أماكن

ساحة العاصي بحماة: قلب المدينة النابض ومرآة تاريخ سوريا الحديث

مقدمة: ساحة العاصي – قلب حماة النابض ورمزها التاريخي

تُعرف مدينة حماة بلقب “مدينة النواعير”، وهي مدينة سورية تاريخية تقع على ضفاف نهر العاصي في الجزء الغربي من الجمهورية العربية السورية. يخترق نهر العاصي المدينة من جنوبها إلى شمالها، مقسماً إياها إلى شقين رئيسيين: الشرقي الذي يُعرف بـ”الحاضر” نسبةً لسوق المواشي، والغربي الذي يُعرف بـ”السوق” نسبةً لسوقها التجاري. تتمتع حماة بأهمية تاريخية وإستراتيجية بالغة، فقد تعاقبت عليها ممالك وحضارات مختلفة، واستوطنها البشر منذ عصور ما قبل التاريخ.  

تُعد ساحة العاصي الساحة الرئيسية والقلب النابض لمدينة حماة، وتقع في موقع مركزي إستراتيجي على ضفاف النهر. تتجاوز أهمية هذه الساحة كونها مجرد معلم جغرافي؛ فهي نقطة التقاء محورية للحياة اليومية لسكان المدينة، ومركزاً للفعاليات الثقافية والاجتماعية، ومسرحاً للأحداث السياسية الكبرى التي شكلت تاريخ سوريا المعاصر. تكتسب الساحة رمزية عميقة لكلا الجانبين في الصراع السوري، سواء لقوات المعارضة أو لقوات النظام، نظراً لدورها المحوري في الأحداث.  

إن ساحة العاصي تجسد طبيعة مزدوجة فريدة؛ فهي بمثابة نقطة التقاء نابضة بالحياة، حيث تتدفق الحياة اليومية والفعاليات الثقافية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، كانت هذه الساحة مراراً وتكراراً مركزاً للاحتجاجات السياسية الكبرى ومسرحاً للقمع الحكومي الوحشي. هذا التناقض الجوهري يشير إلى أن الموقع المركزي للساحة ودورها كمساحة للتجمع العام يجعلها نقطة محورية طبيعية للتعبير المدني، وبالتالي، لمواجهة قمع الدولة.

هذا الجانب المزدوج يعكس نمطاً منتشراً في العديد من السياقات السلطوية، حيث تتحول المساحات العامة المركزية، على الرغم من وظائفها اليومية الظاهرة، حتماً إلى ساحات متنازع عليها للتعبير السياسي وسيطرة الدولة. وبالتالي، فإن تاريخ ساحة العاصي يمثل نموذجاً مصغراً قوياً للمشهد السياسي السوري الأوسع، حيث يتشابك نسيج الحياة اليومية باستمرار مع احتمالية الصراع السياسي العميق.  

علاوة على ذلك، يشكل نهر العاصي عنصراً تعريفياً أساسياً لهوية حماة وأهمية الساحة. فالنهر يقسم حماة حرفياً إلى شطرين متميزين ، ويشكل العنصر الأساسي لأكثر سمات المدينة شهرة وتفرداً: النواعير، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهوية الساحة. إن اسم الساحة نفسه، “ساحة العاصي”، يشير مباشرة إلى النهر، مما يؤكد تحديداً جغرافياً وثقافياً عميقاً. إن الوجود المادي للنهر واستخدامه التاريخي عبر النواعير المبتكرة قد شكّل بشكل أساسي التنمية الحضرية لحماة، واقتصادها الزراعي، وهويتها الثقافية المميزة. الساحة، التي تقع مركزياً على طول هذا النهر،

ترث وتجسد هذا الارتباط العميق بشكل طبيعي، مما يجعلها رمزاً قوياً لعلاقة حماة الفريدة ببيئتها الطبيعية وعبقريتها التاريخية في تسخيرها. هذا يعني أيضاً أن أي اضطراب كبير في تدفق النهر (مثل بناء السدود في المنبع) له عواقب مباشرة وبعيدة المدى ليس فقط على التشغيل الوظيفي للنواعير ولكن أيضاً على قوتها الرمزية، وبالتالي، على جوهر الساحة وهوية المدينة نفسها.  

النواعير: إرث حماة المائي وعبقرية الماضي

تشتهر مدينة حماة عالمياً بوجود 17 ناعورة تاريخية على طول نهر العاصي، وهي آلات خشبية ضخمة لرفع الماء، تُعد من أبرز معالمها الهندسية والثقافية. الناعورة هي دولاب خشبي دائري الشكل، مثبت على محيطه صناديق لجمع المياه. تدور الناعورة بقوة تيار النهر، فترفع المياه من النهر وتفرغها في قنوات أو أحواض عند وصولها إلى أعلى نقطة، ثم تهبط فارغة لتُملأ من جديد. اسم “ناعورة” مشتق من الصوت المميز الذي تصدره أثناء دورانها، والذي يُوصف بـ”نعيرها” أو “الواحش” (wailer)، وقد أصبح هذا الصوت جزءاً لا يتجزأ من هوية حماة الثقافية.  

يعود تاريخ استخدام النواعير في المنطقة إلى عصور قديمة جداً، مع إشارات إلى وجودها في العصر الروماني والبيزنطي، وربما من العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، كما يتضح من فسيفساء تمثل ناعورة في مدينة أفاميا الأثرية. لعبت النواعير دوراً حيوياً وأساسياً في الاقتصاد الزراعي للمدينة، حيث كانت الوسيلة الأكثر عملية لرفع المياه إلى السهول والبساتين والمنازل، خاصة وأن مستوى نهر العاصي غالباً ما يكون أخفض من مستوى الأراضي المحيطة. تُعد النواعير ابتكاراً هندسياً عبقرياً، حيث كانت ترفع المياه دون الحاجة لأي نوع من الطاقة الخارجية، معتمدة بالكامل على قوة تيار النهر.  

على الرغم من أن حماة كانت تضم أكثر من مائة ناعورة في السابق، إلا أن 17 ناعورة فقط بقيت محفوظة وتدور حتى اليوم. من أشهر النواعير المحيطة بالساحة:  

  • ناعورة الجسرية: تُعد من أشهر نواعير حماة وتقع على مقربة من جسر السرايا في وسط المدينة، وكانت تسقي البساتين الواقعة شرقها.  
  • ناعورة المحمدية: هي الأكبر بين نواعير حماة، بقطر يبلغ 21 متراً وتضم 120 صندوقاً لجمع الماء. أُعيد بناؤها عام 1361م (763هـ)، وكانت تزود الجامع الكبير وحمام الذهب وبعض البساتين بالمياه.  
  • ناعورة المأمورية: تأتي في المرتبة الثانية بعد المحمدية من حيث الحجم، بقطر 21 متراً و120 صندوقاً. أُنشئت عام 1453م (857هـ)، وكانت تروي العديد من البساتين وتسعة مساجد وأربعة حمامات.  

تراجع دور النواعير في الري الزراعي بشكل كبير بسبب ظهور المضخات الكهربائية وبناء سد الرستن الذي أثر على منسوب مياه العاصي. ومع ذلك، تحولت النواعير اليوم إلى معلم تراثي وسياحي بارز، تُضاء ليلاً خلال المهرجانات والفعاليات مثل مهرجان ربيع حماة، وتُعرف بمشهدها البصري وصوتها المميز. تقدمت الحكومة السورية بطلب لليونسكو عام 1999 لتصنيف نواعير حماة كموقع للتراث العالمي. على الرغم من تعرض بعضها للتلف أو الإهمال خلال سنوات الحرب الأهلية، إلا أن معظمها نجا، وتجري جهود لترميمها رغم التحديات.  

إن استمرار وجود النواعير وقدرتها على التكيف يبرزان قيمة ثقافية عميقة لهذه الهياكل تتجاوز وظيفتها النفعية البحتة. فبعد أن نشأت من الهندسة البيزنطية/الرومانية ، ظلت النواعير لا غنى عنها عبر فترات تاريخية مختلفة، بما في ذلك الحكم الإسلامي والعثماني، مما يدل على قيمتها الوظيفية الدائمة. وعلى الرغم من ظهور تقنيات الري “الحديثة” مثل المضخات التي تعمل بالبنزين أو الديزل وتأثير سد الرستن البيئي ، فإنها لا تزال قائمة. لقد تحول غرضها من الري الأساسي إلى التراث الثقافي والسياحة، مما يظهر قدرتها على إعادة التعريف.

والأهم من ذلك، أن معظمها نجا من الحرب الأهلية السورية ، مما يشير إلى مرونة عميقة الجذور. إن الصيانة المستمرة التي يقوم بها نجارو النواعير التقليديون المهرة تسلط الضوء على الحفاظ على الحرف والمعارف المحلية، وهي حيوية للاستمرارية الثقافية. يعكس هذا التحول من الضرورة الوظيفية إلى التراث الرمزي اتجاهاً عالمياً أوسع حيث تصبح البنية التحتية التاريخية، التي كانت حيوية للبقاء، رمزاً للهوية والمرونة، خاصة في المناطق التي تشهد صراعات حيث غالباً ما يصبح التراث الثقافي نقطة فخر جماعي وصمود.  

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصوت المميز للنواعير، الذي يصفه البعض بـ”العويل” أو “النعير” ، يكتسب رمزية مؤثرة عند مقارنته بتاريخ المدينة الحديث المأساوي والعنيف، وخاصة المجازر والحصارات التي عانت منها. لم يعد هذا الصوت مجرد صوت ميكانيكي، بل أصبح علامة سمعية لهوية حماة، رثاءً مدوياً للمعاناة الهائلة التي شهدتها المدينة.

هذا العنصر السمعي يرفع النواعير من مجرد آلات إلى معالم تاريخية حية “تروي” ماضي المدينة المؤلم من خلال دورانها المستمر والحزين. إنه يضيف طبقة عاطفية عميقة إلى أهميتها الثقافية، مما يجعلها تذكيراً قوياً، وإن كان خفياً، بمرونة حماة الدائمة وصدماتها التاريخية العميقة. إنها بمثابة شهادة مستمرة ومسموعة على صراعات المدينة وروحها.  

جدول 1: أبرز نواعير حماة في محيط ساحة العاصي

اسم الناعورةالقطر (تقريبي)تاريخ البناء/الترميمالميزات البارزة/الوظيفة التاريخيةالموقع النسبي
المحمدية21 متراً1361م (763هـ) / 1977م (ترميم)الأكبر، 120 صندوقاً، زوّدت الجامع الكبير وحمام الذهب بالمياهباب النهر
المأمورية21 متراً1453م (857هـ)ثاني أكبر ناعورة، 120 صندوقاً، روت بساتين ومساجد وحماماتالضفة اليسرى للعاصي، جنوب قصر العظم
الجسريةغير محددغير محددمن أشهر النواعير، كانت تسقي بساتين الشرققرب جسر السرايا في وسط المدينة
الدهشةغير محدد1988م (ترميم)لا يوجد بها دائرة داخلية، دلوها تتناوب بين كبير وصغير، كانت تدير طاحونةشمال القلعة
الدوالكغير محدد1983م، 1988م (ترميم)تقع على الضفة اليسرى، كانت تدير طاحونةالضفة اليسرى للعاصي
الخضورة17.5 متراً1988م (ترميم)قريبة من مقام الخضرشمال غرب حماة
الصهيونية10 أمتار1981م، 1988م (ترميم)متوسطة الحجم، قريبة من ناعورة الجعبريةقرب ناعورة الجعبرية
الجعبرية17 متراً1981م، 1983م (ترميم) / 1988م (إعادة بناء)تقع بين الصهيونية والجامع النوريبين ناعورة الصهيونية والجامع النوري
البشرية الكبرى18 متراًغير محددجزء من مجموعة الأربع نواعير، سميت نسبة للشيخ بشرالمدخل الشرقي لحماة
العثمانيتان12 متراًغير محددناعورتان توأمتان، جزء من مجموعة الأربع نواعيرالمدخل الشرقي لحماة
المؤيدية7 أمتار1979م (إعادة بناء)الأصغر حجماً، كانت تسقي جامع خانقاه وجنينة العصرونيةقرب ناعورة العثمانية
العثمانية11 متراً1980م (ترميم)متوسطة الحجم، كانت تزود الحمام العثماني وجامع الخانقاه بالمياهخلف ناعورة المأمورية

معالم الساحة ومحيطها: شهود على الحضارة

تُظهر صور ساحة العاصي من عام 1950 مبنى السرايا ومبنى البريد وقصر الأرناؤوط والمركز الثقافي كجزء لا يتجزأ من المشهد الحضري للساحة، مما يؤكد على أهميتها التاريخية والمعمارية في تشكيل هويتها عبر الزمن. تظهر قلعة حماة المهيبة في خلفية صور الساحة، وهي تقع على تل ضخم مرتفع يطل على معظم مدينة حماة. تُعد القلعة من أقدم الحصون في سوريا، وتشكل معلماً تاريخياً بارزاً يربط الساحة بالماضي العريق للمدينة.  

يُعد قصر العظم تحفة معمارية تاريخية تطل على نهر العاصي ونواعيره الجميلة. بُني عام 1740 ليكون مقراً لحاكم حماة (ودمشق لاحقاً) أسعد باشا العظم. يتميز بتصميمه الفريد وزخارفه الرائعة، وقد تحول اليوم إلى متحف للتقاليد الشعبية، مما يجعله مركزاً ثقافياً وسياحياً مهماً. تحتضن حماة عدداً من الجوامع القديمة ذات الأهمية التاريخية مثل الجامع الكبير وجامع النوري وجامع أبي الفداء. الجامع الكبير، على وجه الخصوص، يعود تاريخ موقعه إلى القرن الثالث الميلادي كمعبد روماني، ثم تحول إلى كنيسة بيزنطية عام 595م، قبل أن يُصبح مسجداً بعد الفتح الإسلامي عام 636-637م. هذا التطور يعكس الطبقات الحضارية المتراكمة في المدينة.  

إن هذا التجمع المعماري حول ساحة العاصي، والذي يضم أنماطاً معمارية متنوعة وطبقات تاريخية متعددة، هو بمثابة نموذج مصغر لتاريخ حماة المتراكم. فالجامع الكبير، على سبيل المثال، تطور من معبد روماني إلى كنيسة بيزنطية قبل أن يصبح مسجداً. هذا، بالإضافة إلى قصور العصر العثماني مثل قصر العظم والمباني العامة الحديثة ، كلها تقع ضمن الساحة أو تطل عليها، مما يدل على استمرارية الإشغال والتكيف والتحول لهذه المساحة الحضرية عبر آلاف السنين.

إن هذا التراكم المعماري ليس مجرد مجموعة من المباني، بل هو شهادة ملموسة على الأهمية الاستراتيجية والثقافية الدائمة لحماة عبر الفترات التاريخية المختلفة. وبالتالي، تعمل الساحة كمتحف مفتوح، يروي بصرياً ماضي المدينة الغني والمعقد. لقد تركت كل حقبة بصمتها التي لا تُمحى، مما ساهم في تكوين هوية حضرية فريدة متجذرة بعمق في التاريخ وتتطور باستمرار. هذا يشير إلى أن الساحة نفسها هي وثيقة تاريخية حية.  

يُعد متنزه أم الحسن واحداً من أكبر الحدائق العامة في وسط محافظة حماة، ويقع تحديداً في ساحة العاصي. يتميز بجماله الطبيعي الخلاب وبحيراته التي تزدان بالبجع والبط. كانت الحديقة في الأصل بستاناً خاصاً قبل أن تُحوّل إلى حديقة عامة، لتُصبح ملاذاً للسكان والزوار الباحثين عن الاسترخاء والتأمل والاستمتاع بمنظر النواعير المطلة عليها.

تضم الحديقة تشكيلة متنوعة وجميلة من الزهور مثل الماغنوليا والدفلى، وأشجار السرو، بالإضافة إلى النباتات المتسلقة كالياسمين والجهنمية والزعرور. ويُقام فيها معرض الزهور سنوياً. تم تجهيز الحديقة بخدمات متكاملة تناسب جميع الأعمار، بما في ذلك مدينة ملاهي ومقاهي ومطاعم، لتلبية احتياجات الزوار من داخل حماة وخارجها.  

بينما تُبرز ساحة العاصي بوضوح كموقع للصراع السياسي الشديد، فإن وجود حديقة عامة كبيرة ومجهزة تجهيزاً جيداً مثل متنزه أم الحسن، مع مرافقها المتكاملة بما في ذلك مدينة ملاهي ومقاهي ومطاعم ، يشير إلى حاجة مستمرة وأساسية للهدوء والترفيه بين سكان المدينة. هذه الحديقة، التي تطل استراتيجياً على النواعير الشهيرة، تقدم نقطة توازن هادئة لتاريخ الساحة السياسي الأكثر اضطراباً. هذا يسلط الضوء على القدرة البشرية العميقة على البحث عن مساحات للسلام والترفيه والاستمتاع اليومي وإنشائها، حتى في المدن التي شوهتها الصراعات والصدمات التاريخية بعمق.

إن استمرار وجود هذه المساحات العامة واستخدامها النشط يؤكد مرونة الحياة اليومية وجهود المجتمع المتأصلة للحفاظ على شعور بالروتين والرفاهية والتماسك الاجتماعي. توفر هذه المساحات متنفساً اجتماعياً ونفسياً حيوياً، مما يسمح للسكان بالهروب مؤقتاً من وطأة تاريخهم والانخراط في أنشطة تعزز الشعور بالاستمرارية والأمل.  

تستضيف ساحة العاصي على مدار العام العديد من الفعاليات الهامة، بما في ذلك المؤتمرات والاجتماعات السياسية، والفعاليات الاجتماعية والعلمية، والمعارض الاقتصادية والفنية في سوريا. تُعد الساحة نقطة جذب رئيسية للسكان والزوار، الذين يقصدونها لالتقاط الصور والاستمتاع بأجوائها الحيوية. في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة جهوداً لإعادة التأهيل والإنارة لساعة حماة الشهيرة الواقعة في وسطها، وذلك كجزء من فعاليات “حماة تنبض من جديد”، مما يعكس استمرار دورها كمركز للحياة المدنية.  

ساحة العاصي في ذاكرة الصراعات: من أحداث 1982 إلى ثورة 2011

أخداث حماة 1982: فصل مؤلم في تاريخ المدينة

تمتلك حماة تاريخاً طويلاً من المقاومة والتمرد ضد حكم حزب البعث وعائلة الأسد، يعود إلى انتفاضات سابقة في عامي 1964 و1980. كانت أحداث حماة عام 1982 حملة قمـ.ـع وحشـ.ـية واسعة النطاق تهدف إلى سحق تمرد مسلح قاده تنظيم الإخـ.ـوان المسـ.ـلمين، الذي كان يتمتع بدعم كبير في حماة ومناطق أخرى. تصاعدت الاعتقالات التعسفية للمدنيين، وخاصة الوجهاء وقادة المجتمع في حماة، بشكل كبير منذ عام 1980 مع تشديد حافظ الأسد قبضته على السلطة، مما مهد الطريق للاقتحام العسكري للمدينة.  

بدأت المجـ.ـزرة في 2 فبراير 1982 واستمرت لمدة 27 يوماً، وتم تنسيقها من قبل سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، وبمشاركة عدة فرق وألوية من الجيش السوري النظامي. استخدمت القوات المهاجمة المدفعية الثقيلة والطائرات الحربية لقصف الأحياء السكنية بشكل عشوائي، مما أدى إلى تدمير مناطق بأكملها مثل زنباكي والكيالنية والشرقية والشيخ عنبر، والتي لم تُعد بناؤها. تتراوح تقديرات الضحايا المدنيين بين 20,000 و60,000 قتيل، بالإضافة إلى حوالي 17,000 مفقود.

شملت المجـ.ـزرة إعـ.ـدامات ميدانية جماعية مـ.ـروعة، حيث تمت تصـ.ـفية رجال وفتيان أمام منازلهم، وفي المستشفيات، وداخل السجون. وقد وُصفت مشاهد مروعة لقتل الأطفال أمام آبائهم وتعذيب السجناء. كان التعـ.ـذيب ممنهجاً ووحشـ.ـياً، بما في ذلك قلـ.ـع الأظافر.

بعد السيطرة على المدينة، فرض النظام حصاراً وقيوداً أمنية مشددة، وحرم عائلات المعارضين من الوظائف الحكومية والوصول إلى الخدمات الصحية وحتى الإعانات الغذائية الأساسية. وُصفت حماة بأنها أصبحت “سجناً تحت سماء مفتوحة” بسبب القبضة الأمنية المشددة.  

إن الأحداث التي وقعت عام 1982 تجاوزت كونها مجرد عملية عسكرية؛ لقد كانت سياسة ممنهجة من الدولة تهدف إلى سـ.ـحق أي احتمال للمعارضة المنظمة وإلى غرس خوف واسع النطاق ومتوارث عبر الأجيال. ومع ذلك، فإن تأثيرها العميق والدائم على الذاكرة الجماعية للمدينة يظهر أنه بينما يمكن سحق المقاومة الجسدية والسياسية بوحشـ.ـية، فإن الأبعاد النفسية والثقافية للمقاومة يمكن أن تستمر.

هذه الذاكرة المستمرة، حتى تحت القمع الشديد، تصبح تياراً خفياً قوياً يظهر بوضوح خلال فترات عدم الاستقرار اللاحقة، كما شهدت حماة بشكل دراماتيكي خلال ثورة 2011. هذا يوضح الإرث النفسي والسياسي المعقد وطويل الأمد للعنف الذي ترعاه الدولة وكيف يمكن أن يساهم بشكل متناقض في الانتفاضات المستقبلية.

لقد برر نظام الأسد المجـ.ـزرة رسمياً بأنها إجراء ضروري لمكافحة انتشار جماعة الإخـ.ـوان المسـ.ـلمين. ومع ذلك، فإن الروايات المفصلة من مصادر متعددة تصف عمليات قـ.ـتل عشوائية للمدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال والمرضى في المستشفيات، إلى جانب التدمير الواسع والمتعمد لأحياء مدنية بأكملها. هذا التناقض الصارخ بين تبرير النظام المعلن والواقع الموثق يسلط الضوء على نمط ثابت للأنظمة السلطوية التي تستخدم رواية “مكافحة الإرهـ.ـاب” أو “الأمن القومي” لإضفاء الشرعية على الفظائع واسعة النطاق ضد سكانها المدنيين.

إنه يؤكد أن العنف تجاوز بكثير المخاوف الأمنية المشروعة، ويهدف بدلاً من ذلك إلى السيطرة الكاملة والعقاب الجماعي والقمـ.ـع الوحـ.ـشي لأي شكل من أشكال المعارضة، بغض النظر عن الانتماء الفعلي. أصبحت هذه السابقة التاريخية من عام 1982 مخططاً مروعاً لنهج النظام في التعامل مع احتجاجات عام 2011، مما يدل على استعداده لاستخدام العـ.ـنف الشديد للحفاظ على السلطة وسحق أي تهديد متصور لسلطته.  

ثورة 2011: ساحة العاصي منبرًا للحرية

شهدت حماة، وساحة العاصي بشكل خاص، مظاهرات حاشدة وغير مسبوقة في عام 2011، حيث امتلأت الساحة بعشرات الآلاف، ثم مئات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا تحدياً لحكم بشار الأسد. في 1 يوليو 2011، شهدت ساحة العاصي أكبر مظاهرة في تاريخ الثورة السورية على الإطلاق، حيث قدر عدد المتظاهرين فيها بأكثر من 400,000، ووصل في بعض التقديرات إلى نصف مليون متظاهر يطالبون برحيل النظام.

كانت الساحة مركزاً رئيسياً للاحتجاجات منذ بدايات الثورة في مارس 2011، حيث بدأ المتظاهرون في محاولات متكررة للوصول إليها، وخاضوا مواجهات مع قوات الأمن والشبيحة في محيطها. يُقال إن شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” قد أُطلق لأول مرة في حماة بتاريخ 22 أبريل 2011. في خطوة رمزية، زار السفيران الأمريكي والفرنسي حماة في يوليو 2011 لإظهار التضامن مع المتظاهرين، مما أثار غضب الحكومة السورية التي اعتبرت ذلك محاولة لـ”زعزعة الاستقرار”.  

رد النظام السوري على المظاهرات بقمـ.ـع عنـ.ـيف، حيث تم نشر الدبابات في حماة بتاريخ 3 يوليو 2011، مما أسفر عن مقـ.ـتل أكثر من 16 مدنياً على يد قوات الأمن. في 31 يوليو 2011، اقتحم الجيش السوري مدينة حماة في حملة قمع وطنية واسعة عُرفت باسم “مجـ.ـزرة رمضان”.

أسفر هذا الاقتحام عن مقـ.ـتل أكثر من 100 شخص في حماة وحدها في ذلك اليوم، بالإضافة إلى مئات الجرحى. كجزء من الحصار والقمع، تم قطع المياه والكهرباء وجميع الاتصالات عن المدينة وضواحيها، واستخدمت الدبابات والمدرعات لقمع الاحتجاجات وإطلاق النار العشوائي على المنازل والمساجد. ارتفع عدد القتـ.ـلى المدنيين في حماة إلى أكثر من 200 شخص بحلول 4 أغسطس 2011. في 10 يونيو 2011، قامت أجهزة الأمن بإزالة تمثال حافظ الأسد من دوار النسر عند المدخل الجنوبي للمدينة، على ما يبدو خشية قيام المتظاهرين بتحطيمه.  

لقد تميزت حماة في بداية انتفاضة 2011 باستضافتها لبعض أكبر الاحتجاجات السلمية وأكثرها استمرارية. كان رد النظام سريعاً ووحشـ.ـياً وغير متناسب، وشمل نشر الدبابات على الفور، وعمليات قتل جماعية، وحصاراً واسع النطاق. هذا التصعيد السريع من المعارضة السلمية إلى القمع العسكري في حماة، والذي يذكر بالأحداث المأساوية لعام 1982، وضع سابقة مخيفة لنهج النظام في التعامل مع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. لقد كانت تجربة حماة في عام 2011 مؤشراً مبكراً وصارخاً على عدم استعداد نظام الأسد المطلق للتسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة، بغض النظر عن طبيعتها السلمية.

وقد تنبأ هذا بالانزلاق الحتمي إلى حرب أهلية شاملة. إن سمعة المدينة التاريخية كـ”معقل للمعارضة” جعلتها هدفاً رئيسياً للنظام لإظهار تصميمه الوحـ.ـشي، مما أدى عن غير قصد إلى تسريع عسكرة الانتفاضة في جميع أنحاء سوريا. علاوة على ذلك، فإن استجابة المجتمع الدولي التي كانت إدانة إلى حد كبير ولكنها غير تدخلية لقمع حماة، أرست أيضاً نمطاً سيحدد إلى حد كبير مشاركته طوال الحرب الأهلية اللاحقة.  

إن المصير الدوري لتمثال حافظ الأسد في حماة يحمل رمزية عميقة. فإزالته الأولية من قبل قوات الأمن في يونيو 2011 – وهو عمل من أعمال السيطرة الوقائية – تلاها إعادة نصبه من قبل النظام في عام 2017 كتأكيد على استعادة السلطة، وأخيراً إسقاطه النهائي من قبل الشعب في ديسمبر 2024 ، يؤكد القوة الرمزية العميقة المتأصلة في الآثار العامة والمساحات التي تشغلها.

إن فعل إزالة أو إسقاط تمثال ليس مجرد تخريب، بل هو إعلان قوي عن تحول في السلطة، ورفض للسلطة السابقة، واستعادة للذاكرة والسرد العام. هذا الدراما المتكررة المحيطة بالتمثال في حماة توضح بشكل حي أن السيطرة على الأماكن العامة وتمثيلاتها الرمزية هي ساحة معركة حاسمة في التحولات السياسية.

إن مصير التمثال يعكس مباشرة صعود وهبوط السلطة السياسية والصراع المستمر للسيطرة على السرد بين النظام والشعب. إن إسقاطه النهائي والمبهج في عام 2024، وسط احتفالات واسعة النطاق بانهيار النظام، يرمز إلى استعادة قوية وملموسة للذاكرة العامة والمساحة من قبل الشعب، مما يمثل نهاية رمزية، إن لم تكن نهائية، لعقود من الحكم الاستبدادي وبداية فصل جديد يتم فيه تأكيد الإرادة الشعبية.  

جدول 2: تسلسل زمني للأحداث الرئيسية في ساحة العاصي (2011-2024)

التاريخالحدث الرئيسيالوصف/الأهميةعدد المتظاهرين/الضحايا (إن وجد)
22 أبريل 2011إطلاق شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”يُعتقد أنه أُطلق لأول مرة في حماة، مع إطلاق نار حي على المتظاهرينآلاف المتظاهرين، جرحى وشهيد واحد على الأقل
3 يونيو 2011مجـ.ـزرة “جمعة أطفال الحرية”محاولة المتظاهرين الوصول إلى الساحة قوبلت بالنار الحي73 قتـ.ـيلاً على الأقل، مئات الجرحى
10 يونيو 2011إزالة تمثال حافظ الأسدقامت أجهزة الأمن بإزالة التمثال خشية تحطيمه من المتظاهرين
1 يوليو 2011أكبر مظاهرة في تاريخ الثورة السوريةاحتشد مئات الآلاف في الساحة مطالبين برحيل بشار الأسدأكثر من 400,000 – نصف مليون متظاهر
يوليو 2011زيارة السفراء الأمريكي والفرنسيروبرت فورد وإيريك شوفالييه يزوران حماة تضامناً مع المحتجين
31 يوليو 2011“مجـ.ـزرة رمضان” وحصار حماةاقتحام الجيش السوري للمدينة، قطع الخدمات، إطلاق نار عشوائيأكثر من 100 قتـ.ـيل في حماة وحدها، مئات الجرحى
3 أغسطس 2011احتلال الدبابات لساحة العاصيدبابات الجيش السوري تقتحم الحواجز وتسيطر على الساحة
9 فبراير 2017إعادة تمثال حافظ الأسدأعيد نصب التمثال في دوار النسر وسط تشديد أمني
6 ديسمبر 2024إسقاط تمثال حافظ الأسدحشد من الأهالي يسقط التمثال احتفالاً بسقوط النظام

الساحة اليوم: صمود وتطلعات نحو المستقبل

بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، عادت ساحة العاصي لتنبض بالحياة، واصفةً إياها المصادر بأنها “حرة أبية”. شهدت المدينة احتفالات واسعة النطاق، بما في ذلك “مهرجان النصر والتحرير” الذي أقيم في ساحة العاصي بمشاركة شعبية واسعة من الأهالي، مع ترديد هتافات وأناشيد الثورة التي كانت ممنوعة سابقاً. في خطوة ذات رمزية عالية، تم إسقاط تمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في حماة بتاريخ 6 ديسمبر 2024، حيث أظهرت لقطات متداولة حشداً يحتفل بالحدث وسط هتافات “الله أكبر” وسماع صوت يردد “الحمد لله”.

تجمع الشبان في الساحة للاحتفال بسيطرة المعارضة المسلحة على المدينة، مرددين هتافات مثل “رغماً عنك يا أسد، حرية للأبد”، مما يعكس شعوراً بالتحرر. عاد المنشدون الذين كانوا ممنوعين من قبل النظام، للإنشاد في ساحة العاصي بعد 44 عاماً من إبعاده، في لحظات وصفت بالتاريخية.  

لقد أشارت العودة السريعة والواسعة النطاق للناس إلى ساحة العاصي للاحتفالات العفوية، والإسقاط الرمزي لتمثال حافظ الأسد، والأداء العلني للأناشيد الثورية التي كانت محظورة سابقاً ، إلى رغبة عميقة وشديدة في استعادة الفضاء العام كرمز ملموس للحرية المكتشفة حديثاً. إن الطبيعة الفورية والمبهجة لهذه التجمعات تؤكد التطلعات الهائلة المكبوتة والعواطف المقموعة للسكان. هذا التحول السريع للساحة من موقع للقمـ.ـع الوحـ.ـشي إلى موقع للاحتفال النابض بالحياة يسلط الضوء على الدور الحاسم للمساحات العامة في التعبير عن التغيير السياسي وتثبيته.

إنه يشير إلى أن التحرير المادي لهذه المساحات يرتبط ارتباطاً جوهرياً بالتحرير النفسي للشعب، مما يمكنهم من التعبير علناً عن هويات وروايات وعواطف كانت مكبوتة سابقاً تحت الحكم الاستبدادي. إن فعل الاستعادة هذا ليس مجرد حدث، بل هو مؤشر قوي على تحول مجتمعي أساسي من حالة الخوف والسيطرة إلى حالة من الأمل وتقرير المصير.  

بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى الساحة، مع تواجد الباعة الجوالين الذين يفترشون الأرصفة، والناس الذين يقصدونها لالتقاط الصور والعيش في أجواء ما بعد التحرير. سادت الأجواء الاحتفالية في المحافظة بعد سيطرة قوات المعارضة عليها، مع شعور عام بالفرح والراحة. الساحة وحديقتها أصبحت مقصداً لسكان المدينة وزوارها مساء كل يوم، مما يؤكد على استعادة دورها كمركز اجتماعي. تظهر وجوه السعادة على الكثيرين من الرجال والأطفال والكبار، وكأن البلد في عيد، مما يعكس تحولاً نفسياً عميقاً.  

إن عودة الشخصيات الثقافية، الذي كانت أناشيده من الثمانينيات محظورة ومتداولة سراً لعقود ، وأدائها العلني في الساحة، يوضح كيف عملت التعبيرات الثقافية والذكريات التاريخية المشتركة (خاصة مجـ.ـزرة 1982) كقوة حيوية وخفية حافظت على روح المقاومة عبر أجيال متعددة. تجاوزت هذه الأغاني والشخصيات مجرد الترفيه لتصبح رموزاً قوية للصمود والاستمرارية. تشير هذه الظاهرة إلى الدور العميق الذي غالباً ما يتم التقليل من شأنه للأشكال غير العسكرية للمقاومة، مثل الذاكرة الثقافية والتقاليد الشفوية والتعبير الفني، في الحفاظ على المعارضة تحت الأنظمة القمعية.

إن قدرة هذه الرموز المكبوتة منذ فترة طويلة على الظهور مرة أخرى والتردد بقوة خلال لحظات التحرير تشير إلى أن السيطرة الاستبدادية، على الرغم من كونها جسدية وواسعة النطاق، غالباً ما تفشل في إخماد الذاكرة الجماعية والهوية الثقافية بالكامل. يمكن أن تصبح هذه العناصر غير الملموسة قوى موحدة قوية للتغيير عندما تتاح أخيراً فرص التعبير العلني، مما يؤكد مرونة الروح البشرية ضد الطغيان.  

تظل الساحة رمزاً للذاكرة الجماعية للمدينة، وللتحرر من “مملكة الخوف” التي فرضها النظام لعقود. تمثل الساحة “الراحة النفسية التي لا توصف” للشباب الذين كانوا يختبئون والآن يظهرون بحرية. تجسد الساحة صمود مدينة حماة التي “أراد لها الأسد أن تموت ولكنها وقفت شامخة تناضل ضده”، مؤكدة على روح المقاومة.  

خاتمة: ساحة العاصي – أيقونة الصمود والهوية السورية

تتجاوز ساحة العاصي كونها مجرد معلم جغرافي؛ إنها تجسيد حي لتاريخ حماة الغني بالطبقات الحضارية المعقدة، من العصور الرومانية والبيزنطية إلى العثمانية والمعاصرة. تمثل الساحة نقطة التقاء للتراث المائي الفريد للمدينة، المتمثل في النواعير العريقة التي لا تزال تدور، ومعالمها المعمارية التي تحكي قصص الحضارات المتعاقبة، وحدائقها التي توفر مساحة للحياة اليومية الهادئة. هي رمز للذاكرة الجماعية لحماة، محفورة فيها آلام مجـ.ـزرتي 1982 و2011، وتضحيات شعبها، وتطلعاته التي لا تموت نحو الحرية والعدالة.  

بعد عقود من القمع والظلم، عادت الساحة لتنبض بالحياة والاحتفالات، مؤكدة على صمود شعب حماة الأبي وقدرته على استعادة مساحاته العامة وهويته. تظل الساحة شاهداً حياً على قدرة المدينة على التكيف والنهوض من الرماد، ومصدراً للإلهام في السعي المستمر نحو مستقبل أفضل، حيث تحولت من ساحة قمع إلى منبر للحرية. إنها أيقونة للصمود، تحمل في طياتها قصص الماضي وتطلعات المستقبل، وتظل جزءاً لا يتجزأ من الهوية السورية، تروي صراع شعب بأكمله من أجل الكرامة والحرية.  

إن السرد الشامل لساحة العاصي، الذي يمتد من أصولها القديمة، إلى حيويتها الثقافية، وقمـ.ـعها الوحـ.ـشي تحت نظام الأسد، واستعادتها المنتصرة مؤخراً من قبل الشعب، يمثل نموذجاً مصغراً مقنعاً للقصة السورية الأكبر. إن تاريخ الساحة المتعدد الأوجه، الذي يشمل كلاً من التراث الدائم والصراع السياسي العميق، يلخص المعاناة الجماعية للأمة، ومرونتها الملحوظة، وتطلعاتها المستمرة للحرية. إن مصير الساحة ليس مجرد أمر محلي؛ بل يعكس ويرمز إلى النضال الوطني الأوسع من أجل الحرية والكرامة الذي حدد تاريخ سوريا الحديث.

إن حالتها الحالية من الاحتفال بعد انهيار النظام تقدم رمزاً قوياً، وإن كان قد يكون هشاً، للأمل في حقبة جديدة في سوريا. هذا يؤكد الفكرة العميقة بأن معركة السيطرة على الأماكن العامة غالباً ما تكون مرادفة لمعركة الهوية الوطنية، والذاكرة الجماعية، وفي نهاية المطاف، تقرير المصير السياسي. تجسد الساحة العملية المعقدة والمستمرة لأمة تتصارع مع ماضيها وتسعى جاهدة لتحديد مستقبلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى