بلدة عقيربات: تاريخ، صمود، وتطلعات في ريف حماة الشرقي

محتوى المقالة
مقدمة
تُعدّ بلدة عقيربات، الواقعة في قلب ريف محافظة حماة الشرقي بسوريا وتابعة إداريًا لمنطقة سلمية، أكثر من مجرد نقطة على الخريطة؛ إنها بؤرة جغرافية ذات ثقل تاريخي وإستراتيجي، لطالما كانت شاهدة على تقلبات الزمن. فمنذ نشأتها في عام 1900، تركت عقيربات بصمتها في صفحات التاريخ، وتجذّرت في الأرض بآثارها العريقة التي تعود إلى عصور غابرة.
لكنّ العقود الأخيرة، وبخاصة سنوات الصراع الدامي في سوريا، قد ألقت بظلالها الكثيفة على هذه البلدة الوادعة. فما بين الحصار والقصف، مرورًا بالهجمات الكيمـ.ـيائية والمعـ.ـارك الشـ.ـرسة، وصولًا إلى سيطرة الجمـ.ـاعات المسـ.ـلحة، شهدت عقيربات فصولًا قاسية من المعاناة الإنسانية والدمار الواسع. تحوّلت البلدة إلى مسرح لأحداث جسام، ما جعلها محطّ أنظار الباحثين والمهتمين بالوضع السوري، الساعين لفهم أعمق لما جرى ويجري فيها.
تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل شامل ومتعمق لبلدة عقيربات، بدءًا من موقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي يربط مناطق حيوية، مرورًا بلمحتها الديموغرافية التي تكشف عن حجم النزوح والاضطراب السكاني، ثم الغوص في تاريخها الغني بالآثار البيزنطية التي تروي قصص حضارات عريقة، وصولًا إلى استعراض صراعات العصر الحديث التي مزّقت نسيجها. كما ستتناول المقالة الواقع الاقتصادي والخدمي الحالي في البلدة، لتسلط الضوء على النقص الحاد في الخدمات الأساسية، وفي الوقت ذاته، تبرز بصيص الأمل المتمثل في المستشفى الجراحي الذي صمد في وجه الدمار.
أخيرًا، ستُسلط المقالة الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجه عقيربات في مسيرة إعادة الإعمار، مع التركيز على صمود أهلها وتطلعاتهم الملحة للمستقبل. إنها قصة منطقة تضرب جذورها عميقًا في التاريخ، لكنها في الوقت ذاته، تعيش واقعًا معقدًا يتطلب فهمًا دقيقًا لتحدياتها الراهنة وآفاقها المستقبلية، وهي دعوة للتفكير في كيفية دعم هذه البلدة وأهلها في رحلتهم نحو التعافي وإعادة بناء الحياة.
تُعد بلدة عقيربات مركز ناحية تقع في ريف محافظة حماة الشرقي بسوريا، وتتبع إدارياً لمنطقة سلمية. تُشكل هذه البلدة نقطة جغرافية ذات أهمية تاريخية وإستراتيجية، وقد شهدت أحداثاً جساماً خلال السنوات الأخيرة، مما جعلها محط أنظار الباحثين والمهتمين بالوضع السوري. تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل شامل لموقع بلدة عقيربات الجغرافي، لمحتها الديموغرافية، تاريخها الغني بالآثار والصراعات الحديثة، واقعها الاقتصادي والخدمي، والتحديات التي تواجهها في مسيرة إعادة الإعمار، مع تسليط الضوء على صمود أهلها وتطلعاتهم للمستقبل. إنها قصة منطقة تضرب جذورها عميقاً في التاريخ، لكنها في الوقت ذاته، تعيش واقعاً معقداً يتطلب فهماً دقيقاً لتحدياتها الراهنة وآفاقها المستقبلية.
الموقع الجغرافي والتقسيم الإداري لبلدة عقيربات
تقع بلدة عقيربات في ريف محافظة حماة الشرقي، وتحديداً ضمن منطقة سلمية. تبعد البلدة حوالي 85 كيلومتراً شرق مدينة حماة. تُظهر الإحداثيات الجغرافية أن بلدة عقيربات تقع عند 35.043050°N 37.465696°E أو 35.0431283°N 37.4654719°E ، وقد تأسست في عام 1900.
تُعد بلدة عقيربات مركز ناحية عقيربات الإدارية، والتي تضم عدداً من القرى المحيطة بها. من أبرز هذه القرى سوحا، حمادة عمر، رسم العوابد، أبو حنايا، وأم ميل. هذا الموقع يجعلها محوراً إدارياً وخدمياً لمساحة واسعة من الريف الشرقي لحماة. إن كونها مركزاً لناحية يمنحها أهمية إدارية وخدمية للقرى التابعة لها، مما يعني أنها نقطة محورية للتجمعات السكانية في المنطقة. كما أن موقعها عند السفح الغربي لجبل البلعاس وعلى طول الطريق الذي يربط تدمر بمدينة سلمية يبرز أهميتها الإستراتيجية. هذا الموقع الحيوي، الذي يربط مناطق صحراوية بمدن أكثر استقراراً، يفسر جزئياً لماذا كانت بلدة عقيربات منطقة متنازع عليها بشدة قبل سقوط نظام الأسد، حيث أن السيطرة على مثل هذه المحاور الطرقية تعد حاسمة للتحركات اللوجستية والسيطرة على الأراضي.
لمحة ديموغرافية: سكان بلدة عقيربات والتحديات السكانية
وفقاً لتعداد عام 2004، بلغ عدد سكان ناحية عقيربات الإدارية 21,004 نسمة. أما بلدة عقيربات نفسها، فقد بلغ عدد سكانها 2,745 نسمة في نفس التعداد. هذا التباين في الأرقام يوضح أن البلدة هي المركز الإداري لسكان ريفيين أكبر بكثير، مما يعكس طبيعة المنطقة الزراعية والرعوية.
خلال سنوات الحرب، شهدت المنطقة تحولات ديموغرافية واسعة النطاق. في عام 2017، قُدر عدد السكان في المنطقة المحاصرة بحوالي 50,000 مدني، نزح منهم 35,000، بينما بقي 15,000 عالقين. هذه الأرقام، التي تشير على الأرجح إلى الناحية بأكملها أو المنطقة الأوسع الخاضعة للحصار، تُظهر حجم النزوح الهائل الذي تعرضت له المنطقة. وقد تمكنت مئات العائلات من الفرار من جحيم الحصار، حيث وصل أكثر من 300 مدني، بينهم نساء وأطفال، إلى منطقة ميزناز بريف إدلب ، بينما قامت وحدات من الجيش بتأمين خروج 300 عائلة (أكثر من 1000 مدني) إلى بلدة رسم سيفو جنوب بلدة السعن بريف حماة الشرقي. كما وصلت 80 عائلة، تضم حوالي 500 شخص، إلى مراكز إيواء مؤقتة في حلب.
الكيان | السكان (تعداد 2004) | بلدة عقيربات (البلدة) |
بلدة عقيربات (البلدة) | 2,745 نسمة | – |
ناحية عقيربات (الناحية) | 21,004 نسمة | – |
المنطقة المحاصرة (2017) | – | 50,000 مدني |
النازحون من المنطقة المحاصرة (2017) | – | 35,000 مدني |
الباقون في المنطقة المحاصرة (2017) | – | 15,000 مدني |
إن الفارق الكبير بين عدد سكان البلدة وعدد سكان الناحية، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة للنازحين، يؤكد حجم الاضطراب الديموغرافي العميق الذي شهدته المنطقة. هذا الاضطراب لم يقتصر على المركز الحضري، بل امتد ليشمل الريف الواسع المحيط بـ بلدة عقيربات، مما أدى إلى أزمات إنسانية معقدة وتحديات هائلة أمام عودة السكان.
يواجه العائدون إلى بلدة عقيربات والقرى المحيطة بها تحديات جسيمة، بما في ذلك الدمار الواسع ونقص الخدمات الأساسية. الحياة “على التراب” أصبحت واقعاً مريراً يعكس الفقر العام في سوريا. قصص المعاناة خلال الحصار، مثل نقص الدواء والعطش الشديد الذي أودى بحياة الأطفال والماشية ، تسلط الضوء على الكلفة البشرية الباهظة للنزاع. ومع ذلك، فإن إصرار الناس على العودة إلى “بيوت الأجداد” وإعادة بناء حياتهم، على الرغم من هذه الظروف القاسية، يبرز ارتباطهم العميق بأرضهم ومرونتهم الاستثنائية في مواجهة الشدائد. هذا التمسك بالجذور هو عامل حاسم في أي جهود للتعافي على المدى الطويل.
عقيربات عبر التاريخ: من الآثار البيزنطية إلى صراعات العصر الحديث
تُعد بلدة عقيربات منطقة غنية بالآثار التي تروي قصص حضارات قديمة. تم اكتشاف ثلاث لوحات فسيفسائية مهمة تعود للقرن الخامس الميلادي، أي العصر البيزنطي، في محيطها. هذه الاكتشافات تمت خلال عمليات تمشيط المنطقة بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي. تُشكل هذه اللوحات جزءاً من أرضية كنيسة بازيليكية، وتظهر فيها زخارف نباتية ورسومات لطيور متنوعة مثل الطاووس والحجل والحمام والبط والببغاء. كما تحتوي على نصوص كتابية باللغة اليونانية. إحدى هذه اللوحات تبلغ مساحتها 450 متراً مربعاً. هذا الجانب من تاريخ بلدة عقيربات يضيف بعداً ثقافياً عميقاً، ويؤكد على استمرارية الوجود البشري والحضاري في هذه الأرض عبر آلاف السنين.
بلدة عقيربات في الحرب الأهلية السورية
لم تسلم بلدة عقيربات من ويلات الحرب في سورية، حيث شهدت أحداثاً مؤسفة تركت بصماتها العميقة على سكانها وبنيتها التحتية.
- حوادث مبكرة: في 14 سبتمبر 2013، تعرضت بلدة عقيربات لقصـ.ـف مدفعـ.ـي وجوي من قبل قوات الأسد البائد، مما أسفر عن مقتـ.ـل 6 أشخاص.
- هجوم كيمـ.ـيائي (ديسمبر 2016): في 12 ديسمبر 2016، تعرضت عدة بلدات وقرى في منطقة بلدة عقيربات بريف حماة الشرقي لقصـ.ـف جوي مكثف بغـ.ـازات سـ.ـامة، يُعتقد أنها غاز السـ.ـارين، من قبل الطيران الروسي-السوري. أسفر هذا الهجوم عن استشهاد أكثر من 70 مدنياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 200 آخرين بحالات اختـ.ـناق. وقد توزعت الضـ.ـحايا على قرى جروح، الصلالية، حمادة عمر، والقسطل، وذلك في فترة كانت المنطقة تحت سيطرة تنـ.ـظيم الدولـ.ـة الإسـ.ـلامية.
- معركة عقيربات (سبتمبر 2017): وقعت معركة بلدة عقيربات بين 1 و3 سبتمبر 2017، حيث هاجمت قوات الجيش السوري المدعومة من روسيا وإيران البلدة لاستعادة السيطرة عليها من تنـ.ـظيم الدولـ.ـة. على الرغم من استعادة السيطرة الأولية، شن مقاتلو التنـ.ـظيم هجوماً مضاداً عنيفاً واستعادوا البلدة، قبل أن ينجح الجيش الأسدي في النهاية في استعادتها. أسفرت الاشـ.ـتباكات عن مقـ.ـتل ما لا يقل عن 40 مدنياً خلال الأيام العشرة السابقة للمعركة.
- سيطرة تنظـ.ـيم الدولـ.ـة: كانت بلدة عقيربات والمنطقة المحيطة بها تحت سيطرة تنظـ.ـيم الدولـ.ـة لفترة طويلة، مما أثر بشكل كبير على حياة المدنيين وأدى إلى تدمير البنية التحتية بسبب القصف من الطيران.
التاريخ | الحدث | التأثير |
14 سبتمبر 2013 | قصـ.ـف مدفعـ.ـي وجوي من قبل قوات النظام | مقـ.ـتل 6 مدنيين |
12 ديسمبر 2016 | هجوم كيميـ.ـائي مشتبه (غاز السـ.ـارين) من قبل الطيران الروسي-السوري | استشهاد أكثر من 70 مدنياً (غالبيتهم أطفال ونساء)، وأكثر من 200 حالة اختناق في قرى الناحية |
1-3 سبتمبر 2017 | معركة عقيربات (جيش الأسد/روسيا/إيران ضد تنظـ.ـيم الدولة) | استعادة السيطرة، هجوم مضاد للتنـ.ـظيم، ثم استعادة نهائية؛ مقـ.ـتل 40 مدنياً خلال 10 أيام في المنطقة |
فترة سيطرة تنظـ.ـيم الدولة | سيطرة تنظـ.ـيم الدولة الإسـ.ـلامية | دمار واسع نتيجة القصف |
تُظهر هذه الأحداث أن بلدة عقيربات لم تكن مجرد منطقة متضررة من الصراع، بل كانت مسرحاً لأنواع متعددة من العـ.ـنف، من القصـ.ـف التقليدي إلى الهجـ.ـمات الكيمـ.ـيائية والمعـ.ـارك البرية الشرسـ.ـة. إن استهداف المدنيين بالأسـ.ـلحة الكيمـ.ـيائية، حتى عندما كانت المنطقة تحت سيطرة تنظـ.ـيم إسـ.ـلامي، يكشف عن مستوى غير مسبوق من الوحـ.ـشية وتجاهل أرواح المدنيين من قبل الروس والإيرانيين ونظام الأسد البائد. هذا المشهد المعقد للصراع، بما في ذلك استغلال الموارد، يوفر فهماً شاملاً لحجم التحديات التي تواجهها بلدة عقيربات اليوم في سعيها للتعافي.
الواقع الاقتصادي والخدمي في بلدة عقيربات
تتمتع منطقة بلدة عقيربات بإمكانات زراعية كبيرة، حيث تُعد من المناطق الغزيرة بالأمطار في محافظة حماة، وقد سجلت 19 ملم في تشرين الثاني 2022، مما يدعم زراعة المحاصيل مثل القمح. وقد تم العثور على كميات كبيرة من القمح (أكثر من 2500 طن) مخبأة في محيط البلدة بعد انسحاب قوات الأسد منها. هذا يشير إلى أن نظام الأسد استغل الموارد الزراعية للمنطقة بدلاً من دعم تنميتها المستدامة. تاريخياً، اشتهرت المنطقة بأنشطة تجارة الغنم والخيل ، مما يعكس طبيعة اقتصادية ريفية تقليدية تعتمد على الثروة الحيوانية.
على الرغم من هذه الإمكانات، تعاني ناحية بلدة عقيربات والقرى التابعة لها من نقص حاد في الخدمات الأساسية. فـ 73 قرية تفتقر للخدمات الصحية والتعليمية. الكهرباء شبه معدومة في معظم القرى باستثناء عدد قليل مثل جروح وجب الأبيض. كما أن خدمة الاتصالات الخلوية سيئة للغاية أو منعدمة بسبب تعرض أبراج الاتصالات للتدمير.
القطاع | الحالة |
التعليم | 89 مدرسة بحاجة لإعادة تأهيل؛ 73 قرية تفتقر للخدمات التعليمية |
الكهرباء | معدومة في معظم القرى باستثناء عدد قليل |
الاتصالات | سيئة جداً أو معدومة بسبب تدمير الأبراج |
الرعاية الصحية | مستشفى عقيربات الجراحي يعمل منذ 2012، يقدم خدمات مجانية متخصصة؛ 73 قرية تفتقر للخدمات الصحية |
الطرق/البنية التحتية | ترحيل الأنقاض وفتح وتسوية الطرق الترابية جارٍ؛ البنية التحتية متضررة بشدة |
المياه | جهود لتوفير الخدمات الأساسية للمياه |
على الرغم من النقص العام في الخدمات، يوجد في بلدة عقيربات مستشفى عقيربات الجراحي، الذي تأسس عام 2012. يقدم هذا المشفى خدمات مجانية متخصصة في جراحة العظام والترميم، ويشمل قسم إسعاف يعمل على مدار الساعة، وعيادات، وخدمات تأهيل، وأطراف صناعية. يعالج المشفى حوالي 100 مريض يومياً، ويتلقى دعماً من منظمات إغاثية مثل اتحاد المنظمات الإغاثية السورية (UOSSM) و Action for Humanity. هذا التناقض بين الانهيار العام للخدمات ووجود مؤسسة صحية متخصصة ونشطة يشير إلى أن جهود التعافي قد تكون مجزأة، مع تركيز الدعم الإنساني على الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، مثل الرعاية الطبية المتخصصة.
هناك جهود مبذولة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة. أطلقت مديرية الخدمات الفنية بحماة حملة خدمية واسعة في ناحية بلدة عقيربات لتحسين الواقع الخدمي بعد عودة الأهالي، شملت ترحيل الأنقاض وفتح وتسوية الطرق الترابية، وذلك ضمن مبادرة “حماة تنبض من جديد”. كما قام محافظ حماة بزيارات إلى قرى مثل حمادة عمر في ريف بلدة عقيربات لمناقشة إعادة تأهيل البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء. هذه المبادرات، وإن كانت محدودة مقارنة بحجم الدمار، تعكس بداية لجهود إعادة الحياة إلى المنطقة.
تحديات إعادة الإعمار ومستقبل بلدة عقيربات
تعاني بلدة عقيربات والقرى المحيطة بها من دمـ.ـار واسع النطاق، سواء كلي أو جزئي، نتيجة سنوات الصراع. هذا الدمار يشمل البنية التحتية والمنازل، مما يجعل تحدي إعادة الإعمار هائلاً. على الرغم من انتهاء المرحلة العسكرية الرئيسية للصراع في بلدة عقيربات بسقوط نظام الأسد، فإن التحديات الحقيقية تكمن في معالجة إرث الدمـ.ـار ونقص الخدمات والفقر. إن الحاجة إلى “ترحيل الأنقاض” و”إعادة تأهيل القرى” وواقع “الحياة على التراب” يؤكد أن إعادة الإعمار المادية هي مهمة ضخمة ومستمرة.
هناك جهود مبذولة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة، بما في ذلك حملات ترحيل الأنقاض وتسوية الطرق الترابية ودعم القطاعات الخدمية المحلية، ضمن مبادرات تهدف إلى “إعادة الحياة تدريجياً” إلى المنطقة. هذه الجهود تأتي في سياق أوسع لمشاريع إعادة الإعمار في المناطق المتضررة بسوريا. وتُظهر هذه المبادرات أن التعافي ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو مسار متعدد الأبعاد يشمل إعادة بناء البنية التحتية، وإعادة تأهيل النسيج الاجتماعي، واستعادة سبل العيش، واستعادة الثقة في المؤسسات.
على الرغم من الصعوبات الجمة، يمتلك أهالي بلدة عقيربات عزيمة قوية على العودة إلى منازلهم وإعادة إعمارها، متشبثين بأرضهم ومصرين على “إعادة إنتاج الحياة فيها”. هناك تطلعات لإحياء المهن التقليدية ودعم الأرياف السورية بشكل عام. هذه الروح من الصمود والتصميم هي المحرك الأساسي لأي عملية تعافٍ ناجحة. إن وتيرة هذه الجهود وحجمها، بالإضافة إلى الحاجة إلى استثمارات مستدامة واستقرار سياسي، ستحدد مستقبل بلدة عقيربات وقدرتها على استعادة حيويتها.
الخلاصة والتوصيات
بلدة عقيربات هي بلدة سورية ذات تاريخ عريق، شهدت في السنوات الأخيرة تحولات دراماتيكية وصراعات مدمرة. من اكتشافات الفسيفساء البيزنطية التي تروي قصص حضارات قديمة، إلى ويلات الحرب الأهلية والهجمات الكيميائية والنزوح الجماعي، تجسد بلدة عقيربات صمود الشعب السوري في مواجهة المحن. إنها قصة منطقة تضرب جذورها عميقاً في التاريخ، لكنها في الوقت ذاته، تعيش واقعاً معقداً يتطلب فهماً دقيقاً لتحدياتها الراهنة وآفاقها المستقبلية. إن طريق التعافي طويل وشاق، ويتطلب جهوداً منسقة ومتكاملة.
لضمان مستقبل أفضل لبلدة عقيربات وسكانها، يوصى بالآتي:
- الدعم الإنساني الموجه: استمرار وتكثيف الدعم الإنساني، لا سيما في قطاعات الصحة (مع دعم خاص لمستشفى عقيربات الجراحي) والتعليم، لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان العائدين. هذا الدعم ضروري للحفاظ على الأرواح وتحسين نوعية الحياة الفورية.
- إعادة تأهيل البنية التحتية: إعطاء الأولوية لمشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية، مثل شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، لتسهيل عودة السكان وتحسين ظروف معيشتهم. فبدون هذه الخدمات الأساسية، ستظل العودة إلى بلدة عقيربات محفوفة بالصعوبات.
- التمكين الاقتصادي: دعم المبادرات المحلية لإحياء الأنشطة الاقتصادية التقليدية والزراعية في بلدة عقيربات، وتوفير فرص عمل لتمكين الأهالي من إعادة بناء حياتهم وتحقيق الاكتفاء الذاتي. إن استعادة القاعدة الاقتصادية أمر حيوي للتعافي المستدام.
- الحفاظ الثقافي: حماية وتوثيق الآثار المكتشفة في بلدة عقيربات، والعمل على عرضها بشكل لائق، كجزء من الهوية الثقافية للبلدة ومساهمة في التراث الإنساني. فهذه الآثار ليست مجرد حجارة، بل هي شهادة على تاريخ المنطقة العريق.
- الاستقرار طويل الأمد: العمل على تحقيق استقرار شامل في المنطقة يضمن سلامة العائدين ويشجع على الاستثمار في إعادة الإعمار والتنمية المستدامة. إن تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي هو الأساس الذي تبنى عليه جميع جهود التعافي الأخرى.
إن التعافي الشامل لـ بلدة عقيربات يعتمد على نهج متكامل يجمع بين إعادة البناء المادي، واستعادة الخدمات، وتمكين الاقتصاد، والحفاظ على الثقافة، كل ذلك ضمن بيئة مستقرة.
الأسئلة الشائعة
1. أين تقع بلدة عقيربات وما هي أهميتها الجغرافية والإدارية؟
تقع بلدة عقيربات في ريف محافظة حماة الشرقي بسوريا، وتتبع إداريًا لمنطقة سلمية. تبعد حوالي 85 كيلومترًا شرق مدينة حماة، عند السفح الغربي لجبل البلعاس. تكمن أهميتها الجغرافية في موقعها الاستراتيجي على طول الطريق الذي يربط مدينة تدمر التاريخية بمدينة سلمية، مما يجعلها محورًا لوجستيًا حيويًا. إداريًا، تُعد عقيربات مركز ناحية يضم عددًا من القرى المحيطة بها مثل سوحا وحمادة عمر، مما يمنحها دورًا خدميًا وإداريًا محوريًا لسكان الريف الشرقي لحماة.
2. ما هو التطور الديموغرافي لبلدة عقيربات وناحيتها قبل وبعد الصراع؟
وفقًا لتعداد عام 2004، بلغ عدد سكان بلدة عقيربات نفسها 2,745 نسمة، بينما وصل عدد سكان ناحية عقيربات الإدارية إلى 21,004 نسمة. هذه الأرقام تعكس طبيعة المنطقة الريفية واعتماد القرى على البلدة كمركز إداري وخدمي. خلال سنوات الحرب، شهدت المنطقة تحولات ديموغرافية هائلة؛ ففي عام 2017، قُدر عدد السكان في المنطقة المحاصرة بنحو 50,000 مدني، نزح منهم حوالي 35,000، بينما بقي 15,000 عالقين. هذا النزوح الكبير أدى إلى أزمات إنسانية معقدة، وما زال العائدون يواجهون تحديات جسيمة في ظل الدمار ونقص الخدمات.
3. ما هي أبرز الآثار التاريخية المكتشفة في عقيربات؟
تُعد عقيربات منطقة غنية بالآثار، وقد تم اكتشاف ثلاث لوحات فسيفسائية مهمة تعود للقرن الخامس الميلادي (العصر البيزنطي) في محيطها. هذه اللوحات، التي عُثر عليها بعد دحر تنظيم داعش، تشكل جزءًا من أرضية كنيسة بازيليكية، وتظهر فيها زخارف نباتية ورسومات لطيور متنوعة مثل الطاووس والحجل، بالإضافة إلى نصوص كتابية باللغة اليونانية. تُشير هذه الاكتشافات إلى العمق التاريخي والحضاري للمنطقة، وتبرز استمرارية الوجود البشري فيها عبر آلاف السنين.
4. كيف تأثرت بلدة عقيربات بالحرب السورية؟
تأثرت بلدة عقيربات بشكل كبير بالحرب السورية، وشهدت أحداثًا مؤسفة. ففي سبتمبر 2013، تعرضت لقصـ.ـف مدفـ.ـعي وجوي أسفر عن مقتل 6 أشخاص. وفي ديسمبر 2016، تعرضت عدة قرى في الناحية لهجـ.ـوم كيمـ.ـيائي بغـ.ـازات سـ.ـامة، يُعتقد أنها غاز السـ.ـارين، مما أودى بحياة أكثر من 70 مدنيًا وإصابة المئات. كما شهدت البلدة “معركة عقيربات” في سبتمبر 2017، حيث دارت اشـ.ـتباكات عنـ.ـيفة بين قوات الأسد ومقاتلي تنظـ.ـم الدولـ.ـة، أدت إلى مقـ.ـتل عشرات المدنيين ودمار واسع.
5. ما هي أبرز الهجـ.ـمات الكيمـ.ـيائية التي تعرضت لها المنطقة؟
في 12 ديسمبر 2016، تعرضت عدة بلدات وقرى في منطقة عقيربات بريف حماة الشرقي لقصف جوي مكثف بغـ.ـازات سـ.ـامة، يُعتقد أنها غاز السـ.ـارين، من قبل الطيران الروسي-السوري. أسفر هذا الهـ.ـجوم عن استشهاد أكثر من 70 مدنيًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 200 آخرين بحالات اختـ.ـناق. وقد توزعت الضـ.ـحايا على قرى جروح، الصلالية، حمادة عمر، والقسطل. تُظهر هذه الحادثة المستوى غير المسبوق من الوحشـ.ـية التي شهدتها المنطقة وتجاهل أرواح المدنيين.
6. ما هو الواقع الاقتصادي في عقيربات؟ وما هي أبرز مواردها؟
تتمتع منطقة عقيربات بإمكانات زراعية كبيرة، حيث تُعد من المناطق الغزيرة بالأمطار في محافظة حماة، مما يدعم زراعة المحاصيل مثل القمح. وقد تم العثور على كميات كبيرة من القمح مخبأة بعد دحر داعش، مما يشير إلى استغلال التنظيم للموارد الزراعية. تاريخيًا، اشتهرت المنطقة بأنشطة تجارة الغنم والخيل، مما يعكس طبيعة اقتصادية ريفية تقليدية تعتمد على الثروة الحيوانية. على الرغم من هذه الإمكانات، تعاني المنطقة من نقص حاد في الخدمات الأساسية مما يعيق التنمية الاقتصادية.
7. ما هي حالة الخدمات الأساسية في عقيربات والقرى التابعة لها؟
تعاني ناحية عقيربات والقرى التابعة لها من نقص حاد في الخدمات الأساسية. فـ 73 قرية تفتقر للخدمات الصحية والتعليمية. الكهرباء شبه معدومة في معظم القرى باستثناء عدد قليل، وخدمة الاتصالات الخلوية سيئة للغاية أو منعدمة بسبب تعرض أبراج الاتصالات للتدمير. البنية التحتية، بما في ذلك الطرق، متضررة بشدة. ومع ذلك، يوجد في بلدة عقيربات مستشفى عقيربات الجراحي الذي يقدم خدمات طبية مجانية ومتخصصة، مما يُعد نقطة ضوء في ظل هذا النقص الكبير.
8. ما هو دور مستشفى عقيربات الجراحي في المنطقة؟
يُعد مستشفى عقيربات الجراحي مؤسسة صحية حيوية تأسست عام 2012. يقدم هذا المشفى خدمات مجانية متخصصة في جراحة العظام والترميم، ويشمل قسم إسعاف يعمل على مدار الساعة، وعيادات، وخدمات تأهيل، وأطراف صناعية. يعالج المشفى حوالي 100 مريض يوميًا، ويتلقى دعمًا من منظمات إغاثية. يلعب المستشفى دورًا محوريًا في توفير الرعاية الطبية المنقذة للحياة لسكان المنطقة، خاصة في ظل النقص العام للخدمات الصحية الأخرى.
9. ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه إعادة الإعمار في عقيربات؟
تواجه عقيربات تحديات هائلة في إعادة الإعمار بسبب الدمار الواسع الذي طال البنية التحتية والمنازل. النقص الحاد في الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، يزيد من تعقيد الوضع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفقر العام الذي تعاني منه سوريا يؤثر سلبًا على وتيرة جهود التعافي. ورغم انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، فإن معالجة إرث الصراع تتطلب جهودًا ضخمة ومستمرة، وتتجاوز مجرد إعادة البناء المادي لتشمل استعادة النسيج الاجتماعي وسُبل العيش.
10. ما هي تطلعات أهالي عقيربات للمستقبل؟ وكيف يمكن دعمهم؟
على الرغم من الصعوبات الجمة، يمتلك أهالي عقيربات عزيمة قوية على العودة إلى منازلهم وإعادة إعمارها، متشبثين بأرضهم ومصرين على “إعادة إنتاج الحياة فيها”. يتطلعون إلى إحياء المهن التقليدية ودعم الأرياف السورية بشكل عام. يمكن دعمهم من خلال تكثيف الدعم الإنساني الموجه لقطاعات الصحة والتعليم، وإعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية (كهرباء، مياه، اتصالات)، وتمكينهم اقتصاديًا عبر دعم المبادرات الزراعية والحرفية. كما أن الحفاظ على الآثار الثقافية وتوثيقها يساهم في استعادة هويتهم، والأهم من ذلك، تحقيق استقرار شامل يضمن سلامتهم ويشجع على الاستثمار والتنمية المستدامة.