولها، وجلب الماء من العين في اليوم الثاني للزواج. وتُعد التجمعات المجتمعية أمرًا شائعًا، حيث يجتمع الأهالي غالبًا في منزل مختار القرية، يحتسون القهوة العربية السادة ويستمعون إلى الحكواتي وهو يروي القصص الملحمية. كما يتجلى روح التعاون القوي خلال مواسم الحصاد، حيث يسارع الجيران إلى مساعدة بعضهم البعض. وتُعزز الروابط المجتمعية أيضًا من خلال عادات اجتماعية أخرى مثل زيارة المقابر وتناول كعك العيد. هذا التماسك الاجتماعي القوي هو ركيزة أساسية لقوة قرية كفربهم، مما يمكّن سكانها من مواجهة التحديات بشكل جماعي والحفاظ على استقرارهم.
VII. التحديات الراهنة والمشاريع التنموية
تواجه قرية كفربهم مجموعة من التحديات الملحة التي تؤثر على جودة الحياة والبنية التحتية الأساسية. أبرز هذه التحديات يتعلق بتدهور البنية التحتية، حيث تعاني شوارع البلدة من حاجة ماسة للصيانة، ولم يتم تنفيذ طبقات زفتية عليها لأكثر من عقد من الزمان. هناك مشروع زفتي كبير متوقف منذ عام 2010 بسبب هجرة المتعهد ونقص السيولة المادية لدى البلدية. هذا الوضع يؤدي إلى طرق ضيقة ومكسرة، مما يتسبب في حوادث متكررة، خاصة في الليل.
تُعد إدارة النفايات الصلبة تحديًا كبيرًا أيضًا، حيث تقوم البلدية بترحيل حوالي 20 طنًا من النفايات يوميًا إلى مكب مكشوف يقع شرقي البلدة بالقرب من المنطقة الصناعية. كما يوجد موقع مخصص لترحيل القمامة في منطقة الوعر الغربية لم تتمكن البلدية من استخدامه سابقًا. هذا الوضع يؤدي إلى تراكم القمامة وانتشار الحشرات والقوارض.
مشكلة الصرف الصحي هي إحدى أكبر المشاكل التي تواجه قرية كفربهم. فقد توقف مشروع صرف صحي بدأ قبل عام 2011 بعد إنجاز أقل من ربعه. وتعتمد البلدة حاليًا على مصرف زراعي لتصريف مياه الصرف الصحي ، مما يشكل مخاطر صحية وبيئية جسيمة. هذه المشاكل المتراكمة في البنية التحتية، من طرق متهالكة إلى إدارة نفايات غير فعالة ومشروع صرف صحي معلق منذ سنوات، تشير إلى مشكلة نظامية عميقة في توفير الخدمات العامة وصيانتها. وتُضاف إلى ذلك إشارات إلى خلافات داخل المجلس البلدي تعيق المشاريع، بما في ذلك مشروع المنطقة الصناعية ، مما يدل على أن الحلول تتطلب ليس فقط التمويل بل أيضًا قيادة محلية فعالة وتنسيقًا.
كما أبلغ السكان عن مشاكل في جودة مياه الشرب. وفي قطاع التعليم، هناك نقص في عدد المدرسين وتدني رواتبهم، مما يدفعهم غالبًا إلى الدروس الخصوصية، الأمر الذي قد يؤثر على جودة التعليم العام. أما بالنسبة لمرافق الشباب، فإن المركز الحالي يقع في منطقة نائية، مما يصعب على الشباب الوصول إليه، وهناك حاجة ملحة لموقع أكثر مركزية وسهولة في الوصول.
على الرغم من هذه التحديات، هناك جهود تنموية جارية ومقترحة في قرية كفربهم. فقد تم تخصيص 29 مليون ليرة سورية من المحافظة لدعم ترميم الشوارع، وبدأت الخدمات الفنية أعمال الترميم في البلدة وفي قرية أيو التابعة لها. كما سيتم تعبيد الشارع الرئيسي في مزرعة سيسكون التابعة للقرية. وفيما يتعلق بالصرف الصحي، يجري حاليًا إعداد دراسة لمشروع صرف صحي شامل يغطي جميع التجمعات التابعة للبلدة.
وتقوم البلدية بشكل روتيني بأعمال تقليم الأشجار وأعمال العزق وإزالة الأنقاض من الجزر الطرقية. ومع ذلك، فإن حجم المشاكل المتراكمة، مثل الطرق التي لم تُصن منذ أكثر من عقد ومشروع الصرف الصحي المتوقف لسنوات طويلة، يشير إلى أن المبادرات الحالية، وإن كانت إيجابية، قد لا تكون كافية أو سريعة بما يكفي لمعالجة الإهمال المتراكم والاحتياجات الملحة لـ قرية كفربهم. هذا يبرز فجوة بين حجم التحديات ووتيرة وحجم الحلول، مما يتطلب استثمارًا أكبر وتخطيطًا استراتيجيًا مستدامًا.
الخاتمة
تُعد قرية كفربهم نموذجًا فريدًا للتراث السوري الغني، فهي تجمع بين عمق التاريخ، وجمال الطبيعة الخلاب المتمثل في مغاورها الجيولوجية العتيقة، وحيوية اقتصادية تعتمد على الزراعة والصناعة المتنوعة، بالإضافة إلى روح مجتمعية قوية ومتماسكة. موقعها الاستراتيجي في ريف حماة الجنوبي قد منحها دورًا محوريًا عبر العصور، وشكلت نقطة التقاء للحضارات والطبيعة.
على الرغم من التحديات الراهنة التي تواجهها قرية كفربهم في مجالات البنية التحتية والخدمات الأساسية، فإن إرادة أبنائها وجهود التنمية المبذولة، وإن كانت تحتاج إلى تعزيز، تبشر بإمكانية تجاوز هذه الصعوبات. يكمن مستقبل القرية في الاستفادة من أصولها الفريدة: تاريخها العريق الذي يجذب الباحثين، ومعالمها الدينية التي تعكس عمق إيمان أهلها، ومغاورها الطبيعية التي يمكن أن تكون ركيزة للسياحة البيئية المستدامة. إن الاستثمار المستمر في البنية التحتية، وتعزيز الحوكمة الفعالة، والتخطيط الاستراتيجي الشامل، كلها عوامل ضرورية لضمان النمو المستقبلي. وفي نهاية المطاف، فإن صمود أهل قرية كفربهم ومرونتهم، التي تجلت عبر قرون من التغيرات والتحديات، ستظل المحرك الأساسي لازدهار هذه الجوهرة في الريف الحموي.
الأسئلة الشائعة
1. أين تقع قرية كفربهم وما هي أهميتها الجغرافية؟
تقع قرية كفربهم في الريف الجنوبي لمحافظة حماة السورية، على بعد 7 إلى 9 كيلومترات جنوب غرب مدينة حماة. تُعد موقعًا استراتيجيًا لأنها بوابة رئيسية للريفين الغربي والجنوبي للمحافظة، وتربطها بالمدن السورية الكبرى مثل دمشق وحلب. كما أنها تتربع على هضبة مرتفعة تبلغ حوالي 330 مترًا فوق سطح البحر، وتحيط بها تلال وهضاب ذات أهمية تاريخية وجغرافية، مثل تل فيون.
2. ما هو أصل تسمية “كفربهم” وماذا تعني؟
يعود أصل تسمية “كفربهم” إلى اللغة السريانية، حيث يعني الجزء الأول “كفر” المزرعة أو القرية. أما الجزء الثاني “بهم” فله عدة تفسيرات، منها “الصخرة” أو “الرجل القوي”. هناك أيضًا تفسيرات تربط الاسم بـ “كفر آبو” (الدار الكبيرة) أو “كفر إبهام” نسبةً لوجود إبهام القديس جاورجيوس في إحدى كنائسها، أو “قرية الحجارة الصلبة”.
3. ما هي أهم المعالم الطبيعية والأثرية في كفربهم؟
تتميز كفربهم بمعالم طبيعية فريدة مثل المغاور الجيولوجية التي تحتوي على صواعد ونوازل يعود عمرها لملايين السنين. هذه المغاور تقع في الجهة الجنوبية لمقلع أسمنت حماة وتمتد لمسافة 90 مترًا. أما المعالم الأثرية والدينية فتشمل كنيسة السيدة العذراء وكنيسة مار جاورجيوس، وأهمها كاتدرائية مار الياس (النبي إيليا الغيور) التي تُصنف كواحدة من أكبر الكنائس في سوريا والشرق الأوسط. بالإضافة إلى تل فيون ذو الأهمية التاريخية كونه موقع معركة أيوبية.
4. كيف تصف التركيبة السكانية لقرية كفربهم؟
تُظهر التركيبة السكانية لكفربهم تعقيدًا وديناميكية. يبلغ عدد السكان المقيمين حاليًا حوالي 18,000 نسمة، بينما تشير سجلات الأحوال المدنية إلى 21,983 نسمة، منهم حوالي 1,000 نازح داخلي. كما يُقدر أن حوالي 2,000 نسمة هُجروا خارج سوريا. عند إضافة القرى التابعة، يصل إجمالي عدد المقيمين إلى حوالي 26,397 نسمة. تاريخيًا، شهدت القرية نموًا سكانيًا مطردًا حتى عام 2010.
5. ما هو الدور الذي لعبته الهجرة في تاريخ كفربهم؟
لعبت الهجرة دورًا بارزًا في تاريخ كفربهم. يزيد عدد المهاجرين من البلدة عن 37,000 نسمة، ويقيم غالبيتهم العظمى في الأرجنتين. بدأت هذه الهجرة الكبيرة في مطلع القرن العشرين، ويفوق عدد المهاجرين بكثير عدد السكان المقيمين حاليًا، مما يؤثر بشكل كبير على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للقرية ويضيف بعدًا دوليًا لتركيبتها الديموغرافية.
6. ما هي الأنشطة الاقتصادية الرئيسية التي تعتمد عليها قرية كفربهم؟
تعتمد قرية كفربهم على اقتصاد مزدوج يجمع بين الزراعة والصناعة. في الزراعة، تُعرف بخصوبة أراضيها الواسعة (68 ألف دونم) وتشتهر بزراعة الحبوب وجميع أنواع الخضروات، بالإضافة إلى القمح والقطن. يعتمد النشاط الزراعي بشكل كبير على الري باستخدام الآبار الارتوازية. أما القطاع الصناعي فيزدهر بفضل المقالع الكثيرة التي تنتج مواد البناء مثل الرمل والبحص، وكثرة مناشر الأحجار. تاريخيًا، كانت تضم صناعات تقليدية مثل مطحنة للحبوب ومعاصر للزيت.
7. ما هي أبرز التحديات التي تواجه كفربهم حاليًا؟
تواجه كفربهم عدة تحديات ملحة، أبرزها تدهور البنية التحتية، حيث تعاني الشوارع من نقص الصيانة وتوقف مشاريع الزفت منذ عام 2010. كما تُعد إدارة النفايات الصلبة تحديًا كبيرًا بسبب ترحيل 20 طنًا يوميًا إلى مكب مكشوف. تُعد مشكلة الصرف الصحي من أكبر المشاكل، حيث توقف مشروع الصرف الصحي ويعتمد السكان على مصرف زراعي. إضافة إلى ذلك، هناك مشاكل في جودة مياه الشرب، ونقص في عدد المدرسين، وصعوبة الوصول إلى مرافق الشباب.
8. ما هي الجهود التنموية الجارية أو المقترحة في كفربهم لمواجهة هذه التحديات؟
على الرغم من التحديات، هناك جهود تنموية. تم تخصيص 29 مليون ليرة سورية لترميم الشوارع، وبدأت أعمال الترميم في البلدة والقرى التابعة. يتم حاليًا إعداد دراسة لمشروع صرف صحي شامل، وتقوم البلدية بأعمال روتينية مثل تقليم الأشجار وإزالة الأنقاض. ومع ذلك، يشير المقال إلى أن هذه المبادرات قد لا تكون كافية لمعالجة حجم الإهمال المتراكم.
9. كيف يصف المقال الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد في كفربهم؟
تتميز كفربهم بنسيج اجتماعي متماسك وروابط أسرية قوية، يسود فيها شعور بالتعاون والدعم المتبادل، وتتجلى قيم مثل “المروءة” و”الشهامة”. تتضح المشاركة المجتمعية في المناسبات، خاصة الأعراس، التي تتميز بتقاليد عريقة ومفصلة، مثل ارتداء النساء لـ “الشينعة” والرقص لعدة أيام وترديد “الأهازيج”. كما يُعد التماسك الاجتماعي القوي خلال مواسم الحصاد ومن خلال التجمعات في منزل المختار وزيارة المقابر ركيزة أساسية لقوة القرية.
10. ما الذي يجعل قرية كفربهم “نموذجًا فريدًا للتراث السوري الغني”؟
تُعد كفربهم نموذجًا فريدًا لأنها تجمع بين عمق التاريخ (أكثر من ألفي عام)، وجمال الطبيعة الخلاب المتمثل في مغاورها الجيولوجية العتيقة، وحيوية اقتصادية تعتمد على الزراعة والصناعة المتنوعة، بالإضافة إلى روح مجتمعية قوية ومتماسكة. موقعها الاستراتيجي ودورها المحوري عبر العصور، وصمود أهلها ومرونتهم، كل ذلك يجعلها جوهرة في الريف الحموي.