خالد بك العظم: رئيس الوزراء السوري ومذكراته التاريخية

محتوى المقالة
مقدمة
خالد العظم (1903-1965) كان أحد أبرز السياسيين السوريين في القرن العشرين، حيث شغل منصب رئيس الوزراء ست مرات ورئيسًا مؤقتًا للجمهورية السورية عام 1941. ينحدر من عائلة العظم الدمشقية المرموقة، التي كان لها دور بارز في السياسة العثمانية والسورية. ساهم العظم في تشكيل سوريا الحديثة خلال فترة مضطربة سياسيًا، وترك إرثًا موثقًا في مذكراته التاريخية التي نُشرت بعد وفاته عام 1973. تقدم هذه المذكرات رؤى قيمة حول الديناميكيات السياسية في سوريا والمنطقة خلال منتصف القرن العشرين، مما يجعلها مصدرًا أساسيًا للمؤرخين والباحثين.
الحياة المبكرة والخلفية
وُلد خالد العظم في 6 نوفمبر 1903 في دمشق، في قلب عائلة العظم، وهي إحدى العائلات السياسية البارزة في العهد العثماني. كان والده، محمد فوزي باشا العظم، شخصية بارزة شغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الدينية في الدولة العثمانية. أما والدته، إيفاكت الإستانبولي، فكانت حفيدة الوالي العثماني عثمان باشا. سُمي خالد تيمنًا بالصحابي خالد بن الوليد بعد زيارة والدته لضريحه في حمص. تلقى تعليمه في معهد الحقوق العربي في دمشق، وتخرج عام 1923 بدرجة في القانون، لكنه اختار العمل في الزراعة والصناعة بدلاً من القانون. تزوج مبكرًا من سنية، ابنة القاضي راشد باشا مردم بك، وحضر الملك فيصل الأول حفل زفافه، مما يعكس مكانة عائلته الاجتماعية.
بدأ العظم مسيرته المهنية في إدارة أملاك عائلته الواسعة، ثم عُين مديرًا لمعمل الإسمنت الوطني في دمر عام 1930 بتكليف من فارس الخوري. كما عمل مستشارًا لبلدية دمشق بين عامي 1938 و1940، مما مهد الطريق لدخوله السياسة.
المسيرة السياسية
بدأت مسيرة خالد العظم السياسية رسميًا عام 1939 كوزير للخارجية والعدل في حكومة نصوحي البخاري. في عام 1941، تولى منصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية المؤقت من أبريل إلى سبتمبر، وهي فترة شهدت دخول قوات الحلفاء إلى سوريا خلال الحرب العالمية الثانية. شغل منصب رئيس الوزراء ست مرات في الفترات التالية:
- 8 أبريل 1941 – 21 سبتمبر 1941
- 16 ديسمبر 1946 – 29 ديسمبر 1946
- 16 ديسمبر 1948 – 30 مارس 1949
- 27 ديسمبر 1949 – 4 يونيو 1950
- 27 مارس 1951 – 9 أغسطس 1951
- 17 سبتمبر 1962 – 9 مارس 1963
خلال هذه الفترات، شغل أيضًا مناصب وزارية متعددة، بما في ذلك وزير المالية (1949)، الخارجية (1955)، والدفاع (1956). كان معروفًا بسياسته الوسطية، حيث حافظ على استقلاليته عن الأحزاب الرئيسية مثل حزب الشعب والكتلة الوطنية، مما مكنه من تشكيل حكومات ائتلافية.
من إنجازاته البارزة تأسيس غرفة صناعة دمشق عام 1935، وإنشاء معمل الإسمنت الوطني عام 1930، وإطلاق مشروع ميناء اللاذقية عام 1950 بتكلفة 25 مليون ليرة سورية، بهدف تقليل الاعتماد على ميناء بيروت. في السياسة الخارجية، سعى لتقوية العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، حيث وقّع اتفاقية عسكرية-اقتصادية عام 1957 بقيمة 700 مليون دولار. كما حضر مؤتمر باندونغ عام 1955، داعيًا إلى الحياد في الحرب الباردة، ورفض المساعدات الأمريكية بموجب برنامج ترومان.
واجه العظم معارضة سياسية قوية، خاصة من الرئيس شكري القوتلي، الذي اتهمه بالتسلط. خسر الانتخابات الرئاسية عام 1955 أمام القوتلي، وواجه النفي عدة مرات، بما في ذلك إلى فرنسا عام 1947 ولبنان خلال حكم أديب الشيشكلي (1951-1954). عارض الوحدة مع مصر عام 1958، وساهم في صياغة وثيقة الانفصال عام 1961. بعد انقلاب البعث عام 1963، لجأ إلى السفارة التركية ثم انتقل إلى لبنان، حيث عاش في ظروف مالية صعبة بعد مصادرة ممتلكاته.
مذكراته التاريخية
كتب خالد العظم مذكراته أثناء نفيه في بيروت، حيث نُشرت لأول مرة في جريدة النهار اللبنانية لكسب العيش. جُمعت هذه المذكرات لاحقًا في ثلاثة مجلدات ونُشرت عام 1973 بعد وفاته. تتناول المذكرات مسيرته السياسية، وتوفر منظورًا شخصيًا لأحداث رئيسية في تاريخ سوريا والمنطقة، بما في ذلك الحرب العالمية الثانية، حرب 1948، والوحدة مع مصر.
من أبرز النقاط في مذكراته تصريحه حول حرب 1948 واللاجئين الفلسطينيين، حيث كتب: “لقد جلبنا الدمار على مليون لاجئ عربي، بدعوتنا إياهم والتوسل إليهم لمغادرة أراضيهم ومنازلهم وأعمالهم، مما تسبب في بؤسهم وبطالتهم رغم أن كل واحد منهم كان يعمل ومؤهلًا لكسب عيشه” (المذكرات، المجلد الأول، بيروت 1973). هذا التصريح مثير للجدل، حيث يُستخدم في النقاشات حول مسؤولية النكبة، ويُنظر إليه كدليل على دور الحكومات العربية في أزمة اللاجئين، لكنه يُفسر أيضًا في سياقات مختلفة حسب وجهات النظر.
تتضمن المذكرات أيضًا تفاصيل عن تفاعلاته مع قادة بارزين، مثل لقائه بالملك عبد العزيز آل سعود في الرياض قبل النكبة عام 1948، حيث وصف الملك كشخصية مهيبة تتابع الأخبار العالمية عن كثب. كما تناول آراءه حول السياسة الداخلية السورية، بما في ذلك معارضته لبعض السياسات والقادة مثل شكري القوتلي. تُعتبر المذكرات مصدرًا أساسيًا للمؤرخين، لكن يُنصح بقراءتها مع مصادر أخرى لفهم السياق الكامل، خاصة في الموضوعات الحساسة مثل النكبة.
الإرث
يُذكر خالد العظم كسياسي وسطي عمل على تحديث الاقتصاد السوري وتعزيز السيادة الوطنية. لُقب بـ”المليونير الأحمر” بسبب تحالفاته البراغماتية مع الشيوعيين رغم إيمانه بالاقتصاد الليبرالي. ساهم في إرساء أسس الدولة السورية الحديثة، لكنه لم يحظَ بتكريم رسمي في سوريا، حيث رفضت السلطات تسمية شوارع أو مدارس باسمه. مع ذلك، تظل مذكراته مصدرًا حيويًا لفهم التحديات السياسية والاقتصادية التي واجهت سوريا في تلك الفترة.
توفي العظم في بيروت في 18 فبراير 1965، ودُفن بجوار الإمام الأوزاعي، بعيدًا عن دمشق التي أحبها. على الرغم من الظروف الصعبة التي عاشها في نهاية حياته، فإن إسهاماته ومذكراته تستمر في إلهام الباحثين والمهتمين بتاريخ سوريا الحديث.
الخاتمة
خالد بك العظم كان شخصية محورية في السياسة السورية، حيث ترك بصمة واضحة من خلال فترات رئاسته للوزراء وجهوده في تطوير سوريا. مذكراته التاريخية، التي كتبها في المنفى، توفر نافذة فريدة على تعقيدات السياسة في الشرق الأوسط خلال منتصف القرن العشرين. تظل هذه المذكرات مصدرًا لا غنى عنه لفهم تاريخ سوريا، مع الأخذ في الاعتبار الجدل حول بعض الروايات التي تضمنتها. من خلال حياته وكتاباته، يبقى العظم رمزًا للتحديات والطموحات التي شكلت سوريا الحديثة.
الأسئلة الشائعة
1. من هو خالد العظم؟
خالد العظم (1903-1965) كان سياسيًا سوريًا بارزًا في القرن العشرين، شغل منصب رئيس الوزراء ست مرات بين عامي 1941 و1963، بالإضافة إلى توليه رئاسة الجمهورية السورية بشكل مؤقت في عام 1941. وُلد في دمشق لعائلة العظم المرموقة، وهي عائلة دمشقية عريقة لعبت دورًا كبيرًا في السياسة العثمانية والسورية على مدى قرون. شارك العظم في تشكيل سوريا الحديثة خلال فترة مضطربة شهدت الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، والصراعات السياسية الداخلية، والتحديات الإقليمية مثل حرب 1948. كتب مذكراته التاريخية أثناء نفيه في بيروت، وتُعتبر هذه المذكرات مصدرًا قيمًا لفهم السياسة السورية والعربية في منتصف القرن العشرين، حيث تضمنت رؤاه حول الأحداث الكبرى وتجاربه الشخصية كزعيم سياسي.
2. ما هي مسيرة خالد العظم السياسية؟
بدأ خالد العظم مسيرته السياسية في أواخر الثلاثينيات، حيث شغل منصب وزير الخارجية عام 1939، ثم أصبح رئيسًا للوزراء لأول مرة في عام 1941. خلال مسيرته، تولى رئاسة الحكومة السورية ست مرات، مما يعكس دوره المركزي في السياسة السورية خلال فترة مضطربة. ساهم في مشاريع اقتصادية كبرى مثل تأسيس غرفة صناعة دمشق، وإنشاء معمل الإسمنت الوطني، وتطوير ميناء اللاذقية لتعزيز الاستقلال الاقتصادي السوري عن ميناء بيروت. في السياسة الخارجية، سعى لتقوية العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وحضر مؤتمر باندونغ عام 1955 الذي عزز حركة عدم الانحياز. واجه معارضة سياسية قوية أدت إلى نفيه عدة مرات، وانتهت مسيرته بالنفي إلى بيروت بعد انقلاب حزب البعث عام 1963، حيث عاش حتى وفاته عام 1965.
3. ما هي مذكرات خالد العظم وأهميتها؟
كتب خالد العظم مذكراته أثناء إقامته في بيروت بعد نفيه إثر انقلاب البعث عام 1963. نُشرت هذه المذكرات لأول مرة في جريدة النهار اللبنانية، ثم جُمعت في ثلاثة مجلدات عام 1973 بعد وفاته. تتناول المذكرات تجاربه السياسية خلال فترات رئاسته للوزراء، وتفاعلاته مع قادة بارزين مثل الملك عبد العزيز آل سعود، وآرائه حول أحداث كبرى مثل حرب 1948 والنكبة الفلسطينية. اشتهرت المذكرات بتصريحه المثير للجدل حول دور الحكومات العربية في تشجيع الفلسطينيين على مغادرة ديارهم خلال حرب 1948، وهو ما جعلها موضوع نقاش واسع. تُعتبر هذه المذكرات مصدرًا أساسيًا للمؤرخين المهتمين بالتاريخ السوري والعربي، لكن يُنصح بقراءتها بحذر بسبب الجدل المحيط ببعض رواياتها.
4. ما هو دور خالد العظم في حرب 1948؟
كان خالد العظم رئيسًا للوزراء السوري خلال حرب 1948، وشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتدخل العسكري العربي في فلسطين لمواجهة إنشاء دولة إسرائيل. في مذكراته، ذكر أن الحكومات العربية شجعت الفلسطينيين على مغادرة ديارهم، وهو تصريح أثار جدلاً كبيرًا. يرى البعض أن هذا التصريح يُظهر مسؤولية الحكومات العربية عن تفاقم أزمة اللاجئين، بينما يعتبر آخرون أنه يُستخدم للتقليل من مسؤولية إسرائيل عن تهجير الفلسطينيين فيما عُرف بالنكبة. يبقى دوره في هذه الحرب موضوع تحليل تاريخي، حيث يُنظر إليه كشخصية حاولت التعامل مع التحديات الإقليمية في ظروف معقدة.
5. ما هي إنجازات خالد العظم الاقتصادية؟
ركز خالد العظم على تطوير البنية التحتية السورية خلال فترات رئاسته للوزراء. من أبرز إنجازاته الاقتصادية تأسيس معمل الإسمنت الوطني، الذي ساهم في دعم الصناعة المحلية، وإنشاء غرفة صناعة دمشق لتعزيز القطاع الصناعي. كما قاد مشروع تطوير ميناء اللاذقية لتقليل الاعتماد على ميناء بيروت ودعم الاستقلال الاقتصادي السوري. في السياسة الخارجية، وقّع اتفاقية عسكرية واقتصادية مع الاتحاد السوفيتي عام 1957، مما ساهم في تطوير الصناعات السورية من خلال الدعم التقني والاقتصادي. تُظهر هذه الإنجازات رؤيته لتحديث سوريا اقتصاديًا وسط تحديات سياسية داخلية وخارجية.
6. لماذا أُجبر خالد العظم على النفي؟
واجه خالد العظم معارضة سياسية شديدة طوال مسيرته، خاصة من خصوم مثل الرئيس شكري القوتلي، الذي اتهمه بالتسلط والسعي للسيطرة على السلطة. بعد خسارته الانتخابات الرئاسية عام 1955 أمام القوتلي، نُفي إلى فرنسا ولبنان خلال حكم أديب الشيشكلي. عاد لاحقًا ليواجه تحديات جديدة، لكن انقلاب حزب البعث عام 1963 شكّل النهاية الفعلية لمسيرته السياسية في سوريا. بعد الانقلاب، لجأ إلى السفارة التركية في دمشق ثم انتقل إلى بيروت، حيث عاش في ظروف مالية صعبة بعد مصادرة ممتلكاته، مما أجبره على كتابة مذكراته لكسب العيش.
7. ما هو موقف خالد العظم من الوحدة مع مصر؟
عارض خالد العظم الوحدة بين سوريا ومصر التي أُعلنت عام 1958 تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، معتبرًا أنها ستؤدي إلى هيمنة مصر على سوريا وتقويض السيادة السورية. شارك في صياغة وثيقة الانفصال عام 1961، التي أنهت هذه الوحدة بعد ثلاث سنوات من التوترات السياسية والاقتصادية. كان موقفه يعكس رؤيته للحفاظ على الاستقلال السوري، وهو ما جعله يصطدم مع التيار القومي العربي الذي قاده جمال عبد الناصر. يُعد هذا الموقف من أبرز النقاط التي ميزت سياسته الوسطية.
8. ما هو إرث خالد العظم؟
يُذكر خالد العظم كسياسي وسطي ساهم في تحديث سوريا وتعزيز استقلالها الاقتصادي والسياسي. رغم نفيه ومصادرة ممتلكاته، ترك إرثًا مهمًا من خلال إنجازاته مثل تطوير البنية التحتية ومذكراته التي تُعد مرجعًا تاريخيًا. يُنظر إليه كشخصية حاولت التوفيق بين التحديات الداخلية والخارجية في فترة حرجة من تاريخ سوريا، مما جعله رمزًا للاستقلالية والعمل الوطني. تظل مذكراته شاهدًا على دوره وتحليلاته للأحداث التي عاصرها، رغم الجدل المحيط ببعض آرائه.
9. ما هي الجدل حول مذكرات خالد العظم؟
تُعتبر مذكرات خالد العظم مصدرًا تاريخيًا غنيًا، لكنها أثارت جدلاً بسبب تصريحاته حول اللاجئين الفلسطينيين خلال حرب 1948. ذكر العظم أن الحكومات العربية شجعت الفلسطينيين على مغادرة ديارهم، وهو ما يُستخدم من البعض كدليل على مسؤولية العرب عن النكبة، بينما يرى آخرون أن هذا التصريح يُستغل للتقليل من مسؤولية إسرائيل عن التهجير. هذا الجدل جعل المذكرات موضوع نقاش بين المؤرخين، حيث يُطالب البعض بقراءتها في سياقها التاريخي والسياسي لفهم دوافع العظم وتجربته الشخصية.
10. كيف كانت حياة خالد العظم في المنفى؟
بعد انقلاب البعث عام 1963، لجأ خالد العظم إلى السفارة التركية في دمشق ثم انتقل إلى بيروت، حيث عاش في ظروف مالية صعبة نتيجة مصادرة ممتلكاته من قبل النظام الجديد. خلال هذه الفترة، كتب مذكراته ونشرها في جريدة النهار اللبنانية لكسب العيش، مما يعكس التحديات التي واجهها بعد عقود من العمل السياسي. توفي في بيروت عام 1965، ودُفن بعيدًا عن دمشق، وهو ما يُظهر نهاية مؤلمة لشخصية كانت من أبرز قادة سوريا في تاريخها الحديث.