حماة اليوم

تطورات حديثة في محافظة حماة: التعليم وإمدادات المياه وإدارة الموارد

في قلب سوريا، تنبض محافظة حماة بوتيرة متسارعة من العمل الدؤوب والتخطيط المنهجي، حيث لا تقتصر الجهود على إعادة بناء الحجر، بل تمتد لتشمل الاستثمار في الإنسان وتأمين الموارد الحيوية بأساليب مبتكرة ومستدامة. إن المشهد الحالي في حماة ليس مجرد مجموعة من المشاريع الخدمية المنفصلة، بل هو تجسيد لإستراتيجية متكاملة متعددة الأبعاد، تهدف إلى وضع أسس راسخة لمستقبل أكثر أمناً وازدهاراً، انطلاقاً من قاعات العلم ووصولاً إلى أبعد نقطة في الحقول والأرياف.

انطلاق الامتحان الوطني الطبي الموحد في جامعة حماة

مقدمة: حدث بارز في مسيرة التعليم الطبي

شهدت جامعة حماة اليوم انطلاق الامتحان الوطني الطبي الموحد للدورة التكميلية للعام الدراسي 2024-2025، وهو حدث يمثل علامة فارقة في تاريخ التعليم الطبي في سوريا. بمشاركة 112 طالباً وطالبة من مختلف الجامعات السورية العامة والخاصة، يأتي هذا الامتحان كجزء من جهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لضمان تقييم عادل وموحد لطلاب كليات الطب، وذلك تحت إشراف هيئة الجودة والاعتمادية. يهدف هذا الامتحان إلى توحيد معايير التخرج، مما يعزز من جودة الأطباء الخريجين وقدرتهم على تلبية احتياجات القطاع الصحي في البلاد.

تفاصيل الامتحان: جلسات متنوعة لتقييم شامل

أوضح الدكتور عبد الحميد الملقي، عميد كلية الطب البشري في جامعة حماة، أن الامتحان ينقسم إلى جلستين رئيسيتين تغطيان التخصصات الطبية الأساسية. فقد شملت الجلسة الأولى اختصاصي الجراحة والأطفال، حيث شارك فيها 31 طالباً من جامعة حماة و81 طالباً من باقي الجامعات السورية. هذا التوزيع يبرز البعد الوطني للامتحان، حيث يجمع طلاباً من خلفيات أكاديمية متنوعة تحت مظلة تقييمية واحدة. أما الجلسة الثانية، فستخصص لاختصاصي الداخلية والنسائية، مما يعكس الشمولية التي يسعى الامتحان لتحقيقها في تقييم المهارات الطبية المختلفة. هذا التنوع في التخصصات يضمن أن يكون الطبيب الخريج قادراً على التعامل مع مجموعة واسعة من الحالات السريرية.

القانون القديم والجديد: تطور في نظام التخرج

في تصريحه لمراسل سانا، أشار الدكتور الملقي إلى أن الامتحان يُجرى حالياً وفق القانون القديم، الذي يعتبر اجتياز الامتحان شرطاً أساسياً للتخرج لهذا العام. ومع ذلك، فإن قانوناً جديداً سيُطبق فور انتهاء الجلسة الثانية، مما يشير إلى خطوة تطويرية في نظام التعليم الطبي السوري. هذا التحول قد يهدف إلى مواكبة المعايير العالمية في التعليم الطبي، وربما يتضمن تعديلات تهدف إلى تعزيز الكفاءة والمرونة في عملية التخرج. يعكس هذا النهج التزام الوزارة بتحسين جودة التعليم وتأهيل الأطباء بشكل أفضل لمواجهة التحديات المستقبلية.

أهمية الامتحان: توحيد المعايير ورفع الجودة

يُعد الامتحان الوطني الطبي الموحد بمثابة محطة تقييمية مركزية تهدف إلى ضمان أن يمتلك جميع طلاب الطب في سوريا، بغض النظر عن جامعاتهم، مستوى موحد من المعرفة والمهارات. من خلال إشراف هيئة الجودة والاعتمادية، يتم تعزيز شفافية العملية التقييمية ونزاهتها، مما يساهم في بناء ثقة المجتمع بالأطباء الخريجين. هذا التوحيد لا يقتصر على رفع مستوى التعليم فحسب، بل يمتد ليؤثر إيجاباً على جودة الخدمات الصحية المقدمة في سوريا، حيث يصبح الأطباء أكثر استعداداً للتعامل مع التحديات الصحية المتنوعة.

الدورة التكميلية: فرصة للجميع

تأتي الدورة التكميلية لعام 2024-2025 كدليل على حرص وزارة التعليم العالي على استيعاب جميع الطلاب ومنحهم فرصة إضافية لاجتياز الامتحان. هذه المرونة تعكس نهجاً تعليمياً يراعي ظروف الطلاب المختلفة، سواء كانت أكاديمية أو شخصية، وتضمن عدم تعثر مسيرتهم الدراسية. من خلال هذه الدورة، تسعى الوزارة إلى تحقيق العدالة التعليمية وتوفير بيئة داعمة تمكن الطلاب من إثبات كفاءتهم واستكمال متطلبات التخرج بنجاح.

يمثل انطلاق الامتحان الوطني الطبي الموحد في جامعة حماة خطوة إستراتيجية نحو تعزيز التعليم الطبي في سوريا. من خلال توحيد معايير التقييم، وإتاحة فرص متكافئة للطلاب، وإدخال تحسينات على نظام التخرج، تسعى وزارة التعليم العالي إلى إعداد جيل جديد من الأطباء المؤهلين القادرين على مواجهة التحديات الصعبة في القطاع الصحي. مع استمرار هذه الجهود، يبدو أن سوريا تتجه نحو بناء نظام تعليمي طبي متطور يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، مما يبشر بمستقبل واعد للرعاية الصحية في البلاد.

بصيص أمل يروي ظمأ حلفايا

حماة، سوريا – في خطوة تبعث على التفاؤل في مدينة حلفايا بريف حماة الشمالي، أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، بالتعاون مع الفعاليات الأهلية في المدينة، عن وضع “بئر جامع النور” في الخدمة بشكل كامل، بعد إتمام عملية ربطه بشبكة المياه الرئيسية. ويأتي هذا المشروع كشريان حياة جديد يخفف من وطأة أزمة نقص المياه التي تعاني منها المدينة منذ سنوات، خاصة في الأحياء الغربية والشمالية، مجسداً نموذجاً ناجحاً للتعاون بين المؤسسات الحكومية والمبادرات المجتمعية في مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الحرب.

تخفيف المعاناة وتعزيز الصمود

يمثل تشغيل بئر جامع النور بارقة أمل حقيقية لآلاف السكان في حلفايا، الذين طالت معاناتهم جراء النقص الحاد في إمدادات المياه. وأوضح رئيس مجلس مدينة حلفايا، السيد محمد الجمال، أن هذا المشروع سيُسهم بشكل ملموس في تحسين الواقع المائي وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، لا سيما في الحيين الغربي والشمالي اللذين كانا الأكثر تضرراً. ويعتمد البئر في تشغيله على منظومة طاقة شمسية متكاملة، مما يضمن استدامة عمله في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها البلاد، ويقلل من الاعتماد على مولدات الديزل ذات التكلفة المرتفعة والأثر البيئي السلبي.

تضافر الجهود: نموذج يحتذى به

لم يكن لهذا المشروع أن يرى النور لولا تضافر الجهود بين القطاعين الرسمي والمجتمعي. ففي حين تكفلت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في حماة بتنفيذ أعمال الحفريات وتوفير المستلزمات الفنية من أنابيب وصمامات ضرورية لعملية الربط بالشبكة العامة، برز دور المجتمع المحلي بشكل لافت. حيث جاءت مبادرة حفر البئر وتجهيزه بمنظومة الطاقة الشمسية من خلال تبرعات ومساهمات أهلية، في دلالة واضحة على وعي السكان وحرصهم على المشاركة الفاعلة في تحسين الخدمات الأساسية في مدينتهم، خاصة مع عودة أعداد متزايدة من النازحين بعد استعادة الاستقرار في المنطقة.

هذا النموذج التشاركي ليس الأول من نوعه في حلفايا، فقد سبقه إدخال “بئر أم المغارة” في الحي الجنوبي الشرقي حيز الخدمة، والذي لا يزال يعمل على مجموعات توليد الديزل، بالإضافة إلى العمل الجاري على تجهيز بئر جديدة في الحي الجنوبي ستُزود قريباً بالطاقة الشمسية أيضاً. وتعكس هذه المشاريع المتوالية إصراراً على إيجاد حلول مستدامة لأزمة المياه التي تفاقمت بفعل سنوات الحرب وتدمير البنى التحتية والجفاف الذي يضرب المنطقة.

في سياق أوسع: مواجهة أزمة مياه هيكلية

يأتي إنجاز بئر جامع النور في وقت يعاني فيه ريف حماة بأكمله من أزمة مياه خانقة. وقد أدت سنوات الصراع إلى تدمير ممنهج للبنية التحتية المائية، من آبار ومحطات ضخ وشبكات توزيع، مما ترك ملايين السوريين في مواجهة صعوبات يومية للحصول على أبسط مقومات الحياة. يضاف إلى ذلك، تحديات التغير المناخي وانخفاض معدلات هطول الأمطار التي أثرت سلباً على مناسيب المياه الجوفية والينابيع التي تعد المصدر الرئيسي للمياه في العديد من المناطق.

وفي هذا السياق، تكتسب المشاريع المحلية الصغيرة، مثل بئر جامع النور، أهمية استثنائية. فهي لا توفر حلاً مباشراً لمعاناة السكان فحسب، بل تمثل أيضاً خطوات عملية نحو إعادة بناء النسيج المجتمعي وتعزيز قدرته على الصمود والتكيف. كما أنها تسلط الضوء على أهمية تبني حلول الطاقة المتجددة كخيار استراتيجي لتشغيل المرافق الحيوية في ظل الظروف الراهنة، مما يفتح الباب أمام مستقبل أكثر استدامة للمناطق المتضررة.

إن وضع بئر جامع النور في الخدمة هو أكثر من مجرد خبر عن مشروع خدمي؛ إنه قصة صمود وإرادة حياة، ورسالة مفادها أن تضافر الأيادي بين المؤسسات والمجتمع قادر على تحويل التحديات إلى فرص، ورسم ملامح مستقبل أفضل لسوريا، قطرة بقطرة.

تدشين محطة رصد مناخي متطورة في سلمية

حماة، سوريا – في بادرة هامة لمواجهة التحديات المناخية ودعم استدامة الموارد الحيوية، باشرت مديرية الموارد المائية في محافظة حماة، بالتعاون الوثيق مع المديرية العامة للأرصاد الجوية، بتركيب محطة رصد مناخي متكاملة وحديثة. ويأتي هذا المشروع، الذي يتخذ من مركز سد “التوت” في منطقة سلمية بريف حماة الشرقي موقعاً له، كجزء من جهود أوسع لتحديث البنى التحتية وتعزيز القدرة على إدارة المياه في ظل متغيرات مناخية متزايدة.

أهمية إستراتيجية في منطقة ذات تحديات مائية

تكتسب هذه المحطة أهمية خاصة نظراً للواقع المناخي والزراعي لمنطقة سلمية، التي تُعرف بمناخها شبه الجاف ومحدودية مواردها المائية. ستقوم المحطة بتوفير بيانات علمية دقيقة ومستمرة حول مجموعة من المتغيرات المناخية الأساسية، وهو ما يُعد حجر الزاوية في التخطيط المائي السليم.

وفي تصريح لمراسل وكالة سانا، أفاد المهندس خالد الياسين، رئيس دائرة مركز المعلومات المائي في المديرية، بأن المحطة الجديدة ستعمل على قياس عناصر حيوية تشمل:

  • كميات الهطول المطري: لتكوين صورة دقيقة عن الوارد المائي السنوي.
  • سرعة واتجاه الرياح: وهما عاملان مؤثران في معدلات التبخر والظروف الزراعية.
  • السطوع الشمسي: لقياس مدى الإشعاع الشمسي وتأثيره على المحاصيل والاحتياجات المائية.
  • الرطوبة النسبية: وهو مؤشر أساسي لفهم المناخ المحلي وتأثيره على النباتات.

إن توفير هذه البيانات بشكل آني وموثوق سيمكّن مراكز الموارد المائية من رفع كفاءتها التشغيلية، واتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بتوزيع مياه الري، وتحسين جدولة الزراعات، والأهم من ذلك، تطوير نماذج تنبؤية للفيضانات والجفاف.

دعم اتخاذ القرار نحو إدارة مستدامة للمياه

أوضح المهندس الياسين أن هذه الخطوة الطموحة لا تقتصر على مجرد جمع البيانات، بل تهدف إلى بناء أساس علمي متين يدعم عمليات صنع القرار في قطاع المياه. فمن خلال تحليل البيانات التي ستوفرها المحطة، سيتمكن الخبراء والمهندسون من:

  • تحسين إدارة السدود: عبر تنظيم عمليات تخزين وتصريف المياه بناءً على توقعات دقيقة للهطولات.
  • ترشيد استهلاك مياه الري: من خلال تزويد المزارعين بمعلومات دقيقة حول الاحتياجات المائية الفعلية لمحاصيلهم، وتشجيع التحول نحو أساليب الري الحديثة.
  • التنبؤ بالظواهر الجوية المتطرفة: مما يساهم في وضع خطط استباقية للحد من أضرار الفيضانات المحتملة أو إدارة فترات الجفاف.

جزء من رؤية متكاملة لتحديث البنية التحتية

يأتي تركيب محطة الرصد المناخي في سلمية ضمن سياق أوسع من الجهود التي تبذلها مديرية الموارد المائية في حماة لتحديث بنيتها التحتية ومواكبة التحديات المعاصرة. وتُضاف هذه المبادرة إلى سلسلة من المشاريع الأخرى التي تهدف إلى تأهيل شبكات المياه وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل محطات الضخ، مما يعكس رؤية متكاملة تسعى لضمان الأمن المائي للمحافظة على المدى الطويل.

ويؤكد التعاون المثمر بين مديرية الموارد المائية والمديرية العامة للأرصاد الجوية على أهمية تكامل الأدوار بين المؤسسات الحكومية لتحقيق الأهداف التنموية، خصوصاً في القطاعات الحيوية كالزراعة والمياه، التي تشكل عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. وبهذا، تضع حماة لبنة جديدة في صرح الإدارة المستدامة لمواردها، مستندةً إلى العلم والبيانات الدقيقة لمواجهة تحديات المستقبل.

منظومة طاقة شمسية في قرية الجِنان

في خطوة تعكس التزاماً عملياً بمواجهة التحديات المستعصية وتوفير حلول مستدامة، أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب في حماة بالتعاون مع المجتمع الأهلي في قرية جنان التابعة للمحافظة، عن إنجاز مشروع حيوي يتمثل في تركيب منظومة طاقة شمسية متكاملة لتشغيل البئر الرئيسي للمياه في القرية. هذا المشروع لا يعد مجرد ترقية تقنية، بل هو استجابة مباشرة لأزمة يومية يعاني منها الأهالي، تتمثل في انقطاع التيار الكهربائي المتكرر الذي أصبح سمة ملازمة للحياة في العديد من المناطق الريفية السورية، وما يرافقه من ارتفاع متصاعد ومُنهك لتكاليف تشغيل المولدات الكهربائية الاعتيادية (الديزل).

مواجهة تحديات واقعية: انقطاع التيار وعبء التكلفة
لطالما شكلت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر تهديداً مباشراً لاستمرارية توفير أهم مقومات الحياة الأساسية: المياه النظيفة. ففي قرى مثل جنان، يعتمد ضخ المياه من الآبار الجوفية بشكل شبه كلي على الكهرباء. كل انقطاع للتيار يعني توقفاً فورياً لمضخات البئر، مما يحرم الأهالي من الحصول على المياه للشرب والطبخ والنظافة والري. وكان الحل البديل المتاح يتمثل في اللجوء إلى المولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود (المازوت أو الديزل).

إلا أن هذا الحول جاء محملاً بأعباء اقتصادية ثقيلة، حيث أسفر الارتفاع المستمر والمضطرد في أسعار الوقود عن جعل تشغيل هذه المولدات عملية باهظة التكلفة، تستنزف موارد المؤسسة المائية وتثقل كاهل الميزانيات المحلية، بل وتنعكس في النهاية على المواطن. هذا الواقع المزدوج – عدم الموثوقية في الشبكة العامة وارتفاع تكلفة البديل – خلق حالة من عدم الاستقرار في توفير المياه، مما دفع إلى البحث عن حلول أكثر جذرية واستدامة.

الحل المستدام: شمس حماة تضخ ماء جنان
جاء مشروع تركيب المنظومة الشمسية كبديل رئيسي لتشغيل بئر القرية ليمثل نقلة نوعية في معالجة هذه الإشكالية. فالطاقة الشمسية، المتوفرة بوفرة في سماء سوريا وخاصة في المناطق الريفية المكشوفة مثل ريف حماة الجنوبي، تقدم حلاً متكاملاً يجمع بين الفاعلية والاستدامة الاقتصادية والبيئية. تعمل هذه المنظومة على تحويل أشعة الشمس مباشرة إلى طاقة كهربائية نظيفة لتشغيل مضخات البئر.

وهذا يعني، نظرياً وعملياً، قدرة البئر على العمل طوال ساعات النهار المشمس دون أي اعتماد على الشبكة الكهربائية العامة المتقطعة أو على المولدات المكلفة والمُلوثة. كما أن التصميم غالباً ما يتضمن أنظمة بطاريات تخزين تسمح بتشغيل المضخات لفترات محدودة حتى بعد غروب الشمس أو خلال فترات الغيوم الخفيفة، مما يعزز من موثوقية التزويد المائي.

تعاون مجتمعي: شراكة نحو هدف مشترك
ما يزيد من أهمية هذا الإنجاز هو الطريقة التي تم بها تنفيذه. لم يكن مشروعاً مفروضاً من الأعلى، بل جاء ثمرة تعاون وثيق بين المؤسسة العامة لمياه الشرب في حماة والمجتمع الأهلي الفاعل في قرية جنان. هذا التعاون يضمن عدة أمور: أولاً، مشاركة الأهالي تعكس إحساساً بالملكية والمسؤولية تجاه المشروع، مما يزيد من فرص صيانته والحفاظ عليه على المدى الطويل. ثانياً، يساهم الدعم الأهلي، سواء كان لوجستياً أو معرفياً أو حتى رمزياً، في تخفيف الأعباء عن المؤسسة ويسرع وتيرة التنفيذ. ثالثاً، يعكس هذا النموذج من الشراكة بين القطاع العام والمجتمع المحلي نهجاً تنموياً ناجحاً وقابلاً للتكرار في معالجة المشكلات المحلية.

رؤية مؤسسية: نحو تعميم النموذج الأخضر
في تصريح واضح لوكالة سانا، أكد المهندس عبد الستار العلي، مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب في حماة، على الأبعاد الاستراتيجية لهذا المشروع. ووصف عملية ضخ المياه بالطاقة الشمسية بأنها جاءت “استجابةً لحاجة الأهالي المُلحة”، مما يضع احتياجات المواطن في صلب أولويات المؤسسة. كما أشار العلي بوضوح إلى الرؤية الأوسع، موضحاً أن “تركيب منظومة شمسية يعد أحد الحلول المستدامة، التي تسعى المؤسسة إلى تعميمها في المناطق الريفية كبديل اقتصادي وصديق للبيئة”.

هذه العبارة تحمل رسالتين أساسيتين: الأولى هي اعتماد “الاستدامة” كمعيار رئيسي في حل مشاكل المياه، والثانية هي التوجه الواضح نحو “التعميم” في القرى والمناطق الريفية الأخرى التي تعاني من تحديات مشابهة، مع التأكيد على الميزة المزدوجة للطاقة الشمسية: “الاقتصادية” (تخفيض التكاليف التشغيلية على المدى المتوسط والطويل) و”الصديقة للبيئة” (خفض الانبعاثات الكربونية والضجيج الناتج عن المولدات).

آفاق مستقبلية: بين التنمية والمرونة البيئية
يمثل مشروع جنان نموذجاً عملياً واعداً يحمل في طياته دلالات كبيرة تتجاوز حدود القرية. فهو ليس مجرد تأمين لمياه الشرب، بل هو خطوة نحو تنمية ريفية أكثر مرونة واستدامة. التوفير المالي الكبير الناتج عن الاستغناء عن الديزل يمكن إعادة استثماره في صيانة الشبكات أو تطوير خدمات مائية أخرى. الأثر البيئي الإيجابي عبر تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري يساهم في التخفيف من وطأة تغير المناخ محلياً.

الأهم من ذلك، أن هذا المشروع يمنح المجتمع المحلي مصدراً موثوقاً للمياه، وهو أساس الاستقرار والصحة والكرامة الإنسانية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الريف السوري. نجاح هذا النموذج في جنان يشكل حافزاً قوياً ودليلاً عملياً يدعم توجه المؤسسة نحو تعميم الطاقة الشمسية كحل أساسي لتشغيل آبار المياه في الريف، مما يفتح الباب أمام مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة لقطاع مياه الشرب في محافظة حماة وسوريا عموماً، حيث تصبح الشمس، مصدر الحياة الأول، شريكاً أساسياً في ضمان استمرار تدفق شريان الحياة: الماء.

تنظيف قنوات الري بحوش العشارنة

في خطوة استباقية لمواجهة تداعيات موجة الحر الشديدة والجفاف المستمر، باشرت كوادر وآليات مركز الغاب للموارد المائية في محافظة حماة أعمال تعزيل وتنظيف قنوات الري الرئيسية في منطقة حوش العشارنة. يأتي هذا التدخل استجابةً مباشرة لمطالب أهالي المنطقة، الذين يعانون من نقص حاد في مياه الري يهدد موسمهم الزراعي ومصادر رزقهم، في قلب أحد أخصب السهول السورية وأكثرها أهميةً للإنتاج الزراعي.

مواجهة التحديات: الأعشاب والطمي وندرة المياه
تعاني قنوات الري في الجزء الجنوبي من سهل الغاب، وبشكل خاص في قرى مثل العشارنة، من تراكمات كبيرة للأعشاب الضارة الكثيفة (وأبرزها نبات الزل) والرواسب الطينية (الطمي) نتيجة عوامل طبيعية وإهمال تراكمي. هذه العوائق كانت تعرقل بشكل كبير انسيابية المياه، وتحد من وصولها إلى نهايات الشبكة وحقول المزارعين.

وقد تفاقمت هذه المشكلة بشكل لافت في الموسم الحالي بسبب موجة الجفاف غير المسبوقة وارتفاع درجات الحرارة، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه المتاحة بشكل عام وزيادة الضغط على كل قطرة ماء. وأوضح المهندس رياض عبيد، مدير الموارد المائية في محافظة حماة، في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا) أن الأعمال تركزت على تعزيل قنوات بطول إجمالي يصل إلى 2000 متر، بهدف إزالة هذه المعوقات الحيوية.

الأثر المباشر: إنقاذ الموسم الزراعي
يمثل وصول مياه الري بانتظام وكفاءة إلى الأراضي الزراعية في هذه الفترة الحرجة شريان الحياة للمحاصيل الصيفية. ففي ظل شح الأمطار وارتفاع معدلات التبخر بسبب الحرارة الشديدة، يصبح الاعتماد شبه كلي على أنظمة الري المنظمة. تأخر أو نقص المياه في مثل هذه الظروف المناخية القاسية لا يعني فقط انخفاضاً في الإنتاجية، بل قد يؤدي إلى فقدان محاصيل كاملة وزيادة الأعباء المالية على المزارعين الذين يواجهون أصلاً ظروفاً اقتصادية صعبة.

لذا، فإن عملية التعزيل هذه ليست مجرد صيانة روتينية، بل هي تدخل طارئ وحيوي يهدف إلى ضمان وصول كل كمية مياه متاحة إلى جذور النباتات في الحقول المستهدفة، وبالتالي الحفاظ على الرقعة الخضراء والإنتاج الزراعي الذي يعتمد عليه سكان المنطقة ومحافظة حماة بشكل أوسع.

جهود متكاملة واستجابة للمجتمع
يبرز هذا العمل كمثال على تفاعل الجهات المعنية، ممثلة بمديرية الموارد المائية ومركز الغاب، مع مطالب المجتمع المحلي. فقد جاءت المبادرة نتيجة استماع مباشر لشكاوى الأهالي واحتياجاتهم الملحة، مما يعكس أهمية التواصل بين المزارعين والمسؤولين في إدارة الموارد المائية الشحيحة. كما يُظهر تكثيف الجهود في هذا التوقيت بالذات إدراكاً من الجهات المعنية لخطورة الموقف واستعدادها لاتخاذ إجراءات ملموسة لتخفيف آثار الجفاف. ولا تقتصر الجهود على التنظيف الميكانيكي فحسب، بل تمثل جزءاً من استراتيجية أوسع قد تشمل لاحقاً تحسين البنية التحتية للري وتعزيز كفاءة استخدام المياه وترشيدها.

التطلع نحو المستقبل: الاستدامة في ظل تغير المناخ
بينما تقدم عملية تعزيل قنوات حوش العشارنة حلاً آنياً ملحاً، فإنها تطرح في الوقت ذاته أسئلة أكبر حول ضرورة تطوير وتحديث أنظمة الري في سهل الغاب وسوريا عموماً لمواجهة التحديات طويلة المدى لتغير المناخ، والتي تتجلى في ازدياد وتيرة وشدة موجات الجفاف والحر. إن الاستثمار في البنية التحتية الحديثة للري (كالأنابيب المغلقة والري بالتنقيط)، وبرامج الصيانة الدورية المستدامة، وإدارة الطلب على المياه، وإعادة تأهيل المصادر المائية، يصبح ضرورة استراتيجية لا غنى عنها لضمان الأمن الغذائي والمائي في المستقبل.

إن العمل الدؤوب الذي تقوم به كوادر الموارد المائية اليوم في حوش العشارنة هو جهد مشكور، لكنه يذكرنا بأن الحفاظ على إرث سهل الغاب الزراعي الخصب يتطلب التزاماً مستمراً واستثمارات ذكية في مواجهة واقع مناخي متغير يفرض تحديات غير مسبوقة على قطاع الزراعة ومصادر المياه في البلاد.

خاتمة: بناء متكامل لمستقبل مرن

في نهاية المطاف، تكشف هذه الجهود المتزامنة في حماة عن رؤية شاملة للتعافي. إنها رؤية لا تفصل بين تأهيل الكوادر البشرية وتأمين الموارد المادية، ولا تفصل بين الحلول العاجلة والتخطيط طويل الأمد. فمن خلال الاستثمار في ثلاثة أعمدة رئيسية هي: رأس المال البشري (الأطباء المؤهلون)، واستقلالية الموارد (الآبار العاملة بالطاقة الشمسية)، والحوكمة الرشيدة (الإدارة المائية القائمة على البيانات)، فإن حماة لا تقوم بمجرد إعادة بناء ما كان، بل تعمل على تأسيس مجتمع أكثر مرونة وقدرة على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة واقتدار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى